لعلها المرة الأولى التي يستضيف لبنان مؤتمراً للبحث في قضايا الاختطاف الدولي للاطفال. المبادرة جاءت من القسم القنصلي في السفارة البريطانية في لبنان، بالتعاون مع المؤسسة الخيرية البريطانية «رييونايت». ويشارك في المؤتمر الذي تختتم اعماله اليوم في بيروت، ممثلون عن البعثات القنصلية لسفارات الولايات المتحدة والدنمارك وكندا في بيروت، وموظفون قنصليون بريطانيون عاملون في الأردن ومصر والكويت وعمان والدوحة والبحرين والسعودية والإمارات وسوريا، ومشاركين من اليابان وروسيا وماليزيا وفيتنام والهند.
وتعدّ «رييونايت» من أبرز المؤسسات الدولية غير الحكومية المختصة بمعالجة قضايا الخطف الدولي. وتقدم المشورة والدعم لأولياء وأفراد العائلة التي يختطف منها الاطفال او التي تخشى الخطف. والنصح للأشخاص الذين اختطف اطفالهم، وتساعد الوالدين على الاتصال بأطفالهم. واختارت «رييونايت» عقد المؤتمر في بيروت كجزء من برنامج البحوث الذي يهدف الى التعرف إلى خلفيات القوانين المدنية والدينية والثقافية في الدول غير المصدقة على اتفاقية لاهاي لعام 1980 المتعلقة بالظاهرة المدنية للاختطاف الدولي للأطفال، والتي تنتج عادة من حالات طلاق الأزواج من بلدان مختلفة. ولبنان، الى جانب العديد من الدول العربية والاسلامية، لم يوقع على هذه الاتفاقية وعلى اتفاقيات مكملة لها، وينتج من ذلك عدم وجود آليات للحوار والتعاون الذي من شأنه ان يؤدي الى المعالجة السريعة لقضايا الخطف. وتتسبب القضايا المعقدة والطويلة المدى في زيادة الأذى الذي يلحق بالاطفال، اذ في بعض الأحيان يمنع على الطفل حتى الاتصال بأحد الوالدين خلافاً للمبادئ التي أقرتها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.
وتنسق المؤسسة مع العديد من مكاتب المحاماة حول العالم، بينها مكتب اديب وحويلا في طرابلس، ومكتب طرابلسي في بيروت، وتجري عبر هذين المكتبين الوساطات بين العائلات المتنازعة والتي يلجأ اليها بديلاً للدعاوى القضائية. وبحسب ايسون شيلبي، من «رييونايت»، فانه رغم الاهمية التي اكتسبتها الوساطات في معالجة الخصومات العائلية، لا يعتمد عليها بكثرة لحل المشاكل الخاصة بخطف الاطفال الدولي.
بدوره، تحدث السفير البريطاني في لبنان طوم فلتشر في افتتاح المؤتمر قائلاً: «لا يوجد أي رابح في قضايا اختطاف الاطفال. الكل يبقى خاسراً»، وأشاد بالدور الذي تلعبه الحكومات والمنظمات الدولية والمحامون وقوى الامن الداخلي والقناصل في مختلف البلدان في محاولة وضع حد لهذا الصراع الاسري.
المحامي شوكت حويلا، المتخصص في المرافعة حول قضايا النزاعات العائلية، اوضح خلال المؤتمر أنه لا يوجد في لبنان قانون موحد لمعالجة المسائل العامة بأحوال الطفل الشخصية. لذلك يقرر وضع الطفل الشرعي بالاستناد الى القانون الذي ينظم زواج والديه، أي القانون المدني إذا ابرم عقد الزواج خارج لبنان، وقانون المذهب الذي ينتمي ٕاليه الوالدان اذا كان الزواج قد تم في لبنان. وتنتج من ذلك مروحة واسعة من التشريع لـ17 مذهباً مختلفاً في لبنان لكل منها نظامها القضائي والتشريعي الخاص، ما يعني أنه يوجد في لبنان 18 نظاماً من بينها 17 نظاماً مذهبياً وواحد مدني يستفيد منه فقط الأجنبي أو المواطن اللبناني الذي يتزوج زواجاً مدنيّاً خارج لبنان يكون خاضعاً للأحكام المدنية.
ومن المعلوم انه حين تُقرر المحاكم الاوروبية او الأميركية في أحقيّة الحضانة لأي من الوالدين، تقدم مصلحة الأطفال. لكن عموماً تكون الأفضلية للطرف الذي يعتني بالطفل بنحو رئيسي، لهذا فالأم غالباً ما تفوز بالحضانة. من هنا تكثر عمليات خطف الاولاد من آبائهم الى بلدانهم الاصلية بغية الاستفادة من المحاكم الشرعية التي تمنح حضانة الطفل للزوج.
وكان القضاء اللبناني اطلق موقفاً من قضية النزاعات الدولية المتعلقة بحضانة الأطفال، خلال مؤتمر مالطة القضائي بشأن مسائل القانون العائلي عبر الحدود الذي عقد عام ٢٠٠٤، والذي حضرته القاضيتان ماري معوشي وجويس ثابت. وبحسب وثائق المؤتمر قدمت معوشي مداخلة ركزت فيها على ان المحاكم اللبنانية لا تفرض «براءة التنفيذ» عندما تقدم لها قرارات أجنبية متعلقة بحالة الطفل الشخصية، وبالتالي فإن هذه القرارات تنفذ فوراً ما دام لا يوجد نزاع في شأنها أو معارضة. اما القاضية ثابت فأعلنت ان لبنان يعترف بصفة رسمية منذ حزيران 2002 بوجوب اتخاذ تدابير وقائية لتوفير بيئة مناسبة للأطفال. وفي هذا الميدان فإن المكتب الدولي للرعاية الاجتماعية يلعب دوراً رئيسياً وذلك بتوفير الدعم والتعاون مع المحاكم للمحافظة على مصلحة الأطفال. غير اننا نجد في الواقع أحكاماً محلية ودولية متناقضة بشأن الحضانة، لذلك يجب علينا تشجيع الأطراف على التفاوض. وقد انشأت اللجان الاستشارية المشتركة في لبنان نظاماً خاصاً بالوساطة للحوار وتقديم النصيحة للأطراف المتخاصمة.
ويستدل من وثائق مؤتمر مالطا أن لبنان وقع على مذكرات تفاهم حول الاختطاف الدولي للاطفال مع فرنسا والولايات المتحدة، وتنص هذه المذكرة على التعاون بين الموظفين القنصليين وتمكينهم من مساعدة الأولياء على الاتصال وزيارة اطفالهم. كذلك تنص على أن الاشخاص الراشدين يمكنهم السفر او التوطن ببلد آخر ما داموا يلتزمون بقوانين الهجرة الوافدة والاجراءات الخاصة بالتأشيرات. ويطبق هذا المبدأ على الحالات التي يرفض فيها أحد افراد العائلة اللبنانية ترخيص سفر المخطوف الذي صار راشداً.
وتنتقد الدول الاعضاء في اتفاقية لاهاي الصعوبات التي تواجهها مع الدول غير الاعضاء برغم وجود مذكرات تفاهم ثنائية، وأكثرها صعوبة الحصول على الوثائق الرسمية، وغياب التعاون لإيجاد الأطفال المفقودين ورفض السلطات في الدول غير المنضمة الى الاتفاقية رفع الدعاوى القضائية.