لم يفتتح مكتب لمكافحة «الشيطان» ولا من يفتتحون. رجال أمن يسخرون من هذه الخبرية... «إذا كان مكتب المخدرات بالكاد يعمل، فكيف نفتح مكاتب أخرى». رغم ذلك، ضج وسط «الروك» اللبناني، خلال الأسبوع الماضي، بخبر مثير عن «عودة عبدة الشيطان». أفاد مصدر قضائي مسؤول بأن «العبدة» المذكورين وشموا أجسادهم. ويعيد المصدر ذاته تأكيد تعاطي الموقوفين الثمانية المخدرات بشراهة إلى «نكتة» رجال الأمن. كأن ارتباطاً عضوياً خفياً يقوم بين المتهمين بالشيطانية والمخدرات. ينفي المصدر القضائي الرفيع أن تكون التهمتان تهمة واحدة. يصر: المخدرات جريمة، وعبادة الشيطان جريمة أخرى. أيضاً وأيضاً هناك مفاجأة جندرية: ثمة فتاتان بين الموقوفين. «عبدتان» شابتان للشيطان. لم تتوقف المفاجآت القضائية اللبنانية هنا. سلّم ملف الموقوفين إلى النيابة العسكرية. للوهلة الأولى، يسأل المتابع عن السبب. قد يذهب التفكير بعيداً، حد تصنيف «عبادة الشيطان» من الجرائم الخطرة على «أمن الدولة». لكن الأمر ليس كذلك. السبب هو وجود عسكريين ضمن الموقوفين. جنديان «يعبدان الشيطان» أيضاً. يا للهول.
المصدر القضائي، في المحكمة العسكرية المخولة دراسة الموضوع، يجزم: «الأمر خطير». الاجراءات والتحقيقات مستمرة. الموقوفون ما زالوا موقوفين. يذكر المصدر: «في 2002 انتحر 11 شخصاً وأوقف 23». وللمناسبة، فإن مرجعاً قانونياً، أوضح الالتباس الحاصل في قضية «عبدة الشيطان». من ناحية المبدأ «لا شيء يمنع أي أحد من افتتاح ديانة على حسابه». القانون اللبناني «يكفل حرية المعتقد». لكن ذلك مشروط بـ«عدم تحقير شعائر الديانات الأخرى». وهنا يحصل الجدل، إذ إن «الأديان الأخرى» ترى في «عبادة الشيطان» بحد ذاتها تحقيراً لها ولشعائرها، فيما «يبيح القانون حرية المعتقد». رئيس جمعية «جاد» التي تكافح المخدرات، جوزيف حواط، أحد المتطرفين في رفض الظاهرة، يرفض «التهاون مع هؤلاء»، مؤكداً وجود المئات منهم: «احصاءاتنا في عهد الوزير المر كانت تشير إلى وجود 600 عبد».
يلاقيه في هذا الهلع كثرٌ من المواطنين، على الضفة الأخرى، ممن يحبون «الهارد روك». مارك، هو واحد من الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي، فايسبوك، باسم مستعار طبعاً، «دفاعاً عن الهيفي متال». يحب مارك الشيطان. الشاب مقتنع بـ«أننا في عصر الحريّات». وهذه قناعاته وهو حرٌ فيها. برأيه، اعتقال الموسيقيين «مهزلة». اعتقال أي أحد هو «مهزلة». يذكّر بصديق له «بقي في تركيا هرباً من خبرية عبدة الشيطان». هرب من عمليات الدهم والمضايقات. يؤكد أن صديقه مسالم.. لكنه «يلعب الروك». الموسيقى لعبته. لا يرغب في الحديث عن التفاصيل. يتراجع ويخاف. في المقابل، يتحدث آخرون بقسوة عن مارك ورفاقه.
حتى في البيئة التي تقبل الموسيقى الغربية، يرفض كثيرون «مبدأ الحريّات من أساسه» إذا كان «دفاعاً عن الشيطان». يتهمون عازفي الموسيقى القوية باستيراد أشياء «لا تحدث إلا في الأفلام». اللافت أن مصدراً أمنياً متابعاً رأى أن «وجود جمجمة في منزل أحد الموقوفين كانت كافية للاشتباه فيه». من غير المنطقي وجود جمجمة في منزل شاب. ماذا يفعل بالجمجمة؟ لكن، هناك سؤال أساسي، لماذا لم يتهم الشاب بالاضطراب النفسي مثلاً؟ أو بسرقة «الجماجم»؟ ثم ما الرابط المباشر بين «أبو الجماجم» الموقوف، وبين «عبدة الشيطان»؟ لا بد من سبب لهذا الاشتباه السريع.
في هذه الحال، أول الواجبات هو إنصاف الوزير الياس المر. لقد اكتشف الرجل أتباع الشيطان قبل غيره. فضحهم. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل تابع بنفسه سير العمليات ضدهم. سحقهم الوزير القوي. استحق لقب «وزير الملائكة» في وجه الشياطين. زلغطت له الأمهات وحيت المؤسسة الدينية بسالته. فمن دون تحذيراته المتكررة، والصارمة طبعاً، لنجا هؤلاء بأفعالهم الشنيعة. أفعال «مريبة» كالموسيقى القوية والشعر الطويل وزراعة الأوشام المخيفة على أجسادهم. لكن كان «الله معنا» كما قال الوزير المر ذات مرة. وانتصرنا في النهاية. نصر حاسم لا جدال فيه. كان المر متأكداً منذ اللحظة الأولى. من ينسى قسوته الموصوفة في إحدى الحلقات التلفزيونية، وهو يهدد أصحاب الشعر الطويل والأوشام، الذين يجدفون بالرب المقدس؟ لا أحد طبعاً. لقد كان حازماً. تفرد بتأسيس وعي جماعي لبناني «معاد» لتلك الظاهرة «الماسونية».
يحلو للبعض هنا أن يسميها «ماسونية». كل شيء خطير هو «ماسوني». وعبّاد الشيطان خطرون. تالياً هم «ماسونيون». استشعر الوزير المر الخطر. لم يبال بالتسميات. كان حكيماً. ووفقاً لشهادات شبان عايشوا فترة الشياطين المتنقلة، فإن الوزير المر «أرعبهم». حلقوا شعرهم فوراً. آنذاك، الآخرون، الطيبون أمثال الوزير، تجاوبوا مع دعواته الصادقة وراحوا يشكّون في كل صاحب لحية مشبوهة. ينبذون الوشم الشيطاني. يروي أحد هؤلاء الشباب، أصحاب الوشم، أن «الحاجة» عندهم في الحي لعنته. كان في الفرن يعد المناقيش، وإذ لمحته «استعاذت بالرب». أخافتها «سكسوكته» الطليقة. والأنكى أنه كان يضع وشماً. تنين أخضر بلسان طويل. خافت الحاجة، فقد «سمعت الوزير على التلفزيون».
يقول حسين كمال الدين أحد «التاتوجية» (الذين يعملون في «دقّ» الاوشام والتاتو) في المريجة، ان عهد المر غيّر «كاتالوغه» كاملاً. فرغ كاتالوغ حسين من الجماجم والعظام والتنانين وكل ما «يمت إلى الشيطان بصلة». خاف من الدرك. للوهلة الأولى، خشي حسين عودة موضة «أبو عذاب» و«رضاكِ يا أمي» إلى السواعد. شيئاً فشيئاً، ومع رحيل المر من الداخلية، عاد الكاتالوغ إلى سابق عهده. فقد تفرغ المر لـ«الدفاع الوطني»، وخاض الجيش في عهده معارك نهر البارد، البطولية طبعاً. لكن حسين ما زال يصنع الأوشام، وهذه المرة، لا ينوي تغييرها.



المر والأفعى الميتة

في تصريح «قديم» لوزير الداخلية الأسبق، الياس المر، لإحدى وكالات الأنباء، لفت الأخير إلى «وجود جماعات تمارس شعائر في القبور، وتوقيف 50 مشبوهاً، ضمنهم شخص ضبطت في منزله زجاجة فيها أفعى ميتة، ومجسّم لمدفن، عليه صورة هذا الشاب، صور ورموز شيطانية، جمجمة لبقرة غرزت في قرنيها الدبابيس، جمجمة بشرية، ورأس شيطاني»