كان الصعتر «شقيق» البرغل على مائدة الفقراء. وللاحتيال على الفقر حينها، كانوا يسمون الأول محركاً للذكاء، «يوصف» لتلامذة المدارس عند الفطور، أو «سندويشاً» يأخذونه إلى المدرسة. أما الثاني، فكان يسمى مسامير الركب، لأنه يساعد الفلاحين على مكابدة أعمالهم اليومية الشاقة. هكذا كان يقول فقراء عكار.اليوم، أمام تعاظم الشك في وجود مواد مسرطنة في المعلبات والجيلاتين في الألبان والأجبان، عاد الكثيرون إلى استهلاك الصعتر، لكن ليس الفقراء وحدهم، بل أصحاب «الدخل المعقول أيضاً»، وذلك عبر إعادة تموينه.
غير أن بعض القرى في عكار لم تنقطع عن عادة جمع الصعتر في فصل الصيف وتشميسه ثم طحنه وخزنه مؤونة للسنة كلها. أم حسن واحدة من نساء هذه القرى، التي تقوم سنوياً بجمع الصعتر، وهي إلى الآن جمعت «مقدار 4 كلغ، كنت بلشت أقطفهم من أول تموز، وهي مونة كافية لعيلة متل عيلتنا، مؤلفة من 7 أفراد». تشرح أم حسين كيفية صنع الصعتر، فتقول «بعد تشميسه، لا بد من تحويجه، بإضافة السمسم والسماق، وبالإمكان تحسين طعمه بإضافة جوز الهند والقضامة الحلوة والجوز واللوز بعد تحميصهما»، لكن عملية التحويج لا تجري لكامل المؤونة، «لأن الإضافات الزائدة يمكن أن تتلف وتفسد طعم الصعتر وجودته». وهناك أنواع أخرى من الصعتر، لكنها لا تمثّل وجبة طعام، بل تنضم إلى فئة الحشائش، مثل النعناع والروكا والبصل الأخضر، التي تُستعمل غالباً في إعداد «السلطة».
ثمة نوع آخر من النبات صالح لصناعة الصعتر يسمى لسان الطير، «وهو يستخدم أيضاً بإضافته إلى الشنكليش، مكوّناً قشرة خارجية للأقراص، كما يمكن إضافة هذا النوع إلى الزوباع (الصعتر) بالنظر إلى جودته ونكهته».
يباع كلغ الصعتر البلدي بـ 15 ألف ليرة لبنانية، وهو «يفضل على الصعتر الموجود في الأسواق نظراً إلى احتواء هذا الأخير على حشائش أخرى تزيد الكمية على حساب النوعية»، تقول أم حسين «عن خبرة».
لهذه الأسباب، يُقبل الناس على شراء المناقيش، التي يصنعونها من صعتر مؤونتهم، فإضافة إلى رغبتهم في الاطمئنان إلى نوعية الصعتر وطريقة التحويج، هناك عنصر آخر يملك أهمية تعادل نوعية الصعتر وتفوقه أهمية، ويتمثل في نوع الزيت المستخدم، وخصوصاً بعدما راجت الشائعات عن صفقات الزيوت الفاسدة التي تكتشف بين الحين والآخر.
يفضل الناس في منازلهم استخدام زيت الزيتون مع الصعتر، وهذا ما يفسر استهلاك بعض الأسر ثلاث أو أربع تنكات من زيت الزيتون. وإذا كانت 4 كلغ من الصعتر لا تمثل قيمة غذائية يعول عليها على مدى عام كامل، فإن، بحسب الدراسات والخبرة، إضافة زيت الزيتون تكفي لتعويض النقص في القيمة الغذائية.