قبل سنوات، راود بلال ضيا (مواليد 1975)، ابن مدينة صور، حلم الهجرة. حلم قد يخلّصه من أزقة حارةٍ قديمة وفقرٍ أجبره على ترك مقاعد الدراسة مبكراً، ويغيّر حياته إلى الأبد. سكنه الحلم، حتى بات هاجساً، إذ كان يسأل نفسه دوماً «شو في ورا البحر؟»، ويجيب «ألمانيا».
في عام 2000، بات «شغّيل الفاعل» قريباً من تحقيق حلمه من خلال مساعدة بعض الأشخاص. بقليلٍ من المال، دبّر الشاب تأشيرة سياحية إلى بلغاريا ومنها عبر حدود أكثر من دولة ووصل إلى إيطاليا. ومن هناك، دخل ألمانيا، الأرض المنشودة... «بالتهريب». هذا ما يتذكّره هلال من اتصالات شقيقه.
يتابع هلال: «لحظة وصوله إلى ألمانيا، فكّر بلال بانتهاج أسلوب كان قد اعتمده شباب آخرون بالدخول بصفة لاجئ لحثّ الدولة على تسوية أوضاعهم». وهكذا كان، «لجأ بلال إلى أحد المساكن التابعة للحكومة هناك، والتي تعنى بالمهاجرين غير الشرعيين، كما عمل بطريقةٍ غير شرعية في مجالات مختلفة بانتظار التسوية». خلال تلك الفترة «عانى شقيقي من أزمة الإنتقال من مكان إلى آخر، خوفاً من ملاحقة الشرطة وترحيله». وبسبب كل هذا، «لم نستطع، نحن أسرته التي هاجر من أجلها التواصل معه بشكلٍ جيد، بسبب ظروفه غير المستقرة». وهكذا أيضاً، لم يتمكن من تحويل المال، «باستثناء مبلغ قليل استخدم في دفع نفقات عملية جراحية للوالدة المريضة».
بقي على هذه الحال، خمس سنوات. وفي عام 2005، فقدت العائلة الإتصال بابنها تماماً، ولم يعد أحد من اصدقائه ولا حتى أفراد الجالية اللبنانية يعرف شيئاً عنه. ويقول هلال عن آخر اتصال مع شقيقه «يومها أخبرني أنه يفكر بالدخول بالتهريب أيضاً إلى النمسا طمعاً بظروفٍ أفضل، ولكونه لم يستطع تسوية أموره بصورة شرعية في ألمانيا». هنا، ضاع بلال وسط التكهنات حول مصيره، ولم يبق منها إلا احتمالين لا زالت العائلة تصر عليهما: إما موته على يد العصابات والمافيات أو تخفيه في ألمانيا خوفاً من الشرطة.
بعد تضاؤل احتمال العودة، حمل هلال ملف شقيقه المفقود وأبلغ وزارة الخارجية اللبنانية وراسل عبر الانترنت موقع السفارة اللبنانية في المانيا وعمم صورته بين أفراد الجالية اللبنانية، الا ان خبرا لم يظهر لكشف مصيره. في منزل الاسرة المتواضع، لم يحدث بلال التغيير الذي حلم به له ولأشقائه وشقيقاته ولوالديه اللذين انهكتهما احوال البلد. وحده الشيء الجديد الذي اضيف الى اثاث البيت المتعب، صورة لبلال رفعت على الجدار بانتظار تحديد المصير.