قبل نحو أسبوعين، رفض أحد القضاة في جنوب فرنسا، وهو المدّعي العام هناك، تنفيذ أحكام صادرة بحق أشخاص بالسجن بسبب الاكتظاظ الحاصل في السجون. برر القاضي رأيه بأن الاكتظاظ، ولو الخفيف نسبياً، يؤدي إلى «انتهاك حقوق السجناء الإنسانية». علم وزير العدل الفرنسي بالأمر، فطلب من القاضي تنفيذ الأحكام الصادرة بالجرائم الأكثر خطورة فقط. هكذا، اتضح أن لدى الوزير شعوراً إنسانياً أيضاً يرفض ظلم السجناء، لكنه في الوقت عينه لا يريد لمن هم أكثر خطراً على المجتمع إلا أن يسجنوا. وبحسب وسائل إعلام فرنسية، فقد عُدّت الخطوة التي قام بها القاضي «ثورة» في العمل القضائي.هذه الحادثة، نقلها لـ«الأخبار» النائب غسان مخيبر، في معرض حديثه عن الاكتظاظ في السجون اللبنانية. طبعاً، ليس ثمة وجه مقارنة بين السجون في لبنان وفرنسا، لكن لا بد لتحسين الظروف أن يبدأ من مكان ما.
في هذا الإطار، أنهت لجنة الإدارة والعدل أمس دراسة مشروع تعديل «قانون تنفيذ العقوبات»، الذي يتحدث عن خفض مدة العقوبة للسجناء ذوي السلوك الحسن، وذلك من خلال لجنة مختصة يرأسها قاض ينظر في طلبات السجناء الراغبين. وناشد رئيس اللجنة النائب روبير غانم السجناء التروي وعدم القيام بأي شغب لكي لا يؤثر على سير التشريعات. وأسف لعدم إقرار اقتراح قانون خفض السنة السجنية في جلسة مجلس النواب الماضية، عازياً السبب إلى وجود بعض النواب من «غير المقتنعين، والبعض الآخر لم يتسنّ له الاطلاع على مداولات لجنتي الإدارة والعدل وحقوق الإنسان». وعلمت «الأخبار» أن لجنة الإدارة والعدل أرسلت إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، نص اقتراح تعديل قانون تنفيذ العقوبات، الذي يمكن أن يساعد على إشاعة جو من الهدوء بين السجناء، وهو مرتبط بحسن سلوكهم، وذلك بعد إسقاط اقتراح قانون خفض السنة السجنية إلى 9 أشهر.
يُذكر أن هذا القانون ليس جديداً، وهو موضوع منذ عام 2002، لكن من دون أن يُعمل به، إلى أن بدأ ذلك في عام 2009 على نحو ضيق بعد إصدار وزارة العدل «دليل تطبيق قانون تنفيذ العقوبات». ومشكلة هذا القانون كانت، قبل تعديلات لجنة الإدارة والعدل، أنه يستثني سجناء كثيرين بحسب طبيعة جرمهم ويحرمهم من تقديم أي طلب للنظر في خفض العقوبة. والفئات المستثناة كانت: الإرهاب، الحريق المقصود، تزييف العملة وترويجها، الاتجار بالرقيق، الاتجار بالمخدرات لا ترويجها أو تعاطيها، عصابات مسلحة وجمعيات أشرار، القتل عمداً، جنايات اغتصاب القاصرين والجنايات الواقعة على أمن الدولة وعلى المال العام، إضافةً إلى مكرري الجرائم. أما أبرز التعديلات التي طرحت، بانتظار التصويت عليها، فهي إلغاء عبارة الإرهاب واستبدالها بـ«الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي»، وهذا ما يمكن أن يفيد السجناء من ذوي الخصوصية الأمنية، أو ما يعرف بـ«الإسلاميين». كذلك ألغي استثناء جريمة القتل، لكن ضمن شروط وضوابط مفصلة. فيما لم يستثن جرائم الاتجار بالمخدرات، ما يعني أن نسبة كبيرة من السجناء لن تستفيد من هذا القانون، علماً بأن ثمة شكاوى كثيرة بحق بعض القضاة الذين لا يميزون بين «مروّج» لكمية صغيرة و«تاجر» يعمل بملايين الدولارات، فيعتبرون الاثنين تجاراً، «وهذا يعدّ ظلماً وعدم إنصاف»، بحسب أحد القانونيين المتابعين.