يحتلّ مكدوس الباذنجان في البقاع رأس القائمة في المؤونة المنزلية، فهناك لا يمكن الاستغناء عنه، لا في غرف المؤونة ولا في أجنحة المعارض القروية الزراعية، ولا حتى على المائدة. هكذا، يكتسب مكدوس الباذنجان مكانة خاصة لدى البقاعيين، حيث جرت العادة بأن يكون «الأول»... والأصعب أيضاً، إذ ثمة «عرف نسائي» يقول إنه بمجرد الانتهاء من إعداده تكون قد أنجزت «نصف المونة»، تقول جولييت مطر، ابنة القاع التي تنهمك في مثل هذا الوقت بإعداده وتحضيره لعائلتها من جهة، وللبيع كمصدر رزق من جهة ثانية.
صعوبة تبدأ منذ اللحظة الأولى، وتحديداً لحظة تجهيزه للسلق ومن ثم الرصّ. وقد جعل هذا الأمر بعض النسوة على استعداد لدفع المال للعاملات في التعاونيات الزراعية من أجل تحضيره، على أن يكتفين بحشوه فقط.
لكن، ماذا عن تحضير الباذنجان؟ تقول مطر إن المكدوس «الكويّس» يعتمد بداية على نوعية حبات الباذنجان التي يفضل أن تكون من النوع «الكفرسوسي». وهو النوع الذي يتميز «بحجمه الصغير ولونه الأسود الفاتح». أما عن التحضير، فتقول إن المرحلة الأولى تبدأ «بنزع الأقماع الخضراء وغسل الحبات ومن ثم وضعها في الماء الساخن وغليها على النار، بعد الضغط عليها داخل الوعاء». وتشير مطر إلى أن «عملية السلق لا تحتاج إلى وقت طويل، فقد تصبح ناضجة بعد دقائق قليلة على أول غلية بالمياه». وتشير إلى أنه «يمكن البعضَ تقدير مرحلة النضج بالضغط على إحدى الحبات بلطفٍ برأس الإصبع، وإذا فتحت تكون الحبات جاهزة للحشو».
بعد ذلك، ترفع حبات الباذنجان من المياه الساخنة إلى «وعاء من المياه الباردة الجارية، والعمل على شقّها قليلاً ووضع الملح البحري الخشن داخلها مع تحريك الإصبع برفق داخلها كي لا تتوسع، خوفاً من سقوط الحشوة منها لاحقاً». بعد وضع الملح، تُرصّ الحبات في مصفاة ويضغط عليها بثقل حتى تصفّى من المياه. وتشير مطر إلى أن عملية الرص تحتاج «على الأقل الى ليلة كاملة حتى تخرج منها كل قطرة ماء، مخافة تعفنها». في اليوم التالي، تحضّر النسوة حشوة الباذنجان المؤلفة من «الفليفلة الحمراء والخضراء والحر، إضافة إلى الفستق والجوز والثوم المدقوق، لتبدأ بعدها عملية حشو الحبات، ومسحها ورصها بالمراطبين، ومن ثم قلبها مدة أربع وعشرين ساعة كي تخرج قطرات المياه المتبقية فيها». بعد التأكد من خلوها من الماء، تعاد إلى شكلها الطبيعي ويضاف إليها زيت الزيتون بكميات متفاوتة، وتترك مدة أيام مفتوحة، لتغلق لاحقاً بطريقة جيدة. تنتهي العملية وتبدأ مرحلة الانتظار لتذوّق الطعم والتي قد تستمر أسابيع. أما عن الحفظ، فقد يحفظ المكدوس عاماً كاملاً.