اختارت إحدى عشرة منظمة دولية ومحلية أن ترفع الصوت في نقابة الصحافة، أمس، بعدما تزايدت في الآونة الأخيرة الدعاوى والاعتقالات التعسفية بحق عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان في لبنان، آخرهم الناشط الحقوقي في منظمة الكرامة الدولية، سعد الدين شاتيلا، على خلفية توثيقه لحالات تعذيب ارتكبتها الأجهزة الأمنية اللبنانية.وكانت الاستخبارات العسكرية في الجيش اللبناني قد استدعت، هاتفياً، الناشط شاتيلا إلى مقرها في بيروت في ٢٥ تموز الماضي عند الثامنة صباحاً، ولم يفرج عنه إلا عند الثامنة مساءً، بعد أكثر من سبع ساعات من التحقيق المستمر، تركز على توثيقه لانتهاكات حقوق الإنسان في لبنان، وبالأخص توثيقه لحالات التعذيب.
وكانت منظمة الكرامة التي تتخذ من جنيف مقراً رئيسياً لها، قد رفعت هذه الحالات إلى الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة، وتحديداً إلى المقرر الخاص المعني بالتعذيب. وفي ٢٦ تموز الماضي، حقق مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر مع شاتيلا مرة أخرى، وأحاله على قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا بتهمة «نشر معلومات تمس بسمعة الجيش اللبناني». تقرير منظمة الكرامة ليس الأول من نوعه الذي يشير إلى التعذيب الذي تمارسه الاستخبارات العسكرية، فالعديد من تقارير منظمة العفو الدولية هيومن رايتس واتش ومنظمات لبنانية وفلسطينية تؤكد استمرار التعذيب أثناء الاحتجاز، وخصوصاً لدى شعبة المعلومات والمباحث الجنائية في قوى الأمن الداخلي، واستخبارات الجيش اللبناني، واللجان الأمنية التابعة للأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية.
سعد الدين شاتيلا كان حاضراً في نقابة الصحافة، لكنه فضّل الصمت، فيما تولى الدفاع عنه باحث حقوقي في المنظمة قدم خصيصاً من جنيف، هو مايك رومينغ الذي قال: «كان حرياً بالمدعي العام أن يحقق في ادعاءات التعذيب التي استمرت المنظمات الحقوقية بتوثيقها، بدلاً من التحقيق مع ناشط حقوقي لتوثيقه هذه الانتهاكات». وتابع: «هذا ترهيب غير مقبول بحق كل من يعمل على تسليط الضوء على الانتهاكات التي ترتكبها القوى الأمنية اللبنانية».
ورداً على سؤال لـ«الأخبار»، أعلن رومينغ أن منظمة الكرامة تراقب عن كثب مسار المحاكمة التي يخضع لها شاتيلا، وهي لن تتوانى عن الضغط بكل السبل القانونية المتاحة بما فيها آليات الأمم المتحدة والضغط الدبلوماسي، حتى لا يُعتقَل بنحو تعسفي، ولضمان عدم خضوعه لمحاكمة جائرة من محكمة عسكرية استثنائية».
وختم رومينغ قائلاً: «إن منظمتنا على استعداد للتعاون مع الحكومة اللبنانية من خلال مراسلتنا رسمياً عبر مكتبنا الرئيسي، أو في حال طلب الاجتماع معنا في بيروت. أما استدعاء نشطاء في منظمتنا عبر الهاتف والتحقيق معهم بدون وجود محام واحالتهم على محكمة عسكرية، فأمر مرفوض ومستغرب».
وقال نديم حوري، مدير مكتب منظمة هيومن راتس ووتش في بيروت إن «لبنان يفتخر دائماً بمجتمعه المدني المتطور، لكن يبدو أن أجهزته الأمنية تميل إلى إخماد العديد من أصواته». وتابع: «يجب على الحكومة اللبنانية إرسال إشارة واضحة إلى أجهزتها الأمنية للكف عن مضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان».
حملة المضايقات والملاحقات التي يتعرض لها ناشطون حقوقيون شملت أيضاً المركز اللبناني لحقوق الإنسان، الذي أعلن مديره وديع الأسمر أن النائب العام التمييزي سعيد ميرزا فتح تحقيقاً جنائياً في ٢٢ آذار ٢٠١١، بحق المركز بعدما تقدمت حركة أمل بشكوى جنائية بسبب نشر المركز في ١٠ شباط ٢٠١١، تقريراً عن ادعاء بتعرض بعض المحتجزين للتعذيب على أيدي أفراد ينتمون إلى الحركة. يرى الأسمر أن هذه الدعاوى تهدف إلى إلهاء الناشطين عن متابعة الانتهاكات، وكأن السلطة اللبنانية تريد أن توحي أن نقل الادعاءات بالتعذيب الذي يمارسه مختلف الأطراف عبر تقارير منظمات حقوق الإنسان، جريمة جنائية، فيما يدخل هذا الأمر في صلب أهداف الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان.
ولفت الأسمر إلى أن مصادر قضائية أبلغته في ما بعد أن شكوى حركة أمل تتعلق بالتحريض على الفتنة بين مختلف الطوائف اللبنانية (المادة ٣١٧ من قانون العقوبات اللبناني). وحالياً، يجري قاضي التحقيق في محكمة بعبدا، جان فرنيني، تحقيقاً في القضية، وحدد موعد الجلسة المقبلة في ١١ تشرين الأول ٢٠١١.
انتهاك آخر تعرضت له المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق) حين حقق عقيد في الاستخبارات العسكرية مع مدير المنظمة غسان عبد الله على خلفية تنظيم ندوة حوارية عقدتها مع لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني تمحورت حول نظام التصاريح، المفروض من الجيش اللبناني للدخول إلى مخيم نهر البارد عقب أحداث عام ٢٠٠٧. وفي ٢٧ تشرين الثاني ٢٠١٠ حققت الاستخبارات العسكرية، على خلفية إصدار «حقوق» تقريراً بعنوان «القيود المفروضة على حرية التنقل: حالة مخيم نهر البارد»، مع منسق برنامج عمل المنظمة في نهر البارد حاتم مقدادي واحتجزته لخمسة أيام من دون أن توجه له أي اتهام. وفي ما بعد، وخلال زيارة قام بها عبد الله للمخيم في أيار الماضي، حضر أحد عناصر الاستخبارات العسكرية، وطلب إليه أن يرافقه إلى مكتب الاستخبارات العسكرية هناك، حيث طلب منه ضابط عكسري مغادرة المخيم. وقامت «حقوق» بمراسلة السلطات اللبنانية عن المسوغات القانونية لهذه المعاملة، لكنها لم تتلق أي جواب. وبسبب هذه المضايقات المتكررة، أغلقت المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان مركزها في مخيم نهر البارد.
سلطة المحاكم العسكرية أثارتها أيضاً سميرة طراد من جمعية رواد فرونتيرز التي قالت لـ«الأخبار» إن التحقيق والادعاء على أشخاص مدنيين بغض النظر عن كونهم ناشطي حقوق إنسان من عدمه، بتهم تدخل في إطار القانون العام، هي ممارسات مرفوضة وتثير الكثير من المخاوف. وهي صلاحية لطالما انتقدها العاملون في مجال العدالة وحقوق الإنسان لبنانياً ودولياً، إضافة إلى أن إجراءات المحاكم العسكرية لا تحترم معايير المحاكمة العادلة. وتختم طراد: «هناك دعوات واتجاهات في العديد من الدول إلى إلغاء المحاكم الاستثنائية أو أقله حد صلاحياتها بالأمور المتعلقة مباشرة وحصرياً بموضوع اختصاصها الاستثنائي».



ارتفاع ملحوظ

طالبت المنظمات المشاركة في المؤتمر الدولة بالكف عن ملاحقة الناشط سعد الدين شاتيلا ومحاكمته، وباحترام إعلان الأمم المتحدة لعام ١٩٩٨ بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان، الذي ينص على أنّ من مسؤوليات الدول حماية هؤلاء ضد أي مخاطر قد يتعرضون لها بنتيجة عملهم.
ويلاحظ أن مستوى المضايقات والاعتقالات والمحاكمات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والدفاع عن حقوق الإنسان ارتفعت خلال عامين على نحو ملحوظ وبدون محاسبة أو مساءلة. ومنها مسألة توقيف الفنان زيد حمدان على خلفية أغنية «الجنرال سليمان» . ومنذ مدة ليست ببعيدة، ادُّعي على عدد من الشبان على خلفية نشر انتقادات بحق رئيس الجمهورية عبر موقع فايسبوك. وعند بداية عام ٢٠١١ ادّعت استخبارات الجيش على المهندس إسماعيل الشيخ حسن أمام المحكمة العسكرية على خلفية مقال ينتقد حصار مخيم نهر البارد. وتعهدت المنظمات المشاركة أن تعدّ تقريراً يوثق الانتهاكات المتعلقة بالمدافعين عن حقوق الإنسان، يشمل المدونين والنشطاء وموظفي ومتطوعي المنظمات غير الحكومية والصحافيين.