صيدا ــ الأخباركما كان فندق صيدون الشهير قبل تدميره في عام 1988 حديث الناس، عاد كذلك منذ إعلان بلدية صيدا توقيع اتفاق لإعادة بنائه في 16 أيلول الفائت. إلا أن الفارق كبير بين الحديثين. سابقاً، كان الحديث عن الطراز العمراني الذي كان يتميّز به الفندق الذي بني في عام 1950. أما الآن، فالنقاش يطول عن «حقوق البلدية المهدورة» في العقد الذي وقعه المجلس البلدي مع الشركة اللبنانية للتطوير والاستثمار الفندقي ممثلة بشخص عزّت قدورة، كما ترى «مجموعة المهندسين المستقلين» التي تعترض على العقد، وبين «شروط تحسّنت» كان المجلس البلدي السابق قد تهاون بها كما يؤكد أعضاء في البلدية الحالية الذين سرّبوا أمس أحد «المحاضر البلدية السابقة» التي تتضمن موافقة البلدية على العقد بشروط تعدّ أسوأ من الحالية.
وبحسب العقد الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، سيقام الفندق على العقار 375 من منطقة الوسطاني، ومساحته 45181 متراً مربعاً (بما فيها مساحة الملعب البلدي). وفيه أن الفريق الثاني (الشركة وممثلها السيد عزت قدورة) أبدى استعداده، بناءً على رغبة الفريق الأول، بأن ينشئ على نفقته الخاصة مشروعاً يؤول إلى الانتفاع بكامل العقار واستثماره. وحدّدت المادة السادسة للفريق الثاني لقاء انتفاعه واستثماره المشروع، بدل استثمار سنوي على النحو الآتي (سنة أولى لا شيء، السنوات الأربع التالية 125 ألف دولار أميركي سنوياً، والسنوات الخمس التالية 150 ألف دولار أميركي سنوياً، والخمس التالية 175 ألف دولار سنوياً، والخمس التالية بـ200 ألف دولار أميركي سنوياً، ثم خمس سنوات أخرى بـ225 ألف دولار سنوياً، بعدها خمس سنوات بـ250 ألف دولار سنوياً، والسنوات الخمس الأخيرة بـ275 ألف دولار سنوياً). وتنص المادة 15 على عرض المشروع للاستثمار على أهالي صيدا، على أن يبقى لقدورة في حدّ أدنى 20%.
إلا أن المشروع يفتقر مثلاً إلى بند جزائي إن أخلّ أحد الطرفين بالعقد، كما يلفت المهندس محمد دندشلي أحد المهندسين الموقعين بيان «مجموعة المهندسين المستقلين». إلا أن هذا ليس التحفظ الوحيد الذي يلفت إليه دندشلي، وقد لا يكون أبرز ملاحظاته. يقول: «نعم، هناك ضرورة لإقامة مشروع إنمائي سياحي، ونحن نشجع ذلك، لكن ليس على حساب البلدية وأملاكها». منطلقاً في رأيه من تجربة سابقة هي معمل فرز النفايات وغيره (في عهد مجلس بلدي أسبق). ومن أسباب الاعتراض على العقد الحالي «الإجحاف المالي الذي يلحقه بالبلدية؛ إذ إنه يقدّم واحدة من أجمل مناطق صيدا، عند مدخلها الشمالي المطلّ على البحر، بسعر شبه رمزي». يشرح: «حتى لو كان المستثمر سيقيم موقف سيارات فهو سيربح أكثر من 150 ألف دولار سنوياً، فكيف توافق البلدية على هذا السعر ولمدة 35 عاماً، أي لأجيال؟». مقدماً مقارنة مع أسعار عقارات في المدينة لا تتمتع بالموقع السياحي نفسه «هناك عقار مساحته 5000 متر وأجرته650 ألف دولار سنوياً، وآخر مساحته 8 آلاف متر مربع أجرته850 ألف دولار سنوياً». لذلك، يرى أن الحل هو ما يفترض بالعمل البلدي (الديموقراطي) أن يكون عليه «إعلان المشروع، استدراج العروض وليرسُ العرض على من يقدّم الأفضل». دندشلي وزملاؤه ينتظرون عودة رئيس البلدية من سفره ليناقشوه في الأمر، وسيتواصلون كذلك مع سياسيي المدينة لكي يعاد النظر في المشروع «ونعتقد أنه لن يمرّ لأنه عقد ابتدائي».
إلا أن رئيس بلدية صيدا، محمد السعودي، لا يبدو مستعداً لإعادة النظر في العقد، وخصوصاً أنه بات الآن في عهدة ديوان المحاسبة الذي سيبتّه، مؤكداً في اتصال مع «الأخبار» أن «العقد كويّس حسب تقديرنا». ولدى عرض أسماء المهندسين الذين وقعوا البيان، يقول إنه سبق واطلع من المهندس محمود دندشلي العضو في المجلس البلدي السابق على العقد الذي كانت البلدية السابقة في صدد توقيعه مع المستثمر نفسه، «ونحن حسّنا كثيراً في شروط هذا العقد». ومن الفروق التي يراها السعودي جوهرية بين العقدين أن السعر ارتفع إلى «الضعف تقريباً» أولاً. وثانياً «لقد أتحنا لأهالي صيدا أن يستثمروا بقيمة في 80% في الفندق، بحيث يكون للمستثمر عزت قدورة 20% فقط». ودعا الذين يقولون إن في هذا العقد إجحافاً بحق البلدية إلى الاستفادة «من هذا الإجحاف، ويشتروا الأسهم التي نعرضها للبيع». ويضع السعودي السجال الدائر في المدينة في خانة «الزكزكات» التي يتعرّض لها دوماً.
من جهته ينفي الرئيس السابق للبلدية، عبد الرحمن البزري، أن يكون قد وقع عقداً لإنشاء الفندق، أو أعدّ عقداً بهذا الخصوص. «كلّ ما في الأمر رسالة واردة إلى البلدية من السيّد عزت قدورة يقدّم فيها تصوّره للمشروع، وقد درسناها مع مجموعة من المهندسين، إلا أننا لم نقرّر بشأنها؛ لأن ولاية المجلس البلدي كانت قد شارفت على الانتهاء». البزري، الذي يقول إنه لم يطلع بعد على العقد الحالي، يُقدّر موقف المهندسين الصيداويين وحرصهم على مصالح المدينة ويبدي استعداده للقاء السعودي والتناقش معه في موضوع العقد، مستغرباً أن يكون قد تحدّث عن وجود عقد! ما يستغربه البزري، يسرّبه أعضاء المجلس البلدي بصيغة «محضر بلدي» سابق، يقول البزري أيضاً إنه غير دقيق؛ لأنه غير موقع. لكننا نقع فيه على قرار يحمل الرقم 856 بتاريخ 13 أيار 2009 وفيه موافقة على عرض تقدّم به قدورة لإنشاء الفندق، في حضور البزري رئيساً، ونائب الرئيس محمود حمود والأعضاء منى معروف سعد، محمد جمعة، حسن عز الدين، عفيف حشيشو، رلى الشماع أنصاري، محمود دندشلي، علي دالي بلطة، أسامة أبو ظهر، سعيد عكرة، نزار الحلاق، سعد الدين الخليلي ومحمد أمين الددا. وأشارت مصادر البلدية إلى أن البزري طلب حجز اعتماد مالي (بتاريخ 27/4/2010) بقيمة ثمانية ملايين ومئتين وخمسين ألف ليرة لبنانية كنفقة لأكلاف دراسة جدوى اقتصادية وتقديم عرض لإعداد ملفات العقد، علماً بأن دراسة الجدوى يفترض أن تكون على نفقة الشركة.
محمد دندشلي، الذي يستمع إلى ردّ السعودي بأنه أنجز اتفاقاً أفضل من الإنجاز الذي كانت قد أنجزته البلدية السابقة يقول: «إن ما يبنى على خطأ هو خطأ»، فيما يعود البزري ليؤكد: «لا يوجد عقد، هذا أولاً. لكن حتى لو كان هناك عقد، فهذا أمر غير ملزم للبلدية الجديدة».



«مول» على البحر!

لا يبدو المهندس محمد دندشلي مقتنعاً بالحجج التي تساق عن احتمال خسارة «الفندق» كمشروع سياحي، ما يبرّر إنشاء مجمّع تجاري قربه. «إذا كان هناك مشروع خاسر فلماذا نستثمر فيه أصلاً؟». يقول: «هناك شركات عالمية تدير فنادق وتربح كثيراً، والمساحات واسعة جداً، والمنشآت السياحية موجودة في منطقة صنفها مشروع الواجهة البحرية بأنها مركز استقطاب سياحي، فلماذا لحظ الاتفاق، إلى المنشآت السياحية، مشروعاً تجارياً». مشيراً إلى أنه «في استطاعة مستثمري الأملاك البحرية الاستفادة بنسب محددة في البحر لإقامة أحواض أو مارينا وأحواض مائية ومسابح. إنشاء المنشآت السياحية (غير الفندق) لن يكلف صاحب المشروع كثيراً فهو ليس بحاجة إلى مبان ضخمة، بل إلى أرصفة وأماكن مفتوحة وأشكال خلابة، وأصحابه سيستفيدون من مياه عذبة يوفرها نهر الأولي ومياه البحر المالحة».