قبل عام ونيّف، باشرت القوى الأمنية المعنية بشؤون السير، بإيعاز من وزارة الداخلية، تفعيل العمل برادارات ضبط السرعة على الطرقات. آنذاك، لم يكن بوسع أحد الاعتراض على هذا الإجراء الإيجابي، خصوصاً في ظل ارتفاع عدد حوادث السير التي يجزم الخبراء أن النسبة الأكبر منها ناتجة من السرعة الزائدة. لكن، وبما أن الإجراء يدور على أرض لبنان، حيث «الارتجال» وغياب التخطيط من أبرز ميزات قرارات الدولة، كان لا بد من ظهور آثار جانبية «سلبية» لعمل الرادارات، إنما ليس على الطرقات هذه المرّة، بل في مكان آخر.قصة حسين حيدر نموذج لمثل هذه الآثار. فقبل أشهر، وفيما كان الشاب مسترخياً في منزله، جاءه زائر «مزعج» من جهة الدولة، ليسلّمه محضر ضبط مخالفة سرعة زائدة ارتكبها بسيارته في شوارع بيروت. لم يستطع حسين إلا أن يبتسم مبلغاً الزائر أنه لا يملك أي سيارة حالياً، وبالتالي، ربما كان في الأمر تشابه أسماء. لاحقاً، صدم الشاب عندما تبيّن أنه هو المقصود بمحضر الضبط فعلاً. إذ إن سيارة الـ«هوندا» التي باعها قبل 7 سنوات، بموجب وكالة بيع لدى كاتب العدل، ما زالت مقيدة لدى مصلحة تسجيل السيارات والآليات على اسمه، ومن اشتراها منه لم يسجلها لدى المصلحة، بل باعها لاحقاً إلى شخص آخر بموجب وكالة بيع أيضاً. بالتأكيد، جهاز الرادار ليس ذكياً كفاية لكي يحدد هوية السائق الفعلي للسيارة، فهو يلتقط فقط رقم لوحة التسجيل، المقيّد لدى الدوائر الرسمية على اسم المالك الأول للسيارة.
المشكلة، التي لم تلتفت الدولة إليها حين بدء العمل بالرادارات، والمرجح أن تظهر نتائجها على نحو لافت قريباً، هي أن أكثر من نصف عمليات بيع السيارات والآليات في لبنان تحصل بموجب وكالات بيع. تنظم هذه العمليات لدى كاتب العدل، ثم لا يبادر الشاري إلى تسجيلها رسمياً على اسمه. هذا ما يؤكده مسؤول في مصلحة تسجيل السيارات والآليات، التابعة إدارياً لهيئة إدارة السير والمركبات.
ويوضح المسؤول، قبل الخوض في تحديد المسؤوليات، أنه لا بد من الإشارة إلى أن «كل عملية بيع لسيارة أو آلية خارج دوائر مصلحة تسجيل السيارات، هي عملية مخالفة للقانون وغير معترف بها من جانب المصلحة رسمياً، وبالتالي، لا يمكن صاحب هذه المخالفة أن يقول بعد ذلك لماذا تصلني محاضر الضبط رغم بيعي لسيارتي. هذا مبدأ يفترض أن يعرفه الجميع». هكذا، كل بيع لآليات خارج دوائر مصلحة التسجيل غير رسمي، علماً أنه يمكن بسهولة ملاحظة أن هذه الفكرة غير معلومة لدى شريحة واسعة من الناس، الذين يشترون ويبيعون يومياً مئات السيارات بخلاف ذلك، أي من خلال إجراء وكالات بيع لدى كتّاب العدل في مختلف المناطق. السؤال الذي يطرح نفسه، هو: لماذا تسمح الدولة، والحال كذلك، باستمرار البيع عبر وكالات كتاب العدل، وبالتالي، لماذا لا تعلن أن البيع لا يتم إلا لدى مصلحة تسجيل السيارات حصراً؟
المسؤول في المصلحة لا يجد ما يجيب به عن السؤال، ربما لأن المسألة «أكبر من موظف، أو وربما لأنه عرف قديم يصعب كسره، أو حتى تجنباً لتصادم مع كتاب العدل الذين سيتضررون مالياً». لكن، في المقابل، يلفت المسؤول نفسه إلى أن «الجميع يعلمون أن وكالات البيع هي وكالات غير أبدية، إذا إن صلاحية السير بموجبها لا تتعدى الشهرين، وبعد ذلك تصبح من دون قيمة. وهنا أنصح كل صاحب سيارة أن لا يبيع سيارته إلا بشرط أن يسجلها الشاري على اسمه مباشرة، بدل أن يلوم الدولة لاحقاً عندما تصله محاضر ضبط المخالفات التي يرتكبها الشاري، ولأنه أيضاً سيكون هو المطالب بدفع كافة الرسوم، ومنها الميكانيك السنوي، في حال تخلف المالك الجديد عن الدفع».
الدفع عن السارق!
بعيداً عن آليات بيع السيارات، ثمة مشكلة أخرى، لطالما عانى منها الناس لدى الدوائر الحكومية، تتلخص في فرض تسديد رسوم الميكانيك عن السيارات والدراجات، وعموم الآليات المسروقة.
قصة صلاح نموذج لهذه المشكلة. قبل 5 سنوات سرقت دراجته النارية من أمام منزله. توجه إلى أقرب مخفر لقوى الأمن الداخلي وأبلغ عن الحادثة. حصل من هناك على محضر إثبات، وظن أنه فعل كل ما عليه فعله. وبالمناسبة، هذا ما يظنه أغلب الناس. بيد أن في لبنان، البلد الذي لا توجد فيه إدارة مركزية لتسيير شؤون الناس، ليس ثمة آلية تواصل بين المخافر ومصلحة تسجيل السيارات والآليات، وبالتالي تحصل السرقة وتعلم بها القوى الأمنية، بينما تظل الآلية المسروقة لدى مصلحة التسجيل مقيدة على اسم صاحبها. في الآونة الأخيرة، قصد صلاح «النافعة» بهدف تسديد رسوم سيارته الجديدة، لكنه فوجئ هناك بأن عليه تسديد رسوم 5 سنوات متراكمة، بدل ميكانيك، عن دراجته النارية المسروقة.
مسؤول معني بهذا الشأن، في مصلحة تسجيل السيارات والآليات، يعترف بأن ما واجهه صلاح، وكثيرون من المواطنين، مشكلة «لم يكن لها حل. لكن، أصدرنا أخيراً مذكرة تحل جزءاً من المشكلة. إذ بات بإمكان صاحب الآلية المسروقة التقدم ببلاغ بحث لدى النيابة العامة، ثم يتوجه إلى النافعة لإزالة الآلية المسروقة عن قيود السير، وذلك بعد دفع بدل ميكانيك عن السنة التي سرقت فيها وأيضاً عن السنة الجارية، بدل دفع كل السنوات المتراكمة كما كان يحصل إلى ما قبل أيام قليلة». ويلفت المسؤول إلى أن هذا الإجراء الجديد يشمل الآليات التي استعيدت بعد السرقة والتي لم تستعد، باستثناء التي اتلفت نتيجة حوادث مختلفة، فهذه مشكلة «لا نزال نعمل على حلّها». هكذا، بين مشاكل إدارية يفترض أن تتحمل الدولة إصلاحها، وبين حلول جزئية يقوم بها المسؤولون في الدوائر المختصة، يبقى الناس رهينة قرارات «ارتجالية».



تلف وأنقاض

في حال تلف السيارة، أو أي آلية سير أخرى، حرقاً أو غرقاً مثلاً، يجب إثبات هذه الحالة لدى مصلحة تسجيل السيارات والآليات، وإلا يبقى صاحب الآلية يدفع سنوياً بدل الميكانيك، وسائر الرسوم المالية المتعلقة بها. لكن كيف تثبت هذه الحالات؟ مسؤول أمني يعمل في شؤون السير لا ينفي «صعوبة» هذا الإجراء. يوضح أنه على المواطن المعني أن يحصل من القوى الأمنية على محضر إثبات تلف، وبعد التبليغ عن الحادث والتحقيق به، يتوجه بالمحضر إلى مصلحة تسجيل السيارات لإجراء معاملة تقييد الآلية تحت خانة «أنقاض». هذا المصطلح الأخير يعني أن السيارة رفعت عن السير في لبنان، ولا يمكن إعادتها إلى السير، في حال من الأحوال، إلا من خلال إعادة تسجيلها من جديد، كأنها لم تسر يوماً على الأراضي اللبناني. وبالتالي، على المعني أن يدفع رسم التسجيل بنفس الطريقة التي تسجل فيها كل آلية آتية من الخارج استيراداً.