مع تأليف الحكومة الجديدة، غادر ثلاثة وعشرون وزيراً مقاعد الحكومة وحل محلّهم وزراء جدد. وسط عملية التسلّم والتسليم بين السلف والخلف، «ضاع» جيش من العناصر الأمنيين المكلّفين حماية هذه الشخصيات. هل يُبقي من بات وزيراً سابقاً على الحرّاس الذين رافقوه لزوم المنصب الذي شغله، أم يُسلّمهم الى الخلف مع المقعد الوزاري الذي سلّمه؟
سؤال يفتح الباب واسعاً على مشكلة التضخم في عدد مرافقي الشخصيات السياسية الحالية والسابقة التي باتت تمثّل عبئاً يُثقل كاهل المؤسسة، في ظل النقص الحاد في عديد قوى الأمن الداخلي. ضباط المؤسسة لا يملكون إلا كظم الغيظ أمام «جشع» السياسيين لمزيد من المرافقين. فرغم أن القانون حدّد عدد مرافقي النائب أو الوزير بأربعة، يصل عدد هؤلاء، في بعض الحالات، إلى ما بين أربعين وخمسين عنصراً، من بينهم ضباط، يوضعون بتصرّف الشخصية.
جداول عديد مرافقة الشخصيات تحفل بكثير من الأمثلة، إذ أُلحق أكثر من ألف عنصر من قوى الأمن الداخلي، إلى جانب نحو 1500 عنصر من جهاز أمن الدولة، بالشخصيات السياسية ووزعوا على عدد من المقار الرسمية. وفُرز العدد الأكبر من هؤلاء لمواكبة المسؤولين أو لتأمين حراستهم أو حراسة منازلهم بناءً على طلبهم. وعلى سبيل المثال، لدى الرئيس الأسبق أمين الجميّل 45 عسكرياً، اثنان منهم لمواكبته و33 لنقطة حماية منزله في بكفيا، وعشرة لحماية منزله في سن الفيل. أما المجموعة الأمنية الخاصة في بلدة معراب، فيناهز عدد عناصرها الأربعين عسكرياً، بينهم ضابطان برتبة ملازم أول وعشرة رتباء، إضافة الى نحو ثمانية عناصر لمواكبة النائبة ستريدا جعجع، ونحو 16 عنصراً لنقطة حراسة منزلي جعجع والنائب أنطوان زهرا في ذوق مصبح. غير أن مسؤولاً أمنياً أكد أن عدد مرافقي جعجع يبلغ نحو 70 عسكرياً وضابطين، فيما يتردد ان العدد كان نحو 120 عسكرياً بينهم ثلاثة ضباط قبل خفضه.
وهناك، أيضاً، نحو ثلاثين عسكرياً، بينهم ضابط برتبة ملازم أول و11 رتيباً، بتصرف رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون. أما حرّاس رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط فيبلغ عددهم نحو 30 عنصراً، يتوزّعون بين فريق المواكبة ونقطة حراسة منزله. علماً أن لكل من هؤلاء الشخصيات الحق في أربعة عناصر حماية إضافيين يُفرزون من جهاز أمن الدولة. واللافت أن المسألة لا تقتصر على الرؤساء والوزراء والنواب، الحاليين والسابقين، فقط، بل تعدّتها إلى قضاة وضباط، حاليين وسابقين أيضاً. فالقاضي المتقاعد غالب غانم، مثلاً، لا يزال يحتفظ بأربعة عناصر، فضلاً عن سيارة أمنية موضوعة بتصرّفه، رغم خروجه من السلك القضائي. كذلك بعض قضاة المجلس العدلي المحالين على التقاعد يتُرك معهم عناصر حماية بقرار من مجلس الأمن المركزي، فيما يبقي قضاة آخرون على العسكر بحوزتهم، بحكم الهيمنة والعلاقات الشخصية، رغم أن القانون يفرض على القاضي تسليم العسكري لدى إحالته على التقاعد.
كذلك يستفيد إعلاميون وفنّانون من «جيش المرافقين» كتقديمات لقربهم من بعض الشخصيات. ففيما مضى، كان يرافق أحد الصحافيين الذي أصبح نائباً نحو 15 عسكرياً، فيما فُرز 20 عسكرياً لحماية صحافي يقيم اليوم خارج لبنان. وهناك إعلاميان في إحدى القنوات التلفزيونية يحرس منزل كل منهما ثلاثة عسكريين من قوى الأمن. وتستفيد من هذه «التقديمات» مؤسسات خاصة، مثل بنك البحر المتوسط، فيما يتولى نحو سبعة عسكريين حراسة مقر الأمانة العامة لقوى 14 آذار.
استنزافٌ آخر يُثقل كاهل المؤسسة، يتمثّل بعنصر المرافقة الذي يحصل عليه كل ضابط يحال على التقاعد. أما من هو في السلك من الضباط، فيراوح عدد مرافقيه بين عسكري واحد وأربعة عسكريين تبعاً للرتبة وحجم الخطر. هذا الاستنزاف للمؤسسة الأمنية يتسبب في إثارة الخلافات بين قادة الوحدات حول من سيحظى بعناصر جدد مع انتهاء كل دورة تطويع، ويثير حنق كثيرين من الضباط، خصوصاً عند المقارنة بين عديد «جيش المرافقين» وعديد المفارز والمخافر والسجون وفصائل السوق ومكاتب المخدرات ومكافحة السرقات الدولية وغيرها، التي تعاني نقصاً شديداً. فعلى سبيل المثال، يبلغ عديد عناصر مكتب مكافحة المخدرات المركزي، الذي تشمل مسؤولياته كل الأراضي اللبنانية، نحو 50 عنصراً فقط، فيما يخدم في مكتب مكافحة السرقات الدولية نحو 40 عنصراً يتوزعون على مختلف الأراضي اللبنانية، علماً بأن معظمهم يعاني من إصابات جراء عمليات دهم سابقة. أضف إلى ذلك، أن عدد الحراس في سجن رومية المركزي يبلغ 400 عسكري تناط بهم مسؤولية 4000 سجين فيما ينص القانون على أن يكون مقابل كل سجين عسكريان اثنان، وهو الأمر الذي يصفه آمر السجن العقيد فؤاد الخوري بـ«الجريمة المرتكبة في حق الحرّاس والسجناء معاً».
أما المخافر فليست أفضل حالاً، إذ إن هناك مخافر لا يتجاوز عديد عناصرها الستة، فيما يشمل نطاقها الجغرافي أربع أو خمس بلدات يتجاوز عدد القاطنين فيها آلاف الأشخاص. مخفر الهرمل، على سبيل المثال، يضم سبعة عناصر مسؤولين عن أكثر من 50 ألف نسمة. أما مخفر بعلبك، الذي لا يتجاوز عدد عناصره الـ20 عسكرياً في أحسن الأحوال، فيفترض أنه يوفر الأمن لـ120 ألف نسمة. والأمر نفسه ينطبق على الفصائل، ففصيلة الشويفات التي لا يتجاوز عديدها العشرين عنصراً تغطي نطاقاً جغرافياً يتجاوز مساحة بيروت، ويقطنه نحو 600 ألف نسمة. أما فصائل الميناء والتل والقبة والسويقة وأبي سمراء في الشمال، التي لا يتخطى عديدها الـ60 عسكرياً، فهي مسؤولة عن نحو نصف مليون نسمة يقطنون فيها.
ويلفت أحد الضباط، في حديث الى «الأخبار»، الى أن معظم السياسيين يتذرعون بـ«الضرورات الأمنية» لطلب رفع عديد عناصر قوى الأمن المرافقين لهم، فيما التجربة تؤكد أن عدد العناصر لا يحول دون الاستهداف، كما أن كثرة عدد المرافقين لا تُسهم في خفض منسوب الخطر المحيط بالشخصية المنوي استهدافها، مشيراً الى جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي لم تحل ضخامة الموكب الذي كان يحرسه دون وقوعها.
ويتساءل ضابط آخر: لماذا لا يدفع السياسي أُجرة مرافقيه من جيبه الخاص؟ ولماذا لا يستبدل مرافقيه العسكريين بآخرين مدنيين خاصين، وعندها «فليحضر السياسي 1000 مرافق ولن يسأله أحد». ويلفت الضابط إلى «معاناة يقاسيها العسكريون المرافقون»، إذ يتحوّلون، لدى الشخصية السياسية، إلى ربة منزل وسائق للابنة وجليس للأطفال ومتبضع ومجيب على الهاتف وغيرها مما لا يليق بهيبة البزة العسكرية. ويذكر الضابط أن أحد الرتباء الذي كان يعمل مرافقاً لإحدى الشخصيات السياسية لجأ إليه طالباً تقديم الاستقالة بعدما أبقته زوجة الشخصية «يجلي الصحون طوال الليل إثر وليمة أقامتها بعد نجاح ابنتها في المدرسة»!
تجدر الإشارة إلى أن العدد الأقصى المسموح به من العناصر للمرافقة والحماية، بحسب ما يحدده القانون، هو التالي: مرافقان لحرم رئيس جمهورية سابق متوفى، ستة مرافقين لرئيس طائفة مقيم في لبنان، ثمانية مرافقين لرئيس مجلس نواب سابق، ثمانية مرافقين لرئيس مجلس وزراء سابق، أربعة مرافقين لوزير حالي، أربعة مرافقين لنائب رئيس مجلس نواب سابق، أربعة مرافقين لنائب رئيس وزراء سابق، أربعة مرافقين لنائب حالي، ومرافق واحد للقاضي الحالي الذي يتولى وظيفة قضائية محددة.