طرابلس | كشفت الدعوة التي وجهها الشهر الماضي 17 مختاراً من مدينة طرابلس، في كتاب مفتوح، إلى الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الداخلية والبلديات مروان شربل، وكذلك إلى كل من محافظ الشمال ناصيف قالوش ووزراء ونواب وفاعليات طرابلس والشمال السياسية والاقتصادية، جانباً مما «يواجهه المواطن الطرابلسي والشمالي من عراقيل ومشاق وإذلال في مصلحة تسجيل السيارات في طرابلس والشمال». هذه الدعوة تلتها عريضة وقعها عدد من رؤساء بلديات ومخاتير وفاعليات عكار، في العاشر من الشهر الجاري، إلى ميقاتي وشربل شرحوا فيها العراقيل والمشاق في مصلحة تسجيل السيارات في الشمال والدكوانة، وطالبوا في بيان «بإيلاء هذه القضية الأهمية ووضع حد لكل الصعوبات التي تواجه أبناء عكار والشمال». الدعوة والعريضة وضعتا إصبعاً على جرح نازف في المصلحة، كما غيرها من المؤسسات العامة التي تمسّ مباشرة مصالح المواطنين، يعاني منه مواطنون ومعقبو معاملات نقلوا سلسلة من الشكاوى التي يعانون منها، جراء عمليات ابتزاز تجري داخل المصلحة يقوم بها موظفون نافذون، وتعقيدات إدارية توضع أمامهم بلا وجه حق، وتأخير في إنجاز المعاملات مقابل سمسرات معينة، وفوضى إدارية تعمّ المصلحة على نطاق واسع، بما يجعل أي مواطن يعد أنه حقق «إنجازاً» إذا أنجز معاملته خلال وقت يراه طبيعياً ومقبولاً، وهو يُعدّ بالسّاعات إن لم يكن بالأيام أحياناً.
ويتساءل المخاتير الـ17 في كتابهم، مثلاً، عن أسباب «حصر فكّ حجز السيارات والدراجات النارية المسجلة في طرابلس، في الدكوانة فقط، الأمر الذي يُكبّد المواطن الطرابلسي والشمالي عناء الذهاب إلى الدكوانة وتحمّل تكاليف إضافية لحل مشكلته؛ ولماذا لا تنجز معاملة السيارة المسجلة خارج الشمال في الشمال لتسهيل عملية البيع والشراء، وعدم تكبيد المواطن تكاليف أخرى، ولماذا لا تجدد رخص سيارات النقل في الشمال بدلاً من حصرها في الدكوانة، ولماذا لا تسجل أو تنجز معاملة تسجيل شاحنات النقل، خصوصاً شاحنات البيك ـــــ أب، في الشمال، ويتم حصرها فقط في الدكوانة، علماً أن الشمال يعد خزان سيارات النقل الخصوصي والعمومي معاً؟».
وجاءت دعوة المخاتير في أعقاب شكوى تقدم بها معقب المعاملات شاكر طالب إلى الجهات المعنية، اتهم فيها رئيس مصلحة تسجيل السيارات في لبنان العقيد جورج لطوف ورئيس مصلحة تسجيل السيارات في الشمال فهد الحزوري، بمخالفات إدارية ومالية، أبرزها تقاضي رشى على كل معاملة وبيع أرقام السيارات المميزة (6 أرقام)، وناشد المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس ميقاتي، «محاربة الفساد وتنظيف الدائرة من المحسوبيات حفاظاً عليها».
غير أن شكوى طالب، الذي يعمل في مهنته منذ 18 عاماً، قوبلت بإيقافه عن العمل لمدة 15 يوماً (11 / 26 تموز الماضي)، وسحب البطاقة المهنية منه، ومنعه من دخول المصلحة طيلة الفترة المذكورة. وأشار طالب لـ«الأخبار» الى أن هذه «ليست المرة الأولى التي تُسحب مني رخصة تعقيب المعاملات (يوجد في الشمال قرابة 35 معقب معاملات رسمياً)»، موضحاً أنه تعرض لعقوبة مماثلة في 6 /5 / 1993، «لكنني، يومها، لم أُمنع من دخول مبنى المصلحة، كما أن القرار وقعه يومها المدير العام للمصلحة، وهو تدبير لم يحصل هذه المرة، لأن القرار الأخير غير ممهور بتوقيع المدير الحالي فرج الله سرور، ما يعني أن القرار مخالف للقانون».
ولفت طالب إلى ما وصفه بـ«مخالفات واضحة»، أبرزها أن «قرار إيقافي عن العمل جاء قبل انتهاء التحقيق الذي قيل إنه بوشر به بعد الشكوى التي تقدمت بها، لكن تبين أن التحقيق بقي حبراً على ورق، إذ إنه لم يُستدع أي موظف للتحقيق، فكيف يُدان شخص قبل محاكمته؟»، فضلاً عن أن «التحقيق معي أجراه عناصر من قوى الأمن الداخلي، مع أن التحقيق يفترض أن يكون إدارياً، ومقر المصلحة في الدكوانة يبدو أنه تحوّل إلى ثكنة عسكرية ولم يعد مقر مصلحة إدارية!».
وعن «المخالفات» التي تحصل في مصلحة تسجيل السيارات في الشمال، يُبرز طالب وثائق تفيد بأن «مديرها يقوم بالتواطؤ مع مدير المصلحة في لبنان ببيع أرقام مميزة من 6 أرقام لمن يرغب، بمبالغ تتراوح بين 300 و600 دولار لكل رقم، وأن هذه الأرقام تباع استنسابياً ومناطقياً على نحو مفضوح، عدا أن أحد هذه الأرقام بيع من دون توقيع المدير العام عليه».
وفيما يشير طالب إلى أن «سبب معاقبتي بهذا الشكل أنني تجرأت وتحدثت عن الفساد الذي ينتشر في المصلحة»، يلفت إلى أن «جميع المعقبين تضامنوا معي، وتلقيت اتصالات دعم منهم من خارج طرابلس والشمال، لكنهم خافوا القيام بأي تحرك حرصاً على مصالحهم، ولمعرفتهم أن الشكوى لا تنفع في ظل استشراء الفساد».
في المقلب الآخر، فضّل المسؤولون عن مصلحة تسجيل السيارات في الشمال عدم التحدث في هذا الأمر، إلا أن مصادر مسؤولة في المصلحة طلبت عدم ذكر اسمها، أوضحت لـ«الأخبار» أن «ما يجري الحديث عنه إما مضخم أو غير صحيح أبداً»، لافتة إلى أن المصلحة «تفتح أبوابها لمن يرغب في استطلاع الأمر على حقيقته»، ورجّحت أن تكون وراء هذه الحملة «اعتبارات لها علاقة بمصالح معقبي المعاملات وتضارب مصالحهم».