هل يمكن اعتقال أي مواطن على الطريق في لبنان على أيدي عناصر أمنيين بلباس مدني، من دون إبلاغه بالسبب، ثم أخذه إلى المخفر ذليلاً وإخضاعه للتحقيق على الطريقة «الميليشياوية»؟ الجواب بكل بساطة «نعم». يمكن، بكل ضمير مرتاح، الجزم بأن هذا، وأفظع منه، يحصل في لبنان. لكن السؤال هو: هل حصل هذا مع رجل الأعمال جاك عبيد، قبل نحو أسبوع في منطقة جونية، على أيدي عناصر «مجموعة معراب الأمنية»؟عبيد، المنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، عقد مؤتمراً صحافياً، أمس، في مبنى نقابة الصحافة، وسرد ما حصل معه بالتفصيل. ليل الجمعة الفائت، قرابة الساعة العاشرة، غادر عبيد شركته الخاصة في ساحة جونية، فشاهد سيارة مركونة أمام مدخل المبنى تحمل لوحة مجلس النواب ورقمها 96.

دخل إلى أحد المطاعم في المنطقة نفسها، وبعد دقيقتين من جلوسه على الطاولة، توقفت سيارة «جيب» ونزل منها 4 مسلحين يرتدون بزّات قوى الأمن الداخلي المرقطة، وخلفهم رجل بثياب مدنية «كان يدلّهم من وراء عمود». جاء أحدهم «وشدّني عن الكرسي، وراح يدفعني نحو السيارة، موجهاً إليّ كلاماً نابياً»، على مرأى عشرات الأشخاص. «المطلوب أصبح معنا داخل السيارة. أنا متوجّه إلى فصيلة جونية»... هذا ما قاله أحد «الخاطفين» في اتصال هاتفي مع شخص ما، قبل أن يرفض طلب عبيد الاتصال بأحد المحامين ليكون إلى جانبه. أدخلوه إلى فصيلة جونية، حيث كانت قد وصلت أيضاً «سيارة مدنية، علمت أنها تابعة لفرع المعلومات». داخل الفصيلة سأل عبيد العسكري المسؤول عن سبب وجوده في هذا المكان، فأشار بيده إلى «الخاطفين» ليوجه إليهم السؤال. بعد نحو ربع ساعة، دخل عناصر جدد بلباس مدني. تحدثوا معه قليلاً، ثم استمر دخولهم وخروجهم، وكذلك اتصالاتهم الهاتفية، إلى ما بعد منتصف الليل. أدخلوه بعدها إلى غرفة ثانية، فاستجوبه شخص ملتح على مرحلتين. كل هذا وعبيد لا يعرف سبب ما يحصل معه، لكنه أدرك في نهاية الأمور أن السبب هو أنه «قومي». أيضاً، حصل كل ذلك، بحسب عبيد، من دون إذن النيابة العامة.
ذكر عبيد أنه خلال استجوابه، «تدخل المؤهل أول روبير، المسؤول يومها في مركز الفصيلة، وطلب مني عدم الإجابة عن أي سؤال يوجهه الشخص المدني، لأنه لم يتسلمني منه بحسب القانون، وهو لم يفتح محضراً رسمياً». أكد عبيد أن مشادة كلامية حصلت بين روبير والشخص المدني على خلفية قانونية التوقيف. عند الثانية فجراً، ورد اتصال هاتفي إلى المؤهل أول روبير، فتسلّم بعدها عبيد رسمياً، قبل أن يطلب منه «العنصر الخاطف» إيصال تسلّم، فكتب له على ورقة: «تسلمت المدعو جاك عبيد من المعاون أول ميلاد جعجع، التابع لمجموعة معراب الأمنية». أجرى المؤهل أول تحقيقاً رسمياً شكلياً وسريعاً، ثم أطلق سراح عبيد، بعد أن كان قد «ردد على مسمع الجميع أن النظارة هي ملك النيابة العامة وحدها، ولا أحد غيرها يحق له أن يحتجز أي موقوف فيها».
يكمل عبيد ما حصل معه، فيقول إنه بعد إطلاق سراحه تلقى اتصالاً تأكد من خلاله أن الرقيب كارلوس العلم هو من أشاع خبر التوقيف، والأخير هو «سائق نائب الكورة نقولا غصن، الذي يقود عادة السيارة التي تحمل لوحة مجلس النواب ذات الرقم 96، الذي عاد واتصل بي عدّة مرات ليبرر لي موقفه، وأخبرني كيف جرت عملية الخطف، وأنه تلقى بذلك اتصالاً من مسؤول أمن القوات اللبنانية في الكورة وبشري منصور جعجع». ومن الأشخاص الذين ذكرهم عبيد، وهم متورطون في ما حصل، ميشال فاضل وطوني رحمة.
من جهته، نفى مسؤول المكتب الإعلامي في «القوات اللبنانية» هاني صافي أن يكون للقوات أي علاقة بما ذكره عبيد، ودعا في حديث مع «الأخبار» عبيد إلى التوجه إلى القضاء والادّعاء بما حصل للاقتصاص من الفاعلين. وقبل دعوة صافي، كان عبيد قد تقدم بالفعل، عبر وكيله المحامي نزيه شلالا، بدعوى أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على المعاون أول ميلاد جعجع ورفاقه، وعلى الرقيب كارلوس العلم وكل من يظهره التحقيق متدخلاً. وقد سجلت الدعوى تحت الرقم 13840/2011.
مسؤول قضائي رفيع، يفترض ـــــ بحسب الأصول ـــــ أن يكون على علم بحادثة التوقيف، نفى لـ«الأخبار» أن تكون النيابة قد أخطرت بوجود شخص يدعى جاك عبيد قيد التوقيف. ويأتي هذا النفي ليعزز تسمية عبيد لما حصل معه بعملية «خطف». وفي السياق نفسه، أكد مسؤول أمني لـ«الأخبار» حصول التوقيف، بحسب أغلب الرواية التي ساقها عبيد، وأن محضر معلومات قد أجري داخل فصيلة جونية لـ«مجرد الاشتباه، ثم أطلق سراح الموقوف بعد طلب النشرة الأمنية له وعدم ثبوت شيء عليه».