عند العاشرة والربع من مساء أمس، انتهت معاناة روّاد حديقة طرابلس العامة ـــــ المنشية قرب ساحة التل. فقد أعيد فتح أبوابها أمامهم، بعد إغلاقها أشهراً بسبب الأشغال التي شهدتها بهدف إعادة تأهيلها.فطوال الأشهر الماضية أمضى رواد الحديقة وقاصدوها، أو «الماشية»، كما يطلق عليهم في طرابلس، ساعات عدة أمام أبوابها الخمسة، وهم يسترقون النظر من وراء سورها الحديدي لمشاهدة العمال الذين كانوا ينجزون أشغالهم داخلها، وهم ينهالون عليهم بأسئلة متلاحقة عن موعد الانتهاء من أعمال التأهيل، وباستفسارات لا تنتهي عما يقومون به على هذا الصعيد.
اهتمام رواد الحديقة، أو من يعتاشون منها، لجهة عملهم فيها باعة أو مصورين، جعلهم لا يتركون يوماً يمر بلا طرح سؤال عن موعد إعادة فتح أبوابها و«أبواب» رزقهم أمامهم، لكون الحديقة تعدّ الوحيدة الموجودة في وسط عاصمة الشمال، وباتت نظراً إلى هذا الواقع متنفّساً لهم، بعدما «أكل» تمدّد الباطون في طريقه كلّ مساحة خضراء.
ورغم أن حدائق عامة كثيرة نبتت في المدينة في السنوات الأخيرة، فضلاً عن وجود أخرى قيد الإنشاء، تبقى حديقة طرابلس العامة ذات مكانة خاصة لدى أهالي المدينة، لكونها أول حديقة أقيمت هناك، إذ إنّها أنشئت مطلع القرن العشرين، بعد سنوات من تشييد العثمانيين أواخر القرن التاسع عشر برج ساعة التل الشهير الملاصق لها، الذي لا يزال قائماً حتى الآن.
مكانة الحديقة ليست مقتصرة على الطرابلسيين فقط، بل إن أهالي المناطق الشمالية من عكار إلى الضنية والمنية وزغرتا والكورة وبشري، لا يزالون يعدّون الحديقة مكاناً عاماً يستريحون فيه عند نزولهم إلى «البلد» لإنجاز أعمالهم، ما يفسّر إلى حد كبير لماذا تتجمّع معظم مواقف سيارات الأجرة العمومية لهذه المناطق في محيط الحديقة، أو على مسافة قريبة منها.
رئيس بلدية طرابلس، نادر غزال، الذي ألقى كلمة بالمناسبة، التي شهدت عرضاً فنياً لجمعية فنون متقاطعة، وحفلاً غنائياً للفنان محمد الشعار، أوضح لـ«الأخبار» أنّ «المنشية عُدّت على مدى تاريخ مدينة طرابلس محطة التقاء للداخلين والخارجين منها، لكونها الرئة الحيوية لوسط المدينة، والمتنفّس الوحيد لها». ورأى أن «أعمال التأهيل التي شهدتها الحديقة مهمة جداً، لكونها الحديقة الوحيدة التي تقع وسط المدينة، وترتبط بأبنائها ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن لكل واحد منهم ذكرى له فيها».
أعمال التأهيل التي بدأت مطلع العام الجاري كان مقدّراً لها أن تنتهي مطلع نيسان الماضي، إلا أن «عقبات وملاحظات أخّرت المتعهد عن إنجاز عمله ما استدعى طلبه مهلة إضافية أكثر من مرة»، حسب قول رئيس لجنة الحدائق في البلدية جلال حلواني.
الحلة الجديدة للحديقة تتمثل وفق حلواني في «إقامة تصوينات باطونية حول الأشجار وأحواض الشتول والزهور المنتشرة في الحديقة، ورصف ممرّاتها الداخلية بالحجر ما سيخفي أرضيتها الترابية كلياً، التي كانت محل شكوى المواطنين بسبب الغبار المنبعث منها صيفاً والموحلة شتاءً».
تحديث الحديقة لا يقتصر على هذه الجوانب، بل يشير حلواني إلى أنه «أُعيد تأهيل سبيل المياه ومداخلها الخمسة وسورها الحديدي، وكذلك حمامها العام، فضلاً عن إقامة حمامات إضافية، وإنارتها ليلاً لتمديد فترة بقاء المواطنين فيها».
حلواني الذي أشار إلى أنه «راض بنسبة 70% على أعمال التأهيل، وأن لدينا ملاحظات على بعض الأشغال»، أوضح أنه «فضلنا الإسراع في إعادة افتتاح الحديقة أمام الجمهور، على أن تتابع دائرة الحدائق في البلدية تنفيذ النواقص وسدها»، كاشفاً في مقابل ذلك عن «اقتراح نسعى إلى تطبيقه من أجل جذب عنصر الشباب إلى الحديقة، لا أن يقتصر روادها على كبار السن، من خلال تركيب معدات في الحديقة تسمح لمستخدمي شبكة الإنترنت بالدخول إليها مجاناً، على شاكلة حدائق في العاصمة بدأت تطبق هذه الخدمة، إضافة إلى اقتراح بتركيب كاميرات مراقبة قد تمثّل رادعاً لممارسات غير مقبولة كانت تحصل سابقاً في محيط الحديقة».