مرت ٣ أيام على الموعد النهائي الذي حدده وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي لنشر التقرير النهائي لحادثة تحطم طائرة البوينغ ٧٣٧/٨٠٠ التابعة للخطوط الجوية الإثيوبية، في الرحلة الرقم ٤٠٩ المتجهة من بيروت الى أديس أبابا. حاولت «الأخبار» عبر رسائل واتصالات متكررة أن تستوضح الوزير العريضي عن أسباب التأخر في صدور التقرير، لكن الأخير تجاهل الرد على الاتصالات، ولم يكلف نفسه وفريق لجنة التحقيق الرسمية، إصدار بيان رسمي بشأن الموضوع، تاركاً عائلات الضحايا أسرى المجهول، وخصوصاً لجهة الوجهة القانونية التي يفترض أن يسلكوها، في التعاطي مع شركة التأمين المعنية بدفع التعويضات.
وعد العريضي صدر في شباط الماضي، مرفقاً بتقرير عن مهمة فريق التحقيق الذي أوفد إلى إثيوبيا في 23 كانون الأوّل ٢٠١٠، ويضمّ نائب رئيس لجنة التحقيق في حادثة الطائرة الإثيوبية الكابتن محمد عزيز، وعضو اللجنة عمر قدوحة. وجاء في التقرير، الذي وقّعه عزيز، «أن فريق التحقيق ذلّل معظم العقبات التي كانت تؤخر مسار التحقيق، ما ساهم في التوصل الى الاتفاق على الخطوات اللاحقة، ووضع تواريخ محددة لتنفيذها». وتلك الخطوات هي: أوّلاً، فكّ وإرسال ذيل الطائرة «trim tab» من الجزء الخلفي للحطام وإرساله الى اللجنة الوطنيّة لسلامة النقل في أميركا «NTSB» لتحليله قبل 15 آذار 2011، على أن ترسل الشركة الإثيوبية مهندسيها لفك تلك القطعة وإرسالها تحت إشراف لجنة التحقيق. ثانياً، إرسال إحدى شرائح المسجّل الصوتي في المقصورة (شريحة واحدة من أصل خمس شرائح جرت قراءتها) والموجودة في حوزة مكتب التحقيق الفرنسي الى الشركة المصنّعة في سياتل (Honeywell) لمحاولة قراءة الجزء المعطّل منها (أقل من 3% من تلك الشريحة)، على أن تجرى تلك المحاولة قبل 15 آذار 2011. بعدها سيعقد اجتماع للجنة التحقيق في تاريخ لا يتجاوز 30 يوماً من تسلّم نتائج التحليل، ومحاولة القراءة لإجراء مراجعة تقنيّة لجمع الأدلّة الحسيّة المتعلقة بالحادث، والموافقة عليها قبل الانتقال الى مرحلة التحليل (حدّ أقصى 15 نيسان). كذلك سيُدعى جميع الفرقاء المشاركين في التحقيق إلى عقد اجتماعات متواصلة لمدة حددت مبدئياً بعشرة أيّام، وذلك بهدف تحليل الأدلّة الحسيّة، على أن تنتهي تلك التحليلات في مدة لا تتجاوز 30 يوماً من انتهاء اجتماع المراجعة التقنية المذكور في البند السابق (حد أقصى 15 أيار). وفور انتهاء مرحلة التحليل، سيعدّ لبنان مسوّدة التقرير النهائي ويرسله إلى الدول الأعضاء في اللجنة خلال 15 يوماً من انتهاء مرحلة التحليل (حد أقصى 30 أيار)، على أن ترسل تلك الدولة تعليقاتها خلال 60 يوماً، كما ينصّ الملحق 13 للمنظمة الدولية للطيران المدني. وتُبَتّ تلك التعليقات فور ورودها، وينشر التقرير النهائي (حد أقصى 30 تموز).
مصدر قانوني متابع لمسار التحقيق أكد لـ «الأخبار» أن التقرير النهائي جاهز للنشر، ولم تعرف الأسباب التي تمنع رئيس لجنة التحقيق، مدير عام الطيران المدني بالوكالة دانيل هيبي، من نشره. وأضاف المصدر: «صدور التقرير مهم جداً لمسار الدعاوى القضائية، ولختم أو استكمال المفاوضات مع شركة «لويدز» للتأمين، التي يبدو أنها غير مستعجلة في بت قيمة التعويضات، طالما لم يصدر التقرير النهائي».
المحامي نبيل أبو جودة، الذي عينه ائتلاف شركة المحاماة «ستيوارت لو» البريطانية وشركة «أوريللي كولينز» الأميركية، ليتوَكّل عن العديد من عائلات الضحايا اللبنانيين والأجانب. قال لـ «الأخبار»: «سبق أن شككت في نية الحكومة اللبنانية إصدار التقرير أساساً. واليوم، أكرر ما قلته في السابق. هذا التقرير لن يصدر وهم يماطلون. لسنا الآن في وارد رفع دعوى. فنحن نحاول التوَصّل الى حل ودّي، يرضي جميع الأطراف». وكشف أبو جودة أنّ «آخر اجتماع مع شركة التأمين عقد قبل شهر، والمفاوضات تسير على نحو جيد»، مشيراً الى أن «شركة التأمين البريطانية «لويدز» خصصت مبلغاً جانبياً قيمته 55 مليون دولار من ميزانتيها كحد أدنى، لتغطية الحادث منذ البداية. وإذا لم يُتوصَّل الى تعويض منصف، فسيرفع المحامون المكلفون بهذه القضية دعاوى قضائية في الولايات المتحدة الأميركية، بحق كافة المدعى عليهم الذين تَترتّب عليهم أي مسؤولية في الحادث خلال سنتين من تاريخ وقوعه».
وفي رأي أبو جودة، فإن المهم في المرحلة المقبلة تحديد المرجع القضائي الصالح والأكثر أهلية للسير في شكوى قضائية: هل هو المحاكم اللبنانية أم الإثيوبية أم الأميركية؟ وهذا الأمر يخضع لاجتهادات المحاكم الفدرالية الأميركية. ويضيف «زوجة السفير الفرنسي في لبنان داني بيتون كانت الضحية الأميركية الوحيدة على متن الطائرة، وإذا ثبت أن شركة بوينغ لا تتحمل مسؤولية عن الحادث، فإن جنسية زوجة السفير هي المدخل الوحيد لنا لكي تكون المحاكم الأميركية صالحة للنظر في الدعاوى، لذلك فإن شركة لويدز البريطانية عندما تفاوض على ملف زوجة السفير، فإنها تقدم أرقام تعويضات أعلى لكي تحل المسألة بدون دعوى، وفي النهاية من المبكر التوصل الى قرار بهذا الشأن، قبل حسم المفاوضات سلباً أو إيجاباً على مجمل الملفات مع شركة التأمين».
بدوره يؤكد المحامي جوزيف نصر الله أن صدور التقرير الرسمي أمر مفصلي لتحديد وجهة الدعوى القانونية، سواء ستُرفَع ضد شركة الطيران الإثيوبية، أو شركة «البوينغ» الأميركية لصناعة الطائرات، أو أي طرف آخر، مُتهماً الدولة «بفرض التأخير في إصدار التقرير النهائي عن الكارثة».
ويمثل نصر الله ائتلافاً من مكاتب جايم وفتيتو، جيراردي وكييس، انغستروم وليبسكومب ولاك، وينسّق عمل هذه المكاتب الموزعة في ولايات أميركية عدة مستشار حوادث الطيران جورج هاتشر. ويختم نصر الله «التقرير النهائي لن يحدد المسؤوليات، لكنه مهم لأنه سيتضمن وثائق لن تستطيع مكاتب المحاماة الحصول عليها».
بدورها، رفضت فاطمة السبليني، التي تمثل مكتب المحامي الأميركي مانويل ريبيك، التعليق على تأخر صدور التقرير، علماً أن معلومات «الأخبار» تؤكد نية ريبيك بيع الملفات التي بحوزته الى أحد الائتلافين الأميركيين، إذا كانت الوجهة رفع دعاوى قضائية.



لجنة التحقيق

تحدد اتفاقية المنظمة الدولية للطيران المدني مهلة ٦٠ يوماً لكي ترسل جميع الدول الأعضاء في لجنة التحقيق تعليقاتها على التقرير النهائي. وتؤكد معلومات غير رسمية لـ «الأخبار» أن هذه الدول أرسلت تعليقاتها ضمن المهلة القانونية التي ينص عليها الملحق ١٣ للمنظمة. ورغم أن هذا التقرير لن يحدد المسؤوليات، بل سيكتفي بتقديم استنتاجات لمنع تكرار وقوع حوادث مماثلة، يعتبر المستند القانوني الذي على أساسه تحدد جميع الأطراف مواقفها. ومثال على ذلك إعلان المدعي العام لمحكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا في ٢٢ تشرين الأول ٢٠١٠ أن «النيابة العامة التمييزية لا تزال تنتظر نتائج التحقيقات الفنية التي ستزوّدها إياها المديرية العامة للطيران المدني، ليبنى في ضوء ذلك على الأمر مقتضاه القانوني». وتتألف لجنة التحقيق الرسمية من دانيل هيبة رئيساً، الكابتن محمد عزيز، نائب رئيس، عمر قدوحة، عضو (الجانب اللبناني). دينيس جونز والكابتن دايفد لورنس، مستشارا (الجانب الأميركي)، الكابتن توم لانغ، والمهندس ريتشارد اندرسون، ود. راندل موماو (شركة ابوينغ). تيفارا موكونن، وغيرما غبري، وتنسا برهانو وغدلو ملسي (الجانب الإثيوبي).