أمطرت السماء مياهاً غزيرة على بيروت السبت الماضي... فغرقت العاصمة، ووجدت المياه في المتحف الوطني منفذاً لها، فغمرت المستودعات والمختبرات وحتى الطبقة السفلية من المتحف، وتضررت قطع معروضة، وتلفت ملفات. السبب المباشر لدخول المياه الى المتحف هو سد أقنية تصريف المياه المتصلة بالمجرور في محيطه أثناء أعمال البنى التحتية. أما السبب غير المباشر فهو موقع المتحف المشيّد على منخفض. كما أن قصة المتحف مع المياه لا تتوقف مع الشتاء، فهو مبني فوق نبع جوفي، ما يعني أن المياه إن لم تأته من السماء، فستنبع من الأرض! هذه المشكلة أدّت، خلال الحرب الأهلية، الى تلف مئات القطع البرونزية، وغرق مقبرة صور الرومانية... وتكرار المشهد اليوم إنما يكشف عن عيوب مهولة في حماية المتحف الوطني.وبما أن مشكلة المياه قديمة، يجوز السؤال: لماذا لم يزوّد المتحف حتى اليوم بآلات ضخ تعمل بطريقة أوتوماتيكية، بدل انتظار وصول الموظفين الى المبنى لاكتشاف دخول المياه إليه؟ أمطرت السماء في الساعة السادسة صباحاً، فعرف الموظفون بغرق القطع في الساعة الثامنة والنصف، ما يؤكد غياب أي مراقبة دائمة لحماية كنوز لبنان، وعدم وجود حارس ليلي داخل المتحف، والافتقار الى كاميرات موصولة على شبكة مراقبة 24/24. وبالتالي، فإن عناصر سرية الدرك الواقفين على الباب لا يعرفون ما يجري خلفه! كاميرات المراقبة، التي زوّدت بها في أيامنا دكاكين السمانة، لا تزال بعيدة عن قاعات المتحف الوطني!
وصل علوّ المياه الى عشرة سنتيمترات، فوصلت الرطوبة الى مقبرة صور الرومانية، تلك التي استجدى لبنان كلفة ترميمها من إيطاليا، ودخلت المياه الى المستودعات، فطافت بعض القطع الأثرية، وغرق القسم الآخر. خبر يؤدي في أي دولة في العالم الى استجواب موسع: أولاً كيف تدخل المياه الى المستودعات؟ أوليست أبوابها أبواب خزنات لا يدخلها حتى الهواء؟ ثم كيف تغرق الأغراض؟ هل هي موضوعة على الأرض؟ منذ متى توضع القطع الأثرية الثمينة على الأرض؟ التحف توضّب في خزائن مرتفعة، عادة ما تكون مصممة للتماشي مع الهزات الأرضية فتثبت بالحائط وتوصد أبوابها لكي لا تقع القطع وتتكسر.
وماذا عن الكهرباء؟ للمتحف الوطني مولدات خاصة به، فحينما ينقطع التيار يدور المولد. رائع هو هذا السيناريو، ولكن ماذا إذا، لا سمح الله، تعطّل المولد أو عُطّل لغاية ما؟ المتاحف، في كل العالم، تتصل مباشرةً بشبكة الكهرباء، وعندما يحدث انقطاع في التيار الكهربائي، لأي سبب، يبقى المتحف مضاءً، وكاميراته موصولة بأقرب مقر شرطة.
هذه أبسط شروط السلامة التي تؤمّنها المتاحف العالمية. حتى إن هذه الشروط باتت قديمة في كثير من الدول، لكنها ستكون أفضل من الوضع الحالي.
حتى اليوم، كان المتحف متروكاً للعناية الإلهية، والأمل أن تساعد في ذلك الرعاية الوزارية بأساليب حديثة، وأن يكون دخول المياه درساً للسير قدماً.