في العالم المتطور والدول الغنية، يتوقف دور المواطن على أن يعيش حياته وفقاً للقانون، وهو متيقن من أن الدولة ستعنى بكل متاعبه وستبحث عن حلول لمشاكل لم يتعرض لها بعد. ولكن في ما يسمّى دول الجنوب (ما كان يعرف سابقاً بدول العالم الثالث، ثم بدول في طور التطور) على المواطن أن يعيش وفقاً للقانون وأن يفكر ويبحث بنفسه عن الحلول للمشاكل التي يعيشها يومياً، وتلك التي لم تطرق بابه بعد. أي إن الآية مقلوبة! ولكن، بما أن هناك حسنات لكل شيء، فهذا الوضع الاجتماعي عادة ما يخلق عند الأفراد روح المبادرة.أهالي رأس بعلبك، مثلاً، يطالبون الدولة بإدراج موقعهم على الخارطة السياحية. وهم يتأملون ذلك ويتحسّرون على الوضع منذ عقود. ولكن، لو قلبوا الآية، لتغيّر واقعهم بسرعة أكبر. فليقرروا أن يأخذوا مصير موقعهم الأثري بيدهم: فليُعدّوا الملفات، وليدرسوا مع المختصين التكاليف، وليبحثوا عن التمويل... وينهوا العمل. حينها، يمكنهم أن يذهبوا الى الوزارات ويطلبوا خبراتها ورأيها العلمي في المشروع قبل تنفيذه! هكذا يجبرون الوزارات على إدراج موقعهم على الخارطة السياحية. هذه الطريقة فيها إفادة جماعية لأهالي القرية أولاً. فهم المهتمون، والعاملون، والمحفزون، يحملون موقعهم على أكتافهم ويطلبون مساعدة الدولة ومساندتها لمشروعهم.
حينما تقلب الآيات في القرى، وتأتي من عمق شعور بأن الأثر إنما هو ملك لكل أبناء القرية وحق لهم يجب عليهم هم أولاً أن يحافظوا عليه، يمكننا أن نتكلم عن شعور بالملكية. هذه الطريقة أثبتت فاعليتها في دول العالم الفقيرة، وحتى الغنية منها. ففي أفريقيا والهند، مثلاً، تعمل الجمعيات على تنشيط المجتمعات المدنية وتحفيزها على الحفاظ على آثارها من مبدأ الملكية العامة والحق العام، وفي دول العالم المتقدم تأتي الدولة بكل أهلها وموظفيها واختصاصاتها الى القرية لتحفّز السكان على مبدأ الملكية وتسألهم رأيهم في مشاريع الترميم والتأهيل التي تبحث فيها. كل ذلك يجري بهدف المحافظة الطويلة المدى على الموقع. فلو أتت الدولة بكل هيبتها وسلطتها وقررت أن تدرج الموقع على لائحة السياحة من دون استشارة الأهالي، لاعتبر هؤلاء أن هذا المكان ليس ملكاً لهم، وليس لهم حق فيه، فيتركون الدولة تقرر، وحينما يأتي السارقون والمخربون، مثلاً، ينتظر الأهالي أن تأتي الدولة لتصحّح ما حصل. ولكن حينما يكونون هم أبناء المشاريع، وهم أصحاب الفكرة، فإنهم لن يسمحوا لأحد بأن يمسّ حجراً واحداً من أحجار المعبد، ويصبح كل منهم حارساً للموقع، فلا ترفع الحجارة لبناء الأسوار، بل يُرحّب بالزوار على أنهم في قلب
الدار.
ولأن هناك قطعاً مكتشفة في الموقع، يمكن تحويل إحدى قاعات دير السيدة الى متحف صغير يعرض تاريخ المعبد ــــ الكنيسة ويعطي للقادم طريقاً سياحياً وثقافياً كاملاً. يكون ذلك أول مشروع لرأس بعلبك، ولا يلبث أن يلحقه آخر، حتى تصبح كل معالم القرية محمية من أهلها، ومصدر فخر واعتزاز.