منذ وصولها إلى رئاسة نقابة المحامين في بيروت، قبل نحو سنتين، تميّزت أمل حداد بصفات طبعت اسمها. كانت أول وجه أنثوي يصل الى هذا المنصب. آنذاك، ظن بعض المحامين أن «أنثويّة» الرئاسة ستصبّ في مصلحة اللين، وأنها، افتراضاً، ستكون أكثر بعداً عن «سلطوية» الشرق الذكورية. لكن مفاجأتهم كانت أن حداد، العاشقة للشعر والأدب العربي، ليست المرأة التي يُطمع بلينها في أعمال النقابة.
شخصيتها قوية، وهي، بحسب أحد المحامين، «تضاهي بالحضور والكاريزما من سبقها إلى رئاسة النقابة من ذكور». أيضاً، عاد إلى الواجهة، مع وصولها، نقاش قديم ــــ جديد في أوساط المحامين، يتصل بمدى حرية أبناء المهنة بالتواصل مع وسائل الإعلام. فقد أصدرت حداد تعميماً ينص على «وجوب امتناع المحامين عن الإدلاء بتصاريح إعلاميّة، تتعلق بدعاوى أو ملفات عالقة أمام القضاء، أو الإدلاء بآراء قانونية بصورة عامة». وقد عُدّ هذا التعميم، بحسب كثير من المحامين، رغم نسبته من قبل النقابة إلى قانون تنظيم المهنة وآدابها، بمثابة سياسة «كمّ الأفواه». خمد النقاش قليلاً، ليعود في الأيام الأخيرة إلى أوجه، بعدما قررت النقابة إحالة كل من المحاميين كارلوس داوود ونزار صاغية إلى تحقيق داخلي، بسبب كتابة الأول بحثاً قانونياً في نشرة «المفكرة القانونية»، متناولاً موضوع علاقة المحامي بوسائل الإعلام. ولكون الثاني مسؤولاً عن النشرة المذكورة، وقد حدد موعد الجلست يوم الثلاثاءالمقبل.
بيد أن «معشر» المحامين، ومعهم نقباء سابقون، يؤكدون أنهم «لن يقبلوا بأن تمر هذه القضية مرور الكرام، ولن نقبل بأن تصبح نقابة المحامين، التي طبعت مذ كانت بطابع الحريات، إلى مكان يصبح فيه المحامي أقل من أي موظف ولا يستطيع التعبير عن رأيه الشخصي حتى في القضايا العامة».
من جهته، يؤكد نقيب المحامين السابق ميشال ليان أن الموضوع «يجب أن يعالج بصورة موضوعية. فمن جهة، يحظر القانون على المحامين الإطلالات الإعلامية في القضايا التي يكونون وكلاء فيها، أو التي ما زال القضاء ينظر فيها، لكن في المقابل، هناك مساحات للكتابة عن القضايا القانونية في أماكن تُحدد بعض الصحف زواية لها على صفحاتها، وكذلك مواضيع إجتماعية ذات صلة بالقانون، وهذا أمر لا يجب أن يُمسّ به من أي كان، وليس مقبولاً منع المحامي من إبداء ما لديه من آراء شخصية». ولفت ليان في حديث مع «الأخبار» إلى أنه في الدول الأوروبية، وكذلك في منظمة التجارة الدولية (التي يسعى البعض في لبنان إلى الانضمام إليها) «يُوصف عمل المحامي بعبارة الخدمة (سرفيس)، وبالتالي توجد مساحة أوسع للمحامين من هذه الناحية».
ويرى ليان أن إحالة محامين إلى التحقيق بسبب كتابة رأي أو أبحاث، تُعد أمراً «خطيراً جداً، لا يمكن القبول به، لأن نقابة المحامين لها دور وطني كبير على مستوى المطالبة بحرية الرأي والتعبير، وتاريخها يشهد على ذلك». وسأل: «ألم تُثر في الآونة الأخيرة قضايا قضائية، ذات بعد وطني وسياسي، في الإعلام علناً؟ ألم نرَ محامين يتنقلون من وسيلة إعلامية إلى أخرى، وبعضهم يحمل صفات حزبية حالية أو سابقة؟ لماذا لم تتحرك النقابة عندها؟ وهل المسألة انتقائية؟». وأبدى النقيب السابق تفهماً لامتعاض النقابة من سلوك بعض المحامين الذين «يزوّدوها» كثيراً في بعض الأحيان، بحيث تصبح لديهم برامج إعلانية وترويجية، وهذا ممنوع، ويمكن محاسبتهم، ولكن بعيداً عن التعميم وسوق القرارات على الجميع من دون تمييز».
بدوره، يؤكد نقيب المحامين السابق رمزي جريج أن قانون تنظيم المهنة «يلزمنا بعدم الدعاية، وكذلك بسرية التداول في القضايا القضائية. أما ما عدا ذلك، فإنه لا يجوز حرمان المحامي من حرية الرأي ومعالجة القضايا السياسية أيضاً، فضلاً عن القانونية. فنحن نعمل في مهنة حرّة». ويلفت جريج في حديث مع «الأخبار» إلى قرار أصدره يوم كان نقيباً، يسمح بموجبه للمحامي بإنشاء موقع إلكتروني، أسوة بما هو معمول به في فرنسا وأوروبا عموماً، ولكن «ضمن ضوابط وشروط، أهمها عدم ادّعاء القدرة على فعل المستحيلات أو التقليل من قدرة باقي الزملاء، وفي حال المخالفة، التي يمكن رصدها برقابة لاحقة، لا مسبقة، يؤاخذ المحامي المخالف، ويتعهد بعدم التكرار». ويختم جريج: «يجب أن نوائم بين مهنة المحاماة وهيبتها، وبين حرية المحامين، ولقد أثبتنا، كنقابة ومحامين، وفي أحلك الظروف التي مرّ بها لبنان، أننا كنا منبراً للحريات يوم عزّت الحريات».



ممنوع الكلام إلا بإذن

أصدرت نقيبة المحامين أمل حداد تعميماً في 3/3/2010 جاء فيه: «إن نقيبة المحامين، تطلب إلى زملائها المحامين عدم إبداء آراء قانونية ذات موضوع عام، من جهة، وعدم مناقشة ملفات الدعاوى المكلفين بها، والقضايا ذات الطابع القانوني الخاص الموكلة إليهم، أو الموكَلَة إلى سواهم من المحامين، العالقة أمام القضاء، من جهة ثانية، إلا أمام المراجع القضائية والإدارية ذات الاختصاص التي يعود لها أمر النظر فيها وفقاً لما تفرضه القوانين. وأي ظهور لمناقشة هذه المسائل العامة أو الخاصة يستوجب الحصول مُسبقاً على إذن النقيبة، الشفهي أو الخطي، بحسب طبيعة كل مسألة». يُذكر أن حداد أنشأت قبل نحو 4 أشهر لجنة لوضع مشروع جديد حول علاقة المحامي بالإعلام، وبعد طرحه على مجلس النقابة، حصل انقسام بشأنه.