دخل حسّان السجن بتهمة تعاطي المخدرات. بعد ثلاثة أشهر، خرج خبيراً بمختلف أنواع المواد المخدرة، بعدما كانت معرفته مقتصرة على «حشيشة الكيف». لم يسمع الشاب العشريني أي دعوة من القضاة الذين حاكموه ولا من سجّانيه، إلى المساعدة على الإقلاع عن الإدمان. دخل حسّان، العاطل من العمل حالياً، إلى السجن ثلاث مرات أخرى، كانت كلها كما الأولى... اكتفاء بالعقوبة من دون رعاية أو إصلاح.حالة حسان ليست فريدة، لكنها تُمثّل نموذجاً لتعاطي الدولة مع حالات كهذه. وإزاء ذلك، يبرز السؤال عن برامج إعادة تأهيل السجناء، خصوصاً المدمنين منهم على المخدرات، التي لم يبقَ مسؤول معنيّ بملف السجون إلا تحدّث عنها؟ يأسف أحد القضاة المختصين بمتابعة هذه القضايا لـ«عدم جدية المسؤولين في الوزارات المعنية، في مختلف العهود المتعاقبة، بحيث يكتفون بإطلاق الوعود التي تتبخر مع تبخّر كراسيهم، فيذهبون ويأتي آخرون برؤيات مختلفة... وهكذا». ويلفت القاضي في حديث مع «الأخبار» إلى أن القانون «تحدّث عن حقوق للمدمن، إذ نصّت المادة 199 من قانون المخدرات على إنشاء لجنة قضائية خاصة بالإدمان، بحيث يمكن الشخص الموقوف أمام القضاء أن يطلب إحالته إلى هذه اللجنة، بغية تأمين العلاج له، وبالتالي، تجميد الإجراءات العقابية بحقه بعد إظهار تعاونه».
أين هي هذه اللجنة، ولماذا لا يسمع أحد عن دور لها؟ كيف تكون هناك لجنة من هذا النوع، وحسّان، اليوم شريد الطرقات وأقرب إلى الموت، وهو الذي يؤكد عزمه على الإقلاع عن الإدمان بمجرد أن تُمد اليه يد المساعدة؟ يأسف القاضي من جديد. ويجيب: «لجنة الإدمان معطّلة، ومن أسباب ذلك، فضلاً عن عدم تعاون الوزارات المعنية، عدم تخصيص قضاة لهذه الغاية، فالقضاة لا يمكنهم التفرّغ لهذه المهمة فيما هم مكلفون متابعة قضايا أخرى، ولذا يجب تعديل النص القانوني ليصبح أكثر مواءمة لعمل هذه اللجنة، وإلى ذلك الحين ليس للمدمنين سوى الله».
وفي سياق متصل، أشار القاضي إلى «أهمية التمييز في السياسة العقابية، بل وفي النظرة أيضاً، بين تاجر المخدرات والمدمن، لأن الأول مجرم بامتياز ويساهم في تدمير الآخرين، فيما الثاني مريض يحتاج إلى المساعدة للخروج مما هو فيه، علماً أننا وجدنا أغلب هؤلاء كارهين لما هم عليه وينتظرون المساعدة من أي أحد، خصوصاً الفقراء منهم، وهم الأغلبية، الذين لا يملكون ثمن برامج العلاج الباهظة التي تقدمها بعض المؤسسات المختصة، فيما لا يوجد لدى الدولة مركز مختص لمعالجة هذه الحالات».
يُذكر أن قضايا المخدرات أمام القضاء لم تعد هامشية، إذ أصبحت في الآونة الأخيرة تحتل المركز الأول في عدد الأحكام الصادرة عن محاكم الجنايات. فمثلاً، من بين 40 حكماً قضائياً صدرت أخيراً عن إحدى تلك المحاكم، 30 منها تتعلق بقضايا مخدرات. لم تتضمن نصوص هذه الأحكام أي إشارة إلى إحالة متعاط أو مدمن إلى اللجنة المذكورة، ولا إلى أي من المراكز الرعائية التابعة لجمعيات أهلية. علماً أن هذه الجمعيات باتت، أخيراً، موضع انتقاد بعض المتابعين، بسبب عدم فاعليتها، وسعيها الى تضخيم دورها «المنقذ» في الإعلام، فيما هي لا تُقدّم للمدمنين الفقراء سوى الاستقبال والمعاينة وبعض الإرشادات، وتقف عاجزة حيال برامج العلاج الباهظة الثمن.