«أين أولادنا؟ لماذا لم يأتوا بهم إلى المحكمة؟». سؤال لم يحصل أهالي 3 سجناء على جواب له، أمس، بعد انتظارهم لساعات على باب محكمة الجنايات في بيروت. خرجوا من «العدلية» محبطين، ومعهم موعد جديد لجلسة أخرى، قد لا تحصل أيضاً، من دون أن يعرفوا سبب التأجيل. إثر ذلك، رفعت رئيسة قلم المحكمة سمّاعة الهاتف غاضبة، بعدما رأت الأسى في عيون الأهالي، واتصلت بالمسؤولين في سجن طرابلس. سألت عن سبب عدم سَوق الموقوفين الثلاثة إلى جلسة المحاكمة، المُحدد موعدها منذ أشهر، فلم يكن جواب الرائد المسؤول سوى أن «سيارة النقل معطّلة». أغلقت الهاتف، وطلبت من إحدى الموظفات أن تبلغ القاضية هيلانة اسكندر، المنتظرة تحت قوس المحكمة، بجواب المسؤولين في السجن. هكذا، أرجئت جلسات كل من محمد. ن. ونور الدين هـ. وأحمد ق. لأشهر عدّة، وبالتالي، تأخرت عنهم العدالة لأسباب لا شأن لهم بها.هذ الحالة، التي حصلت أمس، ليست استثناءً في المحاكم؛ إذ يُرجأ الكثير من المحاكمات لأشهر طويلة بسبب «عجز» القوى الأمنية عن سَوق السجناء إلى الجلسات، تارة بسبب عدم توافر آلية للسوق، وتارة أخرى بسبب عدم توافر ما يكفي من السائقين، فضلاً عن الأعطال الكثيرة التي تطرأ على سيارات النقل القديمة والمهترئة. ومن هذه الحالات، موقوف مضى على مكوثه 5 سنوات خلف القضبان من دون محاكمة، وعندما حان قبل أيام موعد جلسته لم تُحضره إدارة السجن للسبب نفسه. يومها، قرر القاضي بركان سعد، بعد علمه بعدم إحضار السجين، التوقف عن العمل لمعرفة السبب، فطلب حضور رئيسة القلم إلى القاعة ليسألها عن الأمر أمام الجميع، وعندما أجابته بما أعلمتها به إدارة السجن، أمر بتدوين الإفادة في محضر الجلسة.
قد يُفهم سبب غضب القضاة وتذمّرهم من عدم إحضار الموقوفين إلى الجلسات؛ لأن الأهالي والرأي العام «يحمّلون القضاة دائماً مسؤولية التأخير في بت المحاكمات، لكن ماذا يفعل القضاة إن كانت القوى الأمنية المعنية لا تقوم بواجباتها في هذا المجال، رغم أن محكمة الجنايات باتت أخيراً تعطي أولوية في بت الأحكام للأشخاص الموقوفين على من هم خارج السجن، وذلك بغية التخفيف من اكتظاظ السجون». هذا ما يؤكّده الموظفون في المحكمة المذكورة، الذين علمت «الأخبار» أنهم اشتكوا قبل أيام لهيئة التفتيش القضائي، أثناء إحدى جولات التفتيش، من عدم تعاون قائد الدرك معهم في مسألة سَوق الموقوفين.
من جهته، لفت مسؤول أمني معني بملف السجون، إلى أن مشكلة سَوق السجناء «كانت أحد أسباب الانتفاضة التي شهدها سجن رومية في الآونة الأخيرة، ومردّ ذلك ضعف الإمكانات اللوجستية (الآليات والسيارات) والبشرية (نقص في العديد)». ويضيف المسؤول في حديث مع «الأخبار» أن مشكلة السَّوق قد حُلّت في سجن رومية بعد الأحداث الأخيرة، حيث عُزز السجن بآليات جديدة وعديد إضافي. إذاً، بناءً على كلام المسؤول، المشكلة في رومية حُلت بعد «انتفاضة» أدّت إلى وفاة 3 سجناء وجرح كثير منهم. فهل ينتظر المسؤولون حصول انتفاضات أخرى في سجون الأطراف، حيث تزهق أرواح سجناء آخرين، حتى يبدأ البحث في تعزيز هذه السجون بالآليات اللازمة والعديد الكافي؟
يُذكر أن لجنة أهالي السجناء كانت قد وضعت بنداً أساسياً على لائحة المطالب، التي لم يتحقق أغلبها بعد، هو «تعجيل المحاكمات ووقف التأجيل غير المبرر». وبالنسبة إلى الأهالي، هذا التأجيل هو ظلم للموقوف، الذي تظل قرينة البراءة ترافقه حتى صدور الحكم النهائي، وبالتالي من يمكنه «تقريش» المدّة التي يقضيها خلف القضبان إذا ما صدر الحكم في النهاية بإعلان براءته؟