بعد أكثر من سبع سنوات على إنجاز مسلخ بعلبك الجديد، لا يزال الأهالي في حي السيّار عند مدخل بعلبك الجنوبي ينتظرون خطوة نقل العمل من مبنى المسلخ القديم المجاور لمنازلهم، إلى الجديد في محلة تل الأبيض. معوقات ظاهرية وأخرى «مخفية» تحول دون عملية الانتقال، في الوقت الذي تتواصل فيه معاناة الأهالي في حي المسلخ القديم، من الروائح الكريهة المنبعثة، ومن قنوات مياه الريّ التي جرى تحويل دماء المسلخ إليها، فطافت ببقايا الذبائح لتصبح ملاذاً للحشرات والجرذان. بلدية بعلبك، مع بداية ولايتها الحالية، عملت تحت عنوان «لقمة نظيفة» على ترميم المسلخ القديم وتنظيف قنوات المياه المحيطة به، إضافة إلى حملات دورية كل ثلاثة أشهر لرش المبيدات في المسلخ ومحيطه. لكنّ غياب عملية ربط مجرور المسلخ بشبكة الصرف الصحي، وإبقاءه مع قنوات مياه نهر «ربع قلّوط» (الآتي من رأس العين)، مثّلا سبباً أساسياً لعودة أمور التلوث والروائح إلى نقطة الصفر. مختار بعلبك حسين الشل، المقيم قرب المسلخ القديم، أوضح لـ«الأخبار» أن معاناة السكان يومية مع الروائح الكريهة، «التي لا تنتهي إلا أياماً قليلة بعد عملية تنظيف القناة، ونقل الأحشاء الحيوانية التي سرعان ما تتكدّس، خصوصاً أن الذبح يحصل يومياً». ولفت الشلّ إلى أن اعتراضاتهم المتكرّرة التي وصلت إلى حدّ إقفال الطرقات بالإطارات المشتعلة «لم تعطِ نتيجة»، وأن كلّ اقتراحاتهم بتحويل مجرى الدم إلى المجرور الجديد الخاص بالصرف الصحي إلى إيعات «باءت بالفشل، بذريعة أن كلّ ليتر دم بحاجة إلى مئة ليتر من المياه في المصفاة، وذلك بحسب ما أكد أحد أعضاء المجلس البلدي في بعلبك لأهالي الحي»، يقول الشلّ.
والجدير ذكره أن مبنى المسلخ القديم شُيّد أيام الاحتلال التركي، وكان يستعمل مسلخاً لتوفير الذبائح للجنود. ومع الشروع في عملية بناء المسلخ الجديد عند محلة التل الأبيض ــــ مدخل بعلبك الغربي، بدأ الناس ببناء منازلهم ليقينهم بأن المسلخ القديم سينقل إلى المبنى الجديد، وهذا ما لم يحصل، لتبدأ معاناتهم اليومية.
ولا تقتصر خطورة تحويل مجرى الدماء من المسلخ إلى قنوات الري، بحسب الشل، على الروائح المنبعثة منها ما يجعل البيئة مناسبة لتكاثر الحشرات والجرذان، بل تمتد لتطال البساتين الزراعية التي تخترقها قناة الري، «إذ يعمد بعض المزارعين إلى ريّ مزروعاتهم من القناة، ما يسمح بولادة دودة تفتك بالمنتجات الزراعية من بطاطا وبصل وحتى الأشجار المثمرة».
معاناة أهالي حي السيّار في بعلبك يمكن الاطلاع عليها من خلال جولة قرب الأقنية المحيطة بالمسلخ القديم، حيث تحتل الدماء مساحة كبيرة بالقرب من قساطل المياه، ويمكن رؤية بقايا الذبائح وحتى الجرذان الميتة. رئيس بلدية بعلبك هاشم عثمان أكد لـ«الأخبار» أن المسلخ القديم شهد ورشة ترميم كبيرة، «بغية توفير اللحم النظيف والصحي لأهالي بعلبك وحتى السائحين فيها»، موضحاً أن عدم انتقال المسلخ من المبنى القديم إلى الجديد يعود إلى «عدم وجود كمية كافية من المياه له»، فالبئر الارتوازية بجانبه تبيّن أن قوّتها لا تكفي في عملية الذبح والتنظيف»، وأنه «في حال جرى توفير المياه للمسلخ الجديد، عندها سنفكّر جدّياً في عملية الانتقال إلى المبنى المتطوّر أكثر والأوسع».
وعن مشكلة مجرى الدماء وتحويله إلى أقنية الري التي تخترق بساتين زراعية في بعلبك، أكد عثمان أنه يشعر بمعاناة الأهالي، لكنه جزم بـ«أن الدماء لا تتجه إلى قناة الري إلا إذا كانت المجاري مسدودة»، وأن البلدية تسعى دورياً إلى فتح المجرى، ونقل بقايا الأحشاء الحيوانية منها. أما عن طريقة معالجة المشكلة، فقد أكد رئيس بلدية بعلبك أنه جرى أخيراً تكليف متعهد لوصل مياه المسلخ بقنوات الصرف الصحي، فضلاً عن مشروع تأهيل قنوات ري الأراضي الزراعية في مدينة بعلبك، بتمويل من الحكومة الإيطالية وبالتنسيق والتعاون مع مكتب التعاون الإيطالي».