«هادي هو القاتل»، خلاصة حسمتها التحقيقات الجنائية في «مجزرة» رأس النبع. خلاصة توصّل إليها المحققون بعدما اكتملت عناصر الجريمة لديهم (البصمات والحمض النووي وداتا الاتصالات)، فيما البحث لا يزال جارياً لتحديد مصدر بندقية البومب أكشن المستخدمة في الجريمة.
إذاً، انتهت المختبرات الجنائية والمدنية من تحليل البصمات والحمض النووي، فتبين أن البصمات الموجودة على سلاح الجريمة والمظاريف الفارغة تعود إلى المشتبه فيه الأول هادي الحاج ديب (25 عاماً)، الابن البكر للعائلة. كذلك الحال في ما يتعلّق ببقايا الحمض النووي للدماء التي أُخذت من على جثته، إذ أظهرت التحاليل أن بعضها يعود إلى ضحايا من أفراد عائلته. ورغم أن البصمات والحمض النووي ليسا كافيين لتأكيد تورّط الابن البكر، أظهر تحليل داتا الاتصالات أن هادي اتصل بشقيقه أمين (23 عاماً) مرتين من هاتفي شقيقتيه، طالباً إليه الحضور إلى المنزل. الاتصال الأخير أجري قبل نحو ساعة من اكتشاف الأب علي الحاج ديب للجريمة. واستناداً إلى المعلومات المتوافرة من داتا الاتصالات، وبناءً على نتائج تحليل البصمات والحمض النووي، وانطلاقاً من كيفية توزع الجثث في الغرف، رُسم سيناريو افترض المحققون أن الجريمة حصلت وفقه.
فرضية التحقيق تشير إلى أن الشقيق الأصغر لهادي، زاهر (15 عاماً) ووالدته نوال يونس كانا أول ضحيتين. فقد قُتل زاهر برصاصة في عينه، إذ عُثر على جثته تحت طاولة في صالون المنزل. أما الوالدة فأصابها القاتل برصاصة في رأسها أثناء محاولتها فتح باب شرفة الصالون. وقدّرت المعلومات الأمنية أن الضحيتين قُتلا قرابة الساعة السادسة. إثر ذلك، أجهز القاتل على الشقيقة الكبرى مهى (20 عاماً) التي كانت خارج المنزل فور وصولها. وترجّح التحقيقات أن مهى قاومت القاتل وحاولت الهرب منه. فقد عُثر على جثتها مصابة بطلقة في الرأس في غرفة النوم، وكانت «فردة سكربينتها» لا تزال في قدمها، فيما عثر على «الفردة» الأخرى في مدخل المنزل. عقب ذلك، اتصل هادي بشقيقه أمين من هاتف شقيقته طالباً إليه الرجوع إلى المنزل. بعد نحو ساعتين من مقتل الأفراد الثلاثة، أوصل الوالد ابنتيه زهراء (15 عاماً) ومنال (11 عاماً)، وإحداهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى المنزل. أنزلهما ورحل. صعدت الفتاتان إلى المنزل حيث كان القاتل بانتظارهما. قتلهما في الصالون برصاصتين في رأس كل منهما. وبذلك بات الصالون يضم جثث أربعة من أفراد الأسرة، فيما كانت جثة الشقيقة الكبرى في غرفة النوم. لم يحضر أمين بعد. اتصل به هادي مرة أخرى من هاتف شقيقته الأخرى، وحثّه على العودة بسرعة. وصل أمين فرأى جثث والدته وأشقائه. هرع إلى المطبخ ليحضر سكيناً، لكنّ هادي كان أسرع منه، إذ أطلق عليه النار فأصابته رصاصة في صدغه. سقطت السكين في أرض المطبخ وقربها خرّ أمين صريعاً. انتهى هادي من تصفية جميع إخوته ووالدته. غسل نفسه من الدماء التي تناثرت على جسده جرّاء إطلاق النار على ضحاياه من مسافة قريبة. دخل إلى غرفة نومه وبدّل ملابسه. جلس على السرير ووضع فوهة البندقية في فمه، قاصداً إنهاء حياته. أطلق النار فخرج الطلق من خلف رأسه. مرّ نحو نصف ساعة فوصل الوالد ليكتشف الجريمة.
وقعت الجريمة فحضرت القوى الأمنية بعد إبلاغها. بدأت التحقيقات لكشف الملابسات. حضرت الأدلة الجنائية. رُفعت البصمات والأدلة. عُثر في جثة هادي على «سدّتين » كان قد وضعهما داخل أُذنيه. رجّح المحققون أنه هدف من وراء ذلك إلى عدم سماع استغاثات أشقائه ووالدته. أما ما سُرّب عن وجود رسائل مكتوبة بخط يده، فأكّدت المعلومات أنها غير صحيحة، إذ تبين أنها رسائل كتبتها إحدى الشقيقات منذ عدة أيام ولا علاقة لها بدوافع الجريمة. أما عن سبب عدم سماع الجيران أصوات العيارات النارية أو استغاثات الضحايا، فجزمت مصادر أمنية بأنه رغم إغلاق نوافذ المنزل وأبوابه بإحكام واعتياد الجيران سماع أصوات الخلافات التي كانت تقع بين أفراد العائلة، سمع عدد من الجيران أصوات العيارات النارية والاستغاثات، لكن لا أحد منهم تجرّأ على التدخل أو لم يتصور أن جريمة قد تحصل. كذلك فإن الجيران أنكروا، بعد وقوع الجريمة، سماع أصوات إطلاق النار خشية استدعائهم إلى التحقيق.
أما في ما يتعلق بدوافع الجريمة التي لا تزال مجهولة، فعلمت «الأخبار » من مصادر مطّلعة على التحقيق أن الوضع الاجتماعي داخل العائلة كان مفكّكاً، بحسب إفادات مقرّبين من العائلة، أضف إلى ذلك ما عبّر عنه غير مسؤول أمني عن أن جميع الأثاث الموجود في المنزل لا يتخطى ثمنه 500 دولار أميركي، علماً بأن الوالد يملك فرناً ولديه منزل يدرّ عليه دخلاً شهرياً، فضلاً عن وجود نحو ثمانين مليون ليرة في حساب الوالدة المصرفي التي كانت تعمل مدرّسة. وتضاف إلى ذلك إفادات أقارب العائلة وشهود عرفوا هادي عن قُرب تؤكد أنه كان مضطرباً نفسياً.
وفي موازاة التحقيقات الجارية، فتحت قساوة الجريمة الباب أمام المخيلة لرسم عدة سيناريوات لأكثر من رواية. فقد تناقل جيران العائلة أن القوى الأمنية أوقفت الناطور بعدما ثبت أنه القاتل، بدليل أنه توارى عن الأنظار إثر الجريمة، وذهب هؤلاء إلى القول إن الموقوف سيُجلب لتمثيل الجريمة، علماً بأن الناطور كان قد غادر المبنى قبل نحو شهرين ونصف شهر من حصول الجريمة، تاركاً ابن عمه الذي هرب هلعاً بعد وقوع الجريمة.



لا رسائل

اتصلت «الأخبار» بقاضي التحقيق جورج رزق الذي يتولى التحقيق في جريمة رأس النبع، للوقوف على المستجدات ودقة المعلومات التي سُرّبت في وسائل الإعلام، لكنه رفض التعليق أو الإدلاء بأي معلومة، مشيراً إلى أن نتائج التحقيقات ستُنشر فور انتهائها. وفي هذا السياق، نفت مصادر مطّلعة ما أُثير عن وجود رسائل كتبها القاتل بخط يده تشرح الدوافع. في المقابل، رغم أن جزءاً يسيراً من التحقيقات أعلنته الوسائل الإعلامية بعكس ما تقتضيه سرية التحقيقات، برز على نحو لافت في هذه الجريمة الحفاظ على مسرح الجريمة ومهنية المحققين التي يتوقع أن تؤدي إلى كشف ملابسات الجريمة في مدة قياسية.