لم تكن سهير تعلم أن ابنها سيكون الضحية التالية لعصابة محترفة، تختار من الأولاد من يتناسبون و«معايير محددة»، فتحوّلهم إلى مجرمين بعد أن تستغلهم جنسياً لكسب المال. العصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص تمرّسوا إلى حدّ الاحتراف. نشراتهم الجرمية تعرّف عنهم. اثنان منهم مطلوبان بالعديد من الجرائم، أما الثالثة فسيّدة خرجت من السجن حديثاً بعدما أدينت بجرم خطف فتى من صور قبل نحو سنة ونصف السنة.الفتى ط. ش.، ابن الثلاثة عشر ربيعاً، كان الضحية الجديدة. خرج من منزله ولم يعد. بحثت والدته عنه طويلاً، فتبيّن أنه خُطف. قصدت مخفر صور (حيث يقيم أهلها) للادّعاء بأن ابنها قد فُقد، فيما حامت شكوكها حول أحد الخاطفين، سليم ع.، الذي سبق أن زارها أكثر من مرة زاعماً أنه عسكري في فرع المعلومات، وزعم أمامها أكثر من مرة أنه تعلّق بابنها لأنه بعمر ولده المتوفى، علماً بأنها قد تعرّفت إليه عبر شريكه في العصابة إيلي ح. الملقّب بـ«فوكس» الذي ادّعى أنه الشقيق الأصغر لسليم. أبلغت سهير عناصر المخفر بشكوكها، فطلب إليها التروّي مخافة أن تكون مخطئة. مرّت أيام عدة من دون أن يظهر أي أثر لابنها. قضت أيامها متنقلة بين المخافر إلى أن قصدت تحري صيدا للإبلاغ عن المعلومات التي لديها. بدأت التحقيقات الفعلية، فاستُدعي «فوكس»، لكنه لم يحضر. سُطّرت مذكرة جلب بحقه، وتمكّنت القوى الأمنية من توقيفه، فاعترف بأن ملكة ح.، التي غادرت السجن لتوّها، خططت لخطف الفتى بمساعدة سليم ع. لم يحدّد «فوكس» مكان إخفاء الفتى، لكن فكرة لمعت في رأس المحققين. استعانوا بوالد الفتى، بسام ش. لاستدراج ملكة. اتصل بها عارضاً عليها مساعدته لاسترجاع ماله، وأخبرها بأنه بحاجة إلى عدة شبان، فأجابته بأن لديها ثلاثة. حددا مكان اللقاء وزمانه للاتفاق، وفي الموعد والمكان المحددين، ألقي القبض على ملكة التي اعترفت بجريمة الخطف مشيرة إلى أن الفتى وسليم في طرابلس. عمّم الخبر، فتمكنت دورية من توقيف المشتبه فيه سليم برفقة الفتى. جمع المحققون مختلف الأطراف المشاركة في الجريمة، وبدأ البحث عن الدافع. أُخذت إفادة الفتى الذي لم يكن في كامل وعيه بحضور مندوبة الأحداث. ذكر أموراً كثيرة كشفت دوافع المشتبه فيهم. فقد تبيّن أن الخاطفين نقلوه إلى شاليه يملكه رجل ثري في طرابلس، يدفع مالاً وفيراً مقابل رؤية رجل يمارس الجنس مع فتى. ذكرى الفتى أن سليم حاول إرغامه على ممارسة الجنس معه أمام الرجل. إلى ذلك، تبيّن للمحققين أن استغلال الفتى جنسياً لم يكن الدافع الوحيد للخطف، بل إن الخاطفين أرادوا إرغامه على مساعدتهم في أعمال النصب والاحتيال والسرقة.
تمكّنت القوى الأمنية من تحرير الفتى المخطوف بعد مرور 19 يوماً على اختفائه. الأيام التسعة الأولى التي مرّت على خطف الفتى لم تشهد تحقيقاً جدياً، بحسب الوالدة التي ذكرت أن عناصر مخفر ريفون (تقيم في عشقوت) لم يعيروا القضية أي أهمية. فقد أجابها أحدهم، عندما تكرّر حضورها إلى المخفر للسؤال عن التطورات في ملف ابنها: «ماذا تريدين منّا أن نفعل؟ هل ننزل لنبحث عن ابنك في الطرقات؟»، فيما أضاف آخر: «اذهبي لدينا الكثير لننجزه غير البحث عن ابنك». الأمر نفسه تكرر في مخفر صور، فقد بقي الملف هناك من دون أي نتيجة تُذكر. وذكرت أن أحدهم ظن أنه يطمئنها في إحدى المرات فقال لها : «لا تخافي. لم يصلنا حتى الآن أي خبر من المستشفيات، ما يعني أن ابنك لا يزال على قيد الحياة». معاناة الأيام الأولى للخطف خفّت لاحقاً، بعد اتباعها نصيحة أحد العسكريين بنقل الملف من مخفر صور إلى تحرّي صيدا. هناك تسلّم التحقيق التحري أحمد ديب بإمرة الملازم أول ناجي شديد. بدأ العمل الجدّي، فعمل المحققون على مدار الساعة خوفاً على حياة الفتى المخطوف والمجهول المصير. بوشر التحقيق بإشراف قاضي التحقيق مارسيل حداد والعقيدين ناجي المصري وأسعد الطفيلي اللذين تابعا القضية يومياً.