البقاع | لم يكن الخبر الذي تلقاه أحمد الشل، للتو من «الطاقة» الخشبية في دائرة نفوس بعلبك، مفرحاً أبداً. فهذا الخبر الصغير حوّله شخصاً مجهولاً، مكتوم القيد، بعدما أبلغه أحد موظفي الدائرة أن حرفاً من اسمه المدون على سجل القيد الرسمي قد «سقط» بسبب الاهتراء. سقوط الحرف غيّر كل شيء، ولم تنفع محاولات الشل اليائسة لحل الإشكال، فلا بطاقة الهوية ولا حتى إخراج القيد العائلي أسعفاه في إرجاعه شخصاً «موجوداً». وبسبب هذا السقوط الذي حصل نتيجة الإهمال، لم يعد بإمكان الرجل تقديم المعاملة التي يحتاج إليها، إلا بعد أربعة أشهر أو ستة، إلى حين معالجة اللجنة المتخصصة هذه المشكلة.
حالة الشل لم تكن الأولى طبعاً، فقد سبقته مئات من الأسماء «الساقطة» عن السجل المهترئ، الذي ضم أخيراً النائب السابق إبراهيم بيان، الذي لم تشفع له سنوات تمثيله لمنطقة بعلبك ـــــ الهرمل في الاستحصال على إخراج قيد إفرادي.
وإذا كان من الممكن في بعض الدوائر الأخرى حل هذه المشكلة بالعودة إلى أرشيف الدائرة الخاص بـ«وثائق الولادة»، التي يُمنح المواطن بموجبها الوثيقة الرسمية التي يطلبها، فإنه في دائرة نفوس بعلبك، بات ذلك من «غير الممكن»، كما يؤكد أحد الموظفين الرسميين، الذي رفض ذكر اسمه. وأشار الموظف المذكور إلى أن «أرشيف الدائرة في حال يرثى لها، ولا يمكن الاعتماد عليه لوجوده على «التتخيتة» في السرايا، ولتأثره بالنش والرطوبة حيناً، وبالأمطار المتساقطة أحياناً أخرى»، يقول.
دائرة نفوس بعلبك المسؤولة عن توثيق بيانات أكثر من 500 ألف نسمة، في المنطقة الممتدة من بلدة يونين شمالاً، حتى بلدتي بريتال وحورتعلا شرقي بعلبك، وبلدتي معربون وطفيل عند الحدود اللبنانية ــــ السورية، تتألف من غرفتين فقط من الطبقة الثانية في سرايا بعلبك الحكومية، وتفتقران الى أدنى المقومات «وأقلها سجلات القيد التي أصبحت مهترئة وممزقة»، كما يقول المختار حسين الشل، الذي رجح خلال سنتين أن «تبلغ نسبة المواطنين الذين يفقدون شرعية الحصول على بيانات رسمية لهم من دائرة بعلبك، ثلاثين في المئة». أعداد ستضاف تلقائياً إلى سجل «المختلف»، وهو السجل المؤقت الذي توضع فيه الأسماء لنقلها بعد ذلك إلى سجل الوارد الرسمي.
ولفت الشل في حديث إلى «الأخبار» إلى أنه «نتيجة الارتفاع الكبير في عدد الأشخاص الذين تسقط أحرف من أسمائهم وتحوّل أسماؤهم إلى سجل المختلف، أقدم مخاتير المدينة على اقتراح نسخ بعض سجلات القيد الرسمية المهترئة على أخرى جديدة مجاناً، وبإشراف من موظفي الدائرة، إلا أن الاقتراح قوبل بالرفض القاطع، بذريعة أن الداخلية مضعضعة وأحوالها غير مستقرة».
وكانت وزارة الداخلية والبلديات قد أقدمت في وقت سابق على تأليف لجنة لتنظيم السجلات والتدقيق فيها وبت طلبات المواطنين الذين لم يعد بإمكانهم الاستحصال على وثائق وبيانات من الدائرة وفقاً للطرق العادية، لكن، لم تتقيد اللجنة «بالحضور الأسبوعي كما كان مقرراً»، يضيف الشل. وعلى هذا «ينبغي لصاحب العلاقة أن ينتظر فترة تراوح بين أربعة أشهر وستة لكي تبت اللجنة أيّ طلب».
من جهته، أوضح مختار بلدة الجمالية حسين جمال الدين أن «دفتر المختلف الذي اختلقوه عام 1975 بغية تسجيل الأسماء المفقودة نتيجة احتراق السجلات بات من الدفاتر الأساسية واستمر العمل فيه، حتى إنهم باتوا يضيفون إليه»، مشدداً على أن «عدد الأسماء التي تضاف إلى السجل ترتفع بسرعة كبيرة، ففي بريتال وحدها 600 شخص غير مدرجة أسماؤهم أو لديهم سجلات ممزقة».
وأشار جمال الدين إلى أن وفداً من مخاتير المنطقة التقى منذ قرابة تسعة أشهر المديرة العامة بالوكالة للأحوال الشخصية سوزان خوري، وحصل منها على وعد بأنها خلال فترة ستة أشهر ستصدر قراراً بتجديد الأسماء ونقلها، «إلا أنها لم تف بوعدها لنا، واختلقوا لنا مسألة اللجنة التي تقتصر مهمتها على تسجيل من لهم قيود في سجل المختلف دون السجلات الأساسية المهترئة، يعني حتى يظل الناس يتعذبون بين تمزق الاسم على السجل الرسمي وانتظار ستة أشهر حتى المعالجة، وعندها تتعطل الحياة بأكملها في المنطقة، فلا طبابة ولا ضمان ولا تعاونيات ولا مدارس».
وأمام المشكلة التي يعانيها المواطنون، نظم مخاتير بعلبك تحركاً في التاسع من أيار المنصرم، وتقدموا بطلب موعد من الخوري، إلا أنها لم توافق على الطلب، كما يؤكد جمال الدين، الذي لفت إلى تفاؤله بالوزير الجديد، وإلى أنهم سيسارعون إلى طلب مقابلته ورفع شكواهم إليه. أما إذا لم يستمع إلينا أحد، «فالمنطقة كلها رح تنزل ع الشارع حتى يسمعونا المسؤولين ويخفّفوا الأعباء والمشاكل عن أهلنا وناسنا»، يختم.



لقطة

يستاء المخاتير في دائرتي نفوس بعلبك وشمسطار، من تعامل الموظفين معهم، الذين يمنعونهم من الدخول إلى مكاتبهم. وفي هذا الإطار، لفت المختار حسين الشل إلى أن «هذا الأمر يهدم معنويات المخاتير الذين يعدّون واجهة للناس، ويعرّفون حتى عن رئيس الجمهورية». ويضيف «ثم إن الدخول لا يتعدى النصوص القانونية»، مستشهداً بأحد بيانات القيد التي دوّنها لفتاة، والتي ذيّل فيها الطلب بعبارة «معروفة مني شخصياً، لكون الفتاة من بلدة مجاورة وأعرفها شخصياً وعلى مسؤوليتي». وبعد رد الطلب، عاود إرساله بطريقة غير مباشرة لأحد السماسرة مرفقاً بعشرة آلاف ليرة، «ليحصل على بيان القيد في مدة لا تتعدّى نصف ساعة». وقد أبلغ الشل هذا الأمر إلى رئيسة الدائرة التي وعدت بمساءلة الموظف الذي نفّذ البيان.



شمسطار سجلاتها مهترئة أيضاً

تكاد لا تنحصر مشكلة السجلات المهترئة في دائرة نفوس بعلبك. ففي شمسطار أيضاً ثمة دائرة نفوس تحوي أيضاً سجلات مهترئة. سجلات فاق عمرها الخمسين عاماً «ولم تشهد أي محاولة لاستنساخها أو ترميمها»، يؤكد المختار عبد الله شحيتلي أمين سر رابطة مخاتير غربي بعلبك، الذي أشار في حديث لـ«الأخبار» إلى أن «اهتراء بعض السجلات يؤدي إلى التأخير في معاملات المواطنين». وناشد شحيتلي وزير الداخلية «الموافقة على الطلب الذي تقدمنا به منذ فترة لنسخ سجلات القيد في دائرة نفوس شمسطار، بعدما تمكنا من الحصول على موافقة مبدئية من اتحاد بلديات غربي بعلبك بتمويل عملية النسخ بقيمة 50 مليون ليرة»، كما لفت شحيتلي إلى غياب التجهيزات، والتأخير الناتج من معاملات البريد لدائرة النفوس.