لا أحد يعرف كيف بدأت القصة بالضبط. فجأة، فاحت رائحة الأحصنة المقتولة من الميدان. لا شيء إلا الرائحة وبعض التفاصيل «البلدية»، التي بدت لكثير من المتابعين استدراكاً للتخفيف من «كارثة» وقعت على «أهل السبق». معظم هؤلاء متكتمون على حادثة «الرُعام»، التي هزت ميدان «سباق الخيل» في بيروت، المرض الذي أودى بخيولهم، وشغفهم. لكن، القصة ليست قصة شغف وحسب؛ فوفقاً للمتابعين، أجبر المرض المعدي المشرفين على ميدان السباق على «إعدام» 21 حصاناً ـــــ حتى الآن ـــــ ودفنها «في أرضها». في أرضها، أي حيث أُحرقت الأحصنة. بات الأمر معروفاً، فقد «فاحت» رائحة موت من الميدان. الأمر غير المعروف، أن الموت بدأ في آذار المنصرم، ولم تعرف به بلدية بيروت، إلا قبل أسبوع واحد. ظل الناس يدخلون ويخرجون من الميدان وإلىه رغم علم الجمعية «المشرفة» بوجود المرض الخبيث. في البداية، «طنّشت» جمعية «حماية وتحسين نسل الجواد العربي في لبنان»، الجمعية المكلفة الاهتمام بميدان «سباق بارك بيروت». وهذا ليس الاسم «الفني» لميدان سباق الخيل، بل الاسم الأصلي، وفقاً للعقد الموقع بين بلدية بيروت والجمعية، والقاضي بتلزيمها شؤون المرفق، تلزيماً «شبه كامل». اكتفت الجمعية بإعلام وزارة الزراعة، التي يؤكد رئيس بلدية بيروت، بلال حمد، أنها «قامت بواجبها على أحسن وجه وتحرّكت سريعاً فور علمها بالموضوع». لكن في المحصلة، الميدان لم يغلق. فقد «طنشت» الجمعية، وألقيت المصيبة على كاهل وزارة الزراعة. اللافت، أن البلدية كانت «آخر من يعلم» بما يحل في مرفقها. كلفت لجنة صحية فور علمها، دراسة المستجدات، هناك في الميدان، رغم أن «وزارة الزراعة هي التي تدير الأمور عملياً». وفقاً لحمد، إن العقد مع جمعية تحسين النسل المذكورة، قديم جداً، يعود إلى عشرات السنين وليس حديث العهد. أحدث تطور في الموضوع هو أن «العقد انتهى منذ 2006، لكن الجمعية ما زالت تسيّر أمور سباق الخيل بحكم الاستمرارية». ويتداعى ما يتداعى عن تلك «الاستمرارية». ربما كان «الرُعام» هو أول الغيث؛ إذ سرّعت هذه الحادثة رغبة حمد في «تسوية» الأمور العالقة بين البلدية والجمعية، فأكد لـ«الأخبار» التعاقد مع شركة تدقيق متخصصة، لبحث «الأمور العالقة» بين الطرفين. وإذ نتحدث عن «أمور عالقة»، يوحى إلى العارفين أن «العالقات» كثيرة، وأن الجمعية ستدير الميدان إلى الأبد. لكن حمد أكد أنه سيطرح مشروعاً جدياً لاستغلال هذه المساحة، المقام الميدان فوقها (200 ألف متر مربع تقريباً) لإقامة نادٍ لتعليم الفروسية، وإقامة مطاعم صديقة للبيئة، إضافة إلى ميدان الخيل الحالي. حينها، سيصار إلى تداول التلزيمات الممكنة، وقد تفوز الجمعية نفسها، ولا تفوز. بيد أن هذا المشروع ما زال «فكرة» في رأس حمد، مستقاة من دراسات لخصخصة الميدان أجريت عام 1998، ونامت في أدراج مجلس الإنماء والإعمار.
في حالة الميدان، لا بد من «إنماء وإعمار» سريعين. اليوم، يؤرق الميدان جيرانه، بعدما «طش» الخبر البشع. قبل 4 أشهر، غلفت الحيوانات الجميلة بالكلس، وأحرقت، حتى صارت رماداً، ثم طمرت داخل المضمار الذي كانت تركض فوقه، حيث كانت «تلهب» حماسة المراهنين. دفنت حيث كانت تلعب، كي لا تنقل الرُعام القاتل إلى الزملاء من الأحصنة، وتالياً، إلى البشر، من أصدقائها، الذين يتعاملون معها يومياً. وفي تقرير الجمعية (المتأخر) إلى رئيس البلدية، يؤكد المشرفون على «السباق» أن حصانين، أدخلا «خلسة» إلى لبنان، سببا عدوى لـ19 حصاناً آخر. ويؤكد التقرير أن وزارة الزراعة هي التي تابعت الموضوع، وأشرفت على «إعدام» الأحصنة، وفحصت 1500 عينة من مناطق مختلفة في لبنان، للتأكد من سلامة «الأحصنة الوطنية». أما عن تعريف «الخلسة»، فيعترف حمد «بحدوث خطأ ما من الجمعية المشرفة». ببساطة، كانت الأحصنة تدخل الميدان «على الطريقة اللبنانية». وتبعاً لحمد، لم تكن الجمعية «تدقق في الشهادات الصحية الممنوحة للأحصنة من وزارة الزراعة، إلا بعد حادثة الرُعام». وإذ نتحدث عن «طريقة لبنانية»، يجب الإشارة إلى أن بيان الجمعية، لفت إلى أن مصدر الجوادين الأولين، هو «ضواحي دمشق»، من دون أن يوضَح صاحبهما، أو سبب وجودهما داخل الميدان. يقول المتابعون إن القصة كبيرة وقد تطال شخصيات «نافذة». وطبعاً، كما هي الحال، لبنانياً، بعد وقوع الكارثة، تنسج القصص. وفي ميدان الخيول، يمكنك أن تسمع كلمات من نوع «يُحكى» و«يُقال» كثيراً. الشخصيات التي تملك الخبر اليقين، عن دخول الحصانين المصابين، لا تريد «تكبير» الموضوع: «الخيلان أدخلا خلسة من تلبيسة السورية». لا تفاصيل أخرى. وفي هذه الحال، لا مفر من القصص و«تحليلات» تجار الخيل. أبرز هذه القصص، ينقلها تاجر معروف من هؤلاء. يقول الرجل إنه سمع «كلاماً» يفيد بأن الحصانين (أو الثلاثة وفق رواية بعضهم) دخلا إلى لبنان، بوصفهما «هديةً» إلى أحد النواب البيروتيين، «المتابعين» لشؤون السبق. ويستفيض التاجر، ليؤكد أن منطقة تلبيسة السورية، التي أتت منها «الهدية» الثمينة «معروفة بتفشي هذا المرض فيها، أو على الأقل واجهته في مراتٍ عدة». وللمناسبة، لم ينفِ رئيس بلدية بيروت، بلال حمد، هذه الفرضية؛ فـ«الأمور كانت تجري بفوضى، ولا أحد يعرف كيف تدخل الخيول وكيف تخرج».
إذاً، «السبق ماشي والبلد ماشي». هكذا كانت الحال. مصادر الوزارة تؤكد أنها ضبطت «رُعام» الجمعية، إذ جرى التأكد من الإصابات عبر مختبرين، أحدهما ألماني تتعامل معه المنظمة العالمية للصحة الحيوانية، والثاني وطني جهزته وزارة الزراعة بالآلات الحديثة الكفيلة بكشف هذا النوع من الأمراض. وكان وزير الزرارعة، د. حسين الحاج حسن، قد طمأن إلى أن «العدوى لا تنتقل إلا عبر الاحتكاك بجلد الحصان المصاب، أو باحتكاك حصان بآخر في مكان الإصابة، على أن أكثر المعرضين لهذه العدوى هم العاملون في المختبر الذي نفحص فيه عيّنات الدم المأخوذة من الحصان المصاب، وقد اتُّخذت الاحتياطات الفعالة لإبعاد الإصابة عن هؤلاء». وبدورها، البلدية، بوصفها «المالك» الرئيسي للميدان، تتابع سير الأمور بالتنسيق مع وزارة الزراعة.
وفي ساعة مبكرة، صباح أمس، أوفد محافظ بيروت بالوكالة، ناصيف قالوش، فريقاً إلى الميدان للتحقق من «خبر وصل إلى البلدية يفيد بأن حصانين آخرين قد أصيبا بالمرض»، بالتزامن مع شيوع خبر آخر يؤكد أن الحصانين قد نفقا ودفنا، وحتى العصر «لم يكن الفريق قد سلمه التقرير بعد».



ما هو الرُعام؟

يعدّ مرض الرعام المعدي عند الخيول من أخطر الأمراض التي تصيب الحيوانات ذات الحافر؛ إذ إنه يؤدي إلى النفوق الحتمي في كثير من الحالات. كذلك فإنه يمكن أن ينتقل إلى الإنسان. وهو مرض جرثومي سارٍ شديد الفتك يصيب وحيدات الحافر ويتميز بظهور التهابات خاصة في مخاطية الأنف وعلى سطح الجلد، فضلاً عن أنه مزمن ومميت.
وتعدّ الخيول والحمير المصابة المصدر الرئيسي للعدوى، وذلك بالتماس المباشر أو غير المباشر، فيمكن أن ينتقل العامل المسبب من طريق الارتشاحات والسوائل الأنفية أو من طريق البول والبراز أو من طريق تناول أعلاف أو مياه ملوثة. وينتشر المرض في الدول الأفريقية وبعض الدول الآسيوية.