كشف المحققون في فرع المعلومات لُغز القتل التسلسلي الذي أزهق أرواح أحد عشر رجلاً خلال بضعة أشهر. حدّدوا مكان المشتبه فيهما، وعند الساعة الصفر نفّذوا عملية الدهم. قرابة الثانية والنصف من فجر أمس، أوقف عناصر المعلومات خمسة أفراد من عائلة واحدة يُشتبه في أن اثنين منهم نفّذا جرائم القتل الإحدى عشرة.
بدأ مسلسل ميشال وجورج ت. الإجرامي قبل سبعة أشهر. آنذاك، قتلا جارتهما العجوز ملكة توفيق التي كانت تقطن في منطقة النبعة. أجهزا عليها بقصد السرقة برصاصة في الرأس من مسدس عيار 7 ملم. استسهل الشقيقان القتل، فقررا أن يصطادا ضحاياهما لسرقتهم. وهكذا كان. قرر الشقيقان استهداف سائقي التاكسي وركّاب السيارات العمومية. اختيروا لأنهم الهدف الأسهل. لذلك، كانا يوقفان السيارة العمومية طالبين من سائقها أن يقلهما إلى أحد الأماكن. يصعد جورج قرب السائق، فيما يركب ميشال في الخلف. وفي الطريق يطلب جورج إلى السائق أن يُنزله في شارع فرعي لقضاء حاجته. وما إن يهمّ الشقيق الأصغر بالنزول، حتى يطلق ميشال رصاصته على رأس السائق ليرديه. بعد ذلك، يسرقان ما يحمله القتيل من أموال، تاركين مبلغاً صغيراً للإيهام بأن جريمة القتل لم تكن بقصد السرقة، باعتبار أن المبلغ الذي سيعثر عليه بحوزته سيوحي أنه كان كل ما يحمل. وأيضاً، كانا يسلبانه أوراقه الثبوتية، بغرض تأخير تحديد هويته، ثم يرميانه في الشارع الفرعي وينطلقان في السيارة إلى مكان آخر.
نفّذ الشقيقان جرائمهما الإحدى عشرة بهذه الطريقة مع بعض الاستثناءات؛ إذ إن القاتلين أجهزا على بعض الضحايا من بين الركاب. ففي المرّات التي سرقا فيها سيارة سائق التاكسي القتيل، استخدماها منتحلين صفة سائق عمومي لنقل الركاب. وبذلك، كانت قرعة القتل تقع على أوّل راكب يصادفهما. يكرران السيناريو نفسه بسلب الضحية وتجريده من أوراقه الثبوتية، مع إبقاء مبلغ من المال في جيبه، ثم يتخلّصان من السيارة.
نفّذ المشتبه فيهما جرائمهما باحتراف، فلم يحدث أن تركا بصمة. وصودف أن البصمات لم تظهر على المقود. لم يتركا دليلاً يوصل إليهما، باستثناء مرّة واحدة. حينها، ظهر حرص المشتبه فيهما على تنظيف مسرح جريمتهما. يومها تعارك الشقيقان مع سائق التاكسي إلياس ع. فعاجل الأخير ميشال بلكمة على أنفه. تطايرت دماء المعتدي على المرآة الداخلية للسيارة قبل أن يُطلق النار على رأس السائق. سقط الأخير أرضاً فظنّا أنه قُتل. اخترقت الرصاصة الرأس مباشرة. لم يغادرا، نزع أحدهما المرآة من السيارة وأخذها معه لإخفاء أي أثر. لكنه لم يلتفت إلى أن إحدى قطرات دمائه سقطت في أرض السيارة وعلقت أخرى في سقفها. تلك الحادثة لم تؤثر في مسار التحقيقات. نجا السائق الياس ع. من الموت، وأعطى بعض مواصفات المشتبه فيهما اللذين هاجماه. وأخذت الأدلة الجنائية عيّنة من آثار الدماء لمطابقتها لاحقاً بعد فحصها، علماً بأنه لا بنك للبصمة الوراثية في لبنان كالمعتمد عالمياً.
استؤنفت التحقيقات. استأجر محققو فرع المعلومات سيارات أجرة، وقضوا لياليهم متنقلين في نطاق منطقة المتن، لكن من دون جدوى. تضاعفت حيرة المحققين، حتى ارتكب المشتبه فيهما خطأً قاتلاً لم يتوقعه أحد منهم. فقد رصد محققو الفرع تحرّكاً لهاتف العريف في الجيش اللبناني الذي قُتل الجمعة. كان جورج قد سرق الهاتف الخلوي، وباعه لجاره حبيب هـ. الذي كان يريد شراء هاتف لابنه هادي (13 عاماً). استبدل البائع شريحة الخط التي في داخله بتلك التي أحضرها هادي ليشغّل الهاتف المسروق. إثر ذلك، حدّد عناصر الفرع المكان الجغرافي للهاتف. كُثفت التحقيقات، فتبين أن حامله صبي. وضع المحققون فرضية أن الصبي وجد الهاتف في الشارع، باعتبار أن مكان حصول جريمة القتل لا يبعد كثيراً عن المحلة. أول من أمس، أوقفت القوى الأمنية حبيب هـ. وابنه هادي، فأفاد الوالد بأنه اشترى الهاتف لابنه من المدعو جورج. حتى هذه اللحظة، كان الاتهام لا يزال بعيداً عن جورج؛ إذ كيف يمكن قاتلاً ارتكب هذا الكمّ من الجرائم أن يرتكب هفوة كهذه ببيع هاتف ضحيته لجاره.
فجر أمس، دهمت القوى الأمنية منزل جورج وأوقفته هو وأشقاءه الأربعة. أرشدهم إلى المنزل مخبر مقنّع. فتّش المحققون المنزل، فعثروا على مسدس من عيار 7 ملم داخل فرن الغاز. وعثروا أيضاً على أسلحة أخرى كانت مخبأة. هنا، تعززت الشكوك. أُجريت فحوص على بصمة المسدس الموجودة على الناقر، فتطابقت مع الموجودة على كبسولات الرصاصات التي وُجدت في مسارح الجرائم. كذلك الأمر في ما يتعلّق بمظاريف الرصاصات. توسّع المحققون في التحقيق مع الأشقاء الخمسة: ميشال وجورج وعزيز وموسى وموريس. لكن الأشقاء لم يعترفوا بما أُسند إليهم. مرّت اثنتا عشرة ساعة كان الأشقاء الخمسة يخضعون خلالها لتحقيق متواصل قبل أن ينهار أحدهم. اعترف ميشال بأنه وشقيقه جورج نفّذا إحدى عشرة جريمة. ذكر أنه مطلق النار في جميعها. هكذا قتلهم بدم بارد من دون رأفة بفقر حالهم أيضاً. أما دور جورج، فاقتصر على مرافقته بغرض إلهاء السائق. وذكر ميشال أنه في الجرائم الأولى كان يجلس في المقعد الأمامي قرب السائق، لكن بعد تعاركه مع الياس ع.، صار يجلس في المقعد الخلفي ليطلق النار على رأس ضحيته. هكذا اعترف ميشال بجرائمه التي أثارت الرعب في منطقة المتن، ناسباً الدوافع إلى الفقر واليأس. أكد المشتبه فيه الرئيسي بجرائم القتل المتسلسلة أن الغرض من جرائمه كان الحاجة. تحدّث عن عيشة مزرية يعيشها هو وأشقاؤه الباقون. أخضعت القوى الأمنية الأشقاء الخمسة لتحليل الحمض النووي لمطابقة بصمتهم الوراثية مع عيّنة الدماء التي عُثر عليها في أرض سيارة إلياس ع. وسقفها، ويُفترض أن تصدر النتائج خلال ساعات.
يذكر أن الضحايا هم: السائق رجا رامز كشيك (سوري)، علي فتاح هلال أحمد (إيراني)، جثة رجل مجهول، السائق حسين مصطفى حمزة (لبناني)، ألبير رامز النشار (لبناني)، السائق شاكر سعيد عبد النور (لبناني)، السائق أحمد حسين عبد الله (لبناني)، العريف في الجيش زياد هاني ديب، سائق التاكسي آغوب يعقوبيان، إضافة إلى ملكة توفيق.



عصافير وأثاث مقلوب وصورة للحكيم

أكثر من خمسة أقفاص للعصافير تُزيّن شرفة منزل المشتبه فيهما ميشال وجورج ت. الكائن في شارع كامبسيس في منطقة النبعة. في الداخل، يظهر أثاث المنزل مقلوباً رأساً على عقب. تبدو صورة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قائمة في إحدى زوايا المنزل المنكوب. تقترب لتُجيل النظر في الصور المعلّقة، فيبادرك أحدهم بأن ميشال كان مقاتلاً في القوات اللبنانية قبل أن يتقاعد. هنا تعلم أن العائلة من أصل سوري من الوالدة زهرة ك. (مواليد 1934) التي أوقفت أيضاً. اثنان من الأشقاء فقط يحملان الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم التجنيس عام 1994. وتعود ملكية المنزل لأحد الأشقاء المهاجر إلى بلجيكا. هنا يختلف الجيران حيال سيرة الأشقاء الخمسة «الغامضة»، فهم موجودون في الحي منذ أكثر من ثلاثين عاماً. يؤكد بعضهم أنهم «أوادم». شقيقهم الأصغر عزيز يعمل سائقاً عمومياً «يخرج في الصباح الباكر ويعود قرابة الحادية عشرة ليلاً». في المقابل، يتحدث آخرون عن سلوك مشبوه لهؤلاء. يشيرون إلى أن بعضهم يتعاطى المخدرات، فضلاً عن أن لثلاثة منهم أسبقيات في القتل والسرقة، وكانوا نزلاء في سجن رومية.