لم تعد صيدا «عاصمة» شراب الرمان، فبعدما كانت بيوتات المدينة تمارس هذه الصناعة اليدوية، كطقسٍ سنوي أساسي، انكفأت اليوم بشكلٍ كبير. ومن بقي محافظاً على هذا الطقس، بدأ منذ أيام التحضير له، كما هي حال أحمد الجردلي، «المتخصص» في صناعة الشراب. يستبشر الرجل بموسمٍ واعد لهذا العام، كون «الطلب عليه زاد في السنوات الأخيرة لتعدد استخداماته». ثمة سبب إضافي وهو أن «صناعته في المدينة باتت ضيقة وبيد عائلات صيداوية لا يتجاوز عددها أصابع اليدين».في ما مضى، كانت محلة البستان الكبير في صيدا ميداناً، تتنافس فيه ربات المنازل على صناعة شراب الرمان. أما اليوم، فقد «أكلت» الأبنية بساتين الرمان والحمضيات، باستثناء بساتين خاصة أمام البيوت، كما في أرض محمد حبلي. ورث هذا الرجل صناعة شراب الرمان عن أبيه، واشتهر به، حتى أنه عندما سافر إلى الخليج للعمل في أحد المطاعم «طلب مني إنتاج 200 قنينة من شراب الرمان».
صناعة شراب الرمان «سهلة»، يقول حبلي، لكنها «تحتاج إلى نفس طويل وإلى خبرة». ويشرح مراحلها: «ننظف أكواز الرمان بعد شرائها من السوق ونغسلها بالماء، ثم نقطعها أجزاء، بعدها نفرطها بواسطة المكتة (خشبة صغيرة)، ننزع خلالها قشرتها البيضاء». بعد تلك العملية، «يعصر الرمان ويصفى جيداً بواسطة مصاف نحاسية وقطعة قماش، ويوضع بعدها في أوانٍ نحاسية مع كمية من الماء على نار هادئة حتى الغليان، وقد تستغرق هذه العملية ما لا يقل عن خمس ساعات متواصلة». هذه المدة تسهم في «تخمير الشراب حتى يتماسك ويتحول لونه من زهري إلى لون بني أو أسود داكن»، مع الحرص على أن تكون النار «مظبوطة، وإلا فسد الشراب».
عندما يبرد الشراب، يعبأ بعبوات زجاجية معقمة، وبعدها تأتي مرحلة البيع. هنا، تبدأ لعبة الأسعار، والتي تبدأ من عشرين ألف ليرة، وقد يزيد أو ينقص وفقاً لنوعية الرمان المستخدم، يعني رمان حلو أو لوفاني أو رمان حامض. لكن، ماذا عن استخداماته؟ يقول الجردلي «يستخدم في السلطات وقد يضاف إلى جميع أنواع المحاشي، لا سيما محشي ورق العنب والملفوف والدجاج واللحوم المطبوخة بالفرن». ويعلق قائلاً «بدك تسأل عن شراب الرمان إسأل متبل الباذنجان، ويا عين على فطاير السبانخ». أما فوائده الصحية فمتعددة، فهو يستخدم وفقاً للطب الشعبي «في معالجة الفطريات المعوية التي تطفو آثارها داخل الفم أو اللسان ومعالجة التهابات اللوز وكي الجروح والقروح، كما يستخدم مضاداً لالتهابات الجسم ومعالجة تصلب الشرايين والتخفيف من التجلطات والإسهال ومكافحة ديدان المعدة». يختم الجردلي حديثه عن الشراب قائلاً «وسيد الفواكه الرمان، يأكله الجائع والشبعان».