«نضيف؟ ولا عيني عم تفرجيني؟». يتساءل الشاب عن سبب هذه النظافة المفاجئة في أحياء منطقة الرمل العالي. فمنذ سنوات طويلة، لم ير الشاب، ولا غيره من القاطنين في «الرمل» مثل هذا المشهد، الذي بدا لهم كأنه سقط من باراشوت. نظافة... ودفعة واحدة في منطقة هامشية، يكاد العابر فيها كل يوم «يتفركش» بالنفايات المرمية في بعض الزواريب والأوساخ التي يخلّفها المارون، والسيارات «العاطلة من العمل» على جانبي طريق بالكاد تتسع لعبور سيارة من الحجم الصغير. فما الذي حدث لتحلّ هذه «النعمة» المفاجئة؟

منذ ثلاثة أسابيع، وتحديداً يوم الأحد، حمل بعض شباب المنطقة وبعض الأهالي عدّتهم من «مكانس ومعاول وأكياس لجمع النفايات...»، وتوزّعوا في زواريب أحيائهم، للعمل على إزالة الأوساخ منها ضمن حملة مصغرة للنظافة. ليل ذلك الأحد، انقلب «الرمل» آخر: بانت النظافة في زواريبه جلية، لسبب بسيط أنها المرة الأولى «الحقيقية» التي تسيّر فيها مثل هذه الحملات، وخصوصاً في ظل الغياب البلدي عنها، لكونها منطقة «غير شرعية» أولاً، ولا يصلها من هناك إلا جزء ضئيل من الخدمات الملحة جداً ثانياً.
مع كل ذلك، لم تدم النظافة طويلاً، فسرعان ما «عادت حليمة لعادتها القديمة»، لكنها، كانت تجربة جيدة لبداية مشروع حقيقي يقوم به بعض شباب المنطقة ضمن ما يسمى مشروع «لجان الأحياء» المتفرعة من المشروع الأكبر: حملة النظام من الإيمان.
لكن، أهم ما في هذا المشروع، أنه «أهلي بامتياز»، يقول حسين عساف، وهو أحد الشباب المشاركين فيه. أو في أحسن الأحوال هي «بلدية ظل»، تعمل تحت إشراف بلدية برج البراجنة، المسؤولة إدارياً عن هذا الحي وأحياء أخرى. لكن، ثمة ما هو أهم من العمل البلدي بحد ذاته، وهو أن مهمّات هذه اللجنة ستكون مرتبطة ارتباطاً مباشراً بـ«الناس»، أي كل ما يهم القاطنين هناك من خدمات كهرباء ومياه ونظافة وتحصيل «بدلات» من البيوت لتحفيز البلدية على تأمين خدمات للمنطقة. غير أن هذه النقطة الأخيرة تواجه بعض الصعوبات، «من ناحية البلدية على الأقل»، يقول حسين منصور، نائب رئيس بلدية برج البراجنة. فهنا، لا أحد يستطيع جباية بدلات، إذ «إن هذا الأمر مخالف للقانون، وخصوصاً أن معظم البيوت تعدّ بيوت احتلال أو مبنية على أملاك الغير، لذلك لا نستطيع فرض بدلات جباية». والحل يكون «بتكليف شاغل المبنى ببدلات كناسة وحراسة شهرية ورسوم إشغال سنوية، لكنها تبقى رسوماً تقديرية حسب تصنيف المنطقة وتخمينها». وبعيداً عن هذا «الارتباك» الحاصل بين مطالب شباب الحي الممثلين باللجان والبلدية، إذ لا يمكن فرض بدلات «بالقانون» على أرض غير قانونية، يُعدّ الشباب «خطة» للمرحلة الثانية من التنظيم، وهي تلك المرتبطة بحملة النظام من الإيمان، التي يجري العمل بموجبها على فتح الطرقات المغلقة ونزع المخالفات، وخصوصاً من جهة طريق المطار و«نزلة» مستشفى الرسول الأعظم.
مهمّات مفيدة ولا شك، إذ إنها على الأقل قد تسهم في تحرير حيّ بني عشوائياً في الأساس من عشوائية إضافية، لكن «المهمة صعبة»، يقول العزير. فمن يقنع الناس بأن هذه المخالفة، مخالفة؟ ومن يقنع بالتالي صاحب بيت بني في لحظات حرجة بدفع بدلات لم يكن يدفعها قبلاً؟ ومن هو القادر على «تنظيف» حيّ من السيارات التي باتت تفوق بعددها البشر المقيمين هناك؟ وإن كان قادراً على نقلها، فإلى أين سيأخذها؟ إلى مواقف وهمية؟ أم إلى شارع آخر؟
مهمة صعبة، إذاً، لكن، إن «تمكنّا من تحقيق أهدافنا بنسبة 20% نكون قد حققنا نجاحاً كبيراً»، يتابع العزير، لكن، من أين نأتي بتلك العشرين؟ الأرجح من «خدمات النظافة والمياه والكهرباء ربما»، يضيف. أما «الخوازيق»، فقد يستحيل على أي لجنة إقناع شخص بأن الفسحة القريبة من منزله هي «لكل الناس»، وليست له، تماماً كما يستحيل على أي «مخلوق» إقناع ذلك الشخص بأن بيته بني على أملاك الغير. فقد أثبتت تجارب عامين من انطلاق حملة «النظام من الإيمان» عقم معظم محاولات نزع المخالفات، اللهم إلا في أماكن محدودة.