البقاع | فاقت مساحة الأراضي المزروعة بالحشيشة في البقاع الشمالي تقديرات القوى الأمنية التي دارت حول الـ20 ألف دونم. هذه الزيادة رافقها ارتفاع في فاتورة التلف التي بلغت أكثر من 500 مليون ليرة، وهو مبلغ يعتقد المزارعون بأنه كفيل بإنهاء هذه الزراعة، في ما لو اعتمد ليصرف سنوياً في مشاريع تنموية في المنطقة! وكانت القوى الأمنية قد بدأت حملة الإتلاف في شهر حزيران الماضي، في وقت أبكر من العادة. الهدف من التبكير كان تجنّب ترافق العملية مع حلول شهر رمضان من جهة، وللقضاء على النبتة الخضراء قبل تمكن بعض المزارعين من الإفادة منها. لكن حسابات القوى الأمنية لم تكن دقيقة، بحيث استمرت العملية مع انتهاء الأسبوع الأول من رمضان، بعدما تخطت مساحة الحقول المزروعة بالحشيشة العشرين ألف دونم التي أُعلن عنها بنتيجة أعمال الرصد والكشف، لتصل حتى تاريخ كتابة هذه السطور الى 31 ألف دونم، و«الحبل ع الجرار».
هذه الزيادة في مساحة الحقول المزروعة تعني تلقائياً ارتفاع كلفة الإتلاف. وأكد مسؤول أمني متابع لـ«الأخبار» أن كلفة الحملة في بعلبك ـــــ الهرمل «تفوق الـ500 مليون ليرة، ولا يدخل في حسابها استهلاك الآليات العسكرية، والأضرار التي تلحق بها نتيجة استعمالها يومياً للوصول إلى أماكن وعرة، كما لا تشمل حتى المحروقات الخاصة بهذه الآليات». وعزا استغراق حملة الإتلاف في البقاع الشمالي وقتاً أكثر من المتوقع إلى اكتشاف حقول في أماكن لم تكن تزرع بالممنوعات سابقاً، ومنها مناطق وعرة جداً لا يمكن الجرارات الزراعية الوصول إليها، فاقتضى الاعتماد على اليد العاملة فقط.
ومن الأسباب التي أدت أيضاً الى تمديد حملة الإتلاف أن «عدداً من المزارعين عمدوا إلى ريّ الحقول التي أتلفت سابقاً في بعض قرى وبلدات بعلبك ـــــ الهرمل، ما يسمح بنمو النبتة مجدداً، كما أن بعضهم، وبعد بدء عملية الإتلاف، أعادوا زراعة الحقول بالحشيشة، ما يسمح لهم بالإفادة منها نهاية أيلول، بعد انتهاء الحملة، وهذا ما دفع بالقوى الأمنية الى العودة لتنظيف هذه المناطق مجدداً.
ازدياد مساحة الحقول المزروعة بالحشيشة وتحايل المزارعين يؤكدان الاصرار على المضي بالزراعة في ظل غياب الدولة عن توفير سياسة زراعية بديلة. ويرى حنا حبشي عضو لجنة متابعة قانون العفو العام في بعلبك ـــــ الهرمل أن «المسؤولية في مواصلة المزارعين زراعة الحشيشة تتحملها الدولة التي لم توفر البديل لهم على الرغم من تقيدهم لفترة تجاوزت السبع سنوات بقرار منع زراعة المخدرات». ويضيف: «عندما لم تف الدولة بوعودها لجهة تأمين سدود وزراعات بديلة وتنمية، وحتى برك صناعية، عادت الغالبية إلى زراعتها بضوء أخضر من الدولة، التي تغضّ النظر عن الزراعة، وتقبض على إتلافها من الخارج».
بدوره، قال أحمد صبحي جعفر رئيس لجنة متابعة قانون العفو العام في بعلبك ـــــ الهرمل إن من حق المزارعين البقاعيين الحصول على سياسة زراعية بديلة ترفع عنهم أعباء الزراعة الخاسرة دوماً، مشدداً على «أن الحكومات المتعاقبة لم تفكر يوماً بالداخل اللبناني وحالة أهله، بل دائماً هناك السياسة الخارجية وما تفرضه علينا، ومنها رفض أية فكرة تتعلق بشرعنة زراعة الحشيشة، كما في كثير من الدول المجاورة، أو حتى توظيف المبالغ المخصصة للإتلاف في عملية التنمية». ورأى أن «المياه هي الرقم الأهم في معادلة الزراعة في بعلبك ـــــ الهرمل»، لافتاً إلى أن «الزراعات البديلة ليست نوعاً من الزراعة، بل هي المياه التي تحول أي نوع من الزراعات إلى زراعة ناجحة، ويكون ذلك عندما يصبح بدل ساعة الري 5000 ليرة كما في سوريا»، كما يقول، مشيراً إلى أن دراسات مشاريع السدود لا تزال نائمة في أدراج وزارة الطاقة، فيما تبلغ كلفة تنفيذ هذه المشاريع 31 مليون دولار، ويخلص إلى «أن الدولة، ومنذ عام 1992 تاريخ وقف زراعة المخدرات، تتقاضى من الخارج مبلغ ثمانية ملايين دولار سنوياً ثمن تلف هذه النبتة، فحبذا لو رصدت هذه المبالغ على مدى سنوات لإنماء منطقتنا، لكان لنا في ذمة الدولة ما يقارب 150 مليون دولار أميركي»!