لم يبدأ الموسم بعد لينتهي. هذه هي حال كروم العنب في البقاع. فقبل أن يبدأ موسم قطافها، ضربت العناقيد «ع أمها»، بسبب موجة الحر القاسية التي لم تترك للمزارعين سوى الحسرة وإحصاء الخسائر. ففي وقت يخزّن فيه مزارعو البطاطا والفواكه في البقاع إنتاجهم الوفير لهذا الموسم في البرادات الزراعية، في محاولة منهم للهرب من خسائر عدم وجود أسواق تصريفية، شرع مزارعو العنب بإحصاء خسائرهم، قبل أن يبدأ الموسم، التي سببتها «الشلهوبة». العناقيد التي لا تزال «حصرماً» في كروم بلدات غربيّ بعلبك، وصولاً حتى الفرزل والكرك في البقاع الأوسط، لم يسلم جزء كبير منها من الشلهوبة التي «دهمت» الكروم البعلية والمروية، إبان موجة الحر الأخيرة، مخلّفة وراءها أضراراً وصلت إلى حدود الثلاثين في المئة.
هكذا لم تترك الشهلوبة في كرم المزارع أحمد جانبين، الذي تفوق مساحته الثلاثين دونماً، إلا «نصف موسم». جانبين الذي كان يمنّي النفس بموسم جيد ومربح هذا العام، بالنظر إلى «الخير اللي إجا السنة من خلال الأمطار الغزيرة التي تساقطت في فصل الربيع، ووفرة العناقيد في الدوالي»، يفقد اليوم الأمل شيئاً فشيئاً بسبب ارتفاع درجات الحرارة «وعدم قدرتنا على حماية أرزاقنا». وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فقد لا يقدر جانبين ولا غيره على حماية ما بقي من العناقيد في الدوالي، وعندها «بدلاً من أن نخسر نصف موسم أو ربع موسم، نخسر الموسم كله». لهذا، لا يرجو الرجل إلا شيئاً واحداً: التفات المعنيين «إلى خسائرنا والتعويض علينا». لكن، حتى هذا المطلب يعدّه الرجل «تمنياً»؛ لأنه منذ عام 2006 «ما شفنا حدا عوّض علينا، رغم كل هيدي الخسائر»، يقول.
وليس بعيداً عن بلدة تمنين، يعمل المزارع سعيد الديراني بين دوالي كرمه في بلدته قصرنبا على جمع العناقيد التي أصابتها الشلهوبة لرميها، «فهي لم تعد تصلح للتدبيس ولا حتى للزبيب»، يقول. هو الآخر خسر الكثير. وبتفصيل أكثر «حوالى 30% من الموسم». مع ذلك، يأمل أن تقتصر الخسائر على هذه النسبة، وخصوصاً أن فصل الصيف في بدايته وموجات الحرارة المرتفعة من الممكن أن تتوالى مع الأيام المقبلة. أما عن الإرشادات التي وجهتها مصلحة الأبحاث العلمية والزراعية، لجهة عدم التوريق، فأوضح أنه جرى التقيد بها، «وذلك رغم اعتمادنا على بيع أوراق العنب لكونها تساعدنا قليلاً في تغطية بعض الأكلاف التي يتطلبها العنب، من حراثة وتشحيل لتسهيل نمو العنقود وأدوية وأسمدة». لكنه أضاف أن الإرشادات المتعلقة بزيادة نسبة المياه للدوالي، لا يمكن تطبيقها، «ذلك أن معظم كروم المنطقة هي بعلية ولا تتوافر لها المياه للري. وإن وجدت المياه، فثمة كلفة كبيرة لجهة المازوت». ومن الحلول التي يمكن اللجوء إليها أيضاً لدرء مخاطر ارتفاع درجات الحرارة، «الشباك البيضاء التي توضع فوق العرائش، إلا أنه حتى هذه لا نستطيع شراءها لعدم توافر المقدرة المالية لدى الغالبية من أصحاب الكروم».
رئيس مصلحة الأبحاث العلمية والزراعية الدكتور ميشال إفرام، أشار في اتصال مع «الأخبار» إلى أن الأضرار التي طالت حتى هذا الوقت كروم العنب وبعض الزراعات «أمر طبيعي، نظراً إلى درجات الحرارة المرتفعة التي تشهدها المنطقة منذ الأسبوع الأول لشهر تموز»، مشيراً إلى أن موجة الحر من الممكن أن تفوق الأربعين درجة مئوية اليوم وغداً، «وبالتالي ثمة خطورة من تزايد الأضرار نتيجة ذلك». ولفت إفرام إلى أنه «أمام غياب المقدرة المالية لدى أصحاب الكروم لتوفير الشباك، ومواجهة هذه الموجة، نبغي زيادة كميات المياه الخاصة بالري، خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة، مع التوقف نهائياً عن كشف العناقيد نتيجة عملية التوريق، وحتى رش الأدوية». لكن، ماذا بعد ذلك؟ يجيب إفرام: «لا خيار لدينا سوى انتظار ما ستؤول إليه الأمور».
وإن كان على الناس انتظار خيارات المعنيين، فقد بادر بعض المزارعين إلى اتباع خيارات أحلاها مر، هي التخلي عن كرومهم بسبب الخسائر والأضرار المتلاحقة... منذ خمس سنوات، وخوفاً من الوصول إلى مكان لا رجعة عنه، يطالب المزارعون بالتدخل السريع وإنقاذهم. وبحسب المزارع محمد القرصيفي، يمكن «بقليل من المساعدة من الدولة في توفير أسواق تصريفية وحماية من التجار الكبار، الخروج من دوامة الخسائر التي ندور في فلكها منذ سنوات أو في أحسن الأحوال تحسين الأسعار بنحو يوازن بين ما ندفعه طوال العام وما نجنيه في النهاية».