كان يفترض، بعد نحو أسبوعين، النطق بالحكم على معمّر القذافي في لبنان في قضية اختفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه. ظلّ القضاء اللبناني يماطل في هذه المحاكمة حتى قتل الرجل الشهر الماضي على أيدي ثوار بلده. مماطلة استمرت أكثر من 33 عاماً، أي منذ إعلان اختفاء الصدر ورفيقيه في ليبيا. بالتأكيد، لم يكن أحد يتوقع أن يحضر القذافي إلى قاعة المجلس العدلي في بيروت، ليستمع إلى نص الحكم الصادر بحقه. لكن المسألة بـ«رمزيتها». أحد المحامين المتابعين لقضية الصدر يأسف لـ«تقصير لبنان الرسمي في هذا الملف، وتحديداً السلطة القضائية، لأن المماطلة أدّت إلى سقوط الحق العام عن القذافي، وذلك بسبب موته». وأضاف: «كم كان لائقاً بلبنان أن يصدر حكماً، ولو غيابياً، بحق القذافي في حياته.
وكم كان جديراً بلبنان أن يُسمع طاغية ليبيا السابق، ولو من بعيد، أن القضاء في بلد الصدر ورفيقيه أصدر حكماً بحقه. المحاكمة الآن ينطبق عليها المثل الشعبي القائل: يطعمكم الحجة والناس راجعة».
إذاً، لن يُحاكم القذافي بدعوى الحق العام في قضية الصدر، وذلك وفقاً للمادة 10 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على أنه «تسقط دعوى الحق العام بوفاة المدعى عليه». لكن، من قال إن القذافي مات رسمياً؟ صحيح أن الثوار في ليبيا أعلنوا خبر الوفاة، وظهرت جثة الرجل في وسائل الاعلام، بيد أن العمل المؤسساتي لا يأخذ بهذه الطرق، إذ لا بد للمجلس العدلي في لبنان من الحصول على وثيقة وفاة رسمية حتى يثبت الأمر.
مسؤول قضائي رفيع أوضح لـ«الأخبار» أن جلسة المحاكمة التي كانت محددة في 18 من الشهر الجاري، «ستفتتح طبيعياً، لكن ليس لإصدار الحكم النهائي كما كان مقرراً، بل لإثبات وفاة المدّعى عليه. المسألة باتت تحتاج إلى وثيقة وفاة رسمية، وهذه، في الظروف الحالية في ليبيا، ربما يصعب الحصول عليها نظراً للفوضى التي تعصف بهذا البلد. وهذا الأمر يحتاج إلى همّة من وزارة الخارجية اللبنانية». ويلفت المسؤول إلى أن «سقوط الحق العام عن القذافي، بعد التثبّت من وفاته، لا يعني سقوط الحق الشخصي أبداً، إذ إن لدى المدّعين طلبات تعويض. بعضهم طالب بمبالغ كبيرة وبعضهم طالب بليرة لبنانية واحدة. لكن الحق الشخصي هنا، بوفاة المدّعى عليه، بات يحتاج إلى حصر إرث للورثة الشرعيين، وهذه مهمة صعبة في مثل هذه الظروف». هكذا، أصبحت القضية من الناحية القضائية «شربوكة».
يُذكر أن القذافي لم يكن الوحيد المدّعى عليه في القضية، إذ شمل القرار الاتهامي الصادر عن القاضي سميح الحاج، الذي أخذ به المجلس العدلي، ستة أشخاص آخرين، هم (بحسب توصيفاتهم يوم وقوع الجرم): السائق في إدارة المراسم الخارجية المرغني مسعود التومي، الموظف في أمانة مؤتمر الشعب العام في طرابلس أحمد محمد الحطاب، مساعد مدير مكتب شركة الطيران في مطار طرابلس الهادي إبراهيم مصطفى السعداوي، الملازم أول في إدارة الهجرة والجوازات عبد الرحمن محمد غويلة، مدير إدارة شؤون الموظفين في شركة أكسيدنتال في طرابلس محمد خليفة سحيون والموظف في منشآت المشروعات الكهربائية عيسى مسعود عبد الله المنصوري». هؤلاء الأشخاص الستة ما زالوا على قيد الحياة، وبالتالي فإن المجلس العدلي سيمضي في محاكمتهم غيابياً، وفق الاتهامات المختلفة الموجهة إلى كل منهم. وإلى جانب هؤلاء، توجد مذكرات تحرّ دائم لمعرفة هوية كل من: عبد السلام جلود، محمود بن كورة، أحمد الأطرش، عيسى البعباع، عاشور الفرطاس، علي التريكي، أحمد الشحاتة، أحمد ترهون، إبراهيم عمر، ومحمد الرحيبي والموريتاني محمد ولد داده.
واللافت أنه رغم سقوط نظام القذافي في ليبيا، وظهور بعض أصحاب الأسماء الواردة، ومنهم جلود، الذي كان يعدّ «الرجل الثاني» في النظام، لم تتحرك الدولة اللبنانية للوصول إليهم. فجلود، على سبيل المثال، موجود حالياً في العاصمة الإيطالية، ومعروف الفندق الذي ينزل فيه، وقد عقد قبل مدّة مؤتمراً صحافياً، ومع ذلك لم يحصل أي تواصل بين وزارة الخارجية اللبنانية والسلطات الإيطالية للوصول إليه.
من جهته، يستغرب النائب السابق حسن يعقوب، نجل الشيخ محمد يعقوب الذي خطف مع الصدر، «الخفة التي تتعاطى بها الدولة اللبنانية مع هذه القضية، فإضافة إلى جلود، الكل يعلم أن المطلوب علي التريكي موجود في مصر حالياً، ومع ذلك لم يحصل أي تواصل معه أو مع السلطات هناك. من المعيب على الدولة اللبنانية بعد تحرير ليبيا التقصير بهذا الشكل». ويرى يعقوب في حديث مع «الأخبار» أن الخطط التي وضعت من أجل حل المسألة أخيراً، هي «خطط خجولة وشكلية واستعراضية، وهناك مسلسل طويل من الصمت والإهمال والتواطؤ. الغريب أن كل لبنان، بكل من فيه، يؤكد محبته العميقة للصدر. أين هذه المحبة؟».

وفد بلا معلومات

في 23 من الشهر الماضي، غادر لبنان وفد رسمي إلى ليبيا لمتابعة قضية الإمام الصدر ورفيقيه بعد سقوط نظام القذافي. ضمّ الوفد المدير العام للمغتربين هيثم جمعة والقاضي حسن الشامي. وبعد قضائهما أياماً بين تونس وليبيا، عادا إلى لبنان من دون الإعلان عمّا توصلا إليه هناك. وقد رفض جمعة في اتصال مع «الأخبار» الخوض في التفاصيل، أو الكشف عما فعله الوفد والشخصيات التي التقاها، مكتفياً بالقول «إننا عقدنا سلسلة لقاءات مع عدد من المسؤولين الليبيين، وأثرنا معهم ملف القضية ووضعناهم في أجواء التحركات الرسمية اللبنانية في هذا الصدد والملفات التي في حوزة لبنان حول القضية، وسيواصل الوفد هذه اللقاءات مع المسؤولين المعنيين». فيما رأى النائب السابق يعقوب، أن «اتصالات الوفد كانت قليلة والقضية تحتاج إلى فريق عمل أكبر».