البقاع | باع أحمد بندقيته عارفاً أنها ستهرب إلى سوريا. لا يملك البقاعي المال لشراء المازوت للتدفئة، وقد أغلقت جميع الأبواب في وجهه. صحيح أنه مقتنع بنظريّة «المؤامرة» على سوريا ونظامها، لكنه والد لثلاثة أطفال أيضاً، والرابع «على الطريق». أكبرهم في العاشرة. الشتاء قارس ولا حلول. هكذا، لم يجد إزاء واقعه الاقتصادي الموجع بديلاً عن بيع «الأمانة» التي في عنقه منذ سنوات. تلك البندقية «زينة» رجولته، لكونه رجلاً «عقائدياً»، وتالياً، كان رشاش «الكلاشنيكوف» مصدر فخر له أمام الأصدقاء، لأنه «حبة نضيفة». واليوم، لم تعد «نظافتها» تخدم قضيته فلا قيمة مادية لها، وطبعاً، لن يحرقها ليتدفأ عليها.
أمثال أحمد كثر، كما يقول تاجر أسلحة في سهل البقاع. كان الأخير في طريقه إلى بلدة الفرزل لشراء بندقية من «مزنوق» آخر. تراجع عمل التجار اليوم، فـ«قبل شهرين كانت سوق الأسلحة هنا نشطة، والطلب كبيراً على مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة الخفيفة». ويضيف الرجل بمنطق الشاكي: «حين بدأت الأزمة في سوريا تحركت السوق هنا. أنا وحدي ابتعت ألفي بندقية كلاشنيكوف وام 16». يؤدي دور الوسيط. يشتري بنادق بالمفرق، يخزنها، ثم يبيعها لوسطاء «أكبر» يبيعونها لتجار سوريين. في رأيه، «الأسعار اليوم مرتفعة جداً». بندقية الكلاشنيكوف يراوح سعرها بين 1800 و2000 دولار أميركي، والـ «ام 16» تقدر بنحو 2400 دولار. أما القاذف الصاروخي «آر. بي. جي»، فيصل سعره مع القذيفة إلى2500 دولار. والطامة الكبرى في رأي البائع، أن سعر رصاصة «الكلاشن» هو دولار ونصف دولار. يوضح أن أسعار الأسلحة في السوق اللبنانية ارتفعت منذ شهر آذار الماضي حتى أيلول المنصرم نحو 75%. لا يحب أن نذكر اسمه، فقد خضع للتحقيق عند جهاز امني لبناني اكثر من مرة، مطمئناً «تهريب السلاح إلى سوريا تراجع كثيراً»، عازياً الأسباب إلى الإجراءات الأمنية المشددة التي تنفذها الأجهزة الأمنية اللبنانية على خط الحدود مع سوريا، وملاحقة تجار الاسلحة، والأهم من ذلك كله، هو «تراجع الطلب السوري على شراء الاسلحة من لبنان، بعد توافر مصادر اخرى لهم، منها السوق العراقية، ومستودعات الجيش السوري التي تسرق منها الأسلحة وتباع في السوق السوداء هناك بأسعار أقل».
يكشف تاجر الأسلحة اللبناني أن حركة المبيع في السوق اللبنانية تراجعت جدياً. ففي بداية الأزمة السورية «لم نكن «نلحّق» على الشراء والمبيع». اليوم، يشتري بندقية ويحتفظ بها بعدما «فرغت المخازن»، مؤكداً ان تجار الأسلحة في البقاع ولبنان عامة «هم من جميع الطوائف والانتماءات السياسية والحزبية». هم تجار يتعاونون في ما بينهم. هو مثلاً، يشتري من مجدل عنجر ويبيع في بريتال، وزميله يشتري من كامد اللوز ويبيع في حورتعلا: «نحن تجار وبس». يتابع ضاحكاً: «انا مثلاً محسوب على 14 آذار، أشتري من تاجر في 8 آذار وهو بدوره يبيع لتاجر سوري ونتعاون حتى يمشي الشغل». قبل شهرين بالضبط، كانت تنهال الاتصالات عليهم من «زملاء» سوريين يريدون رشاشات كلاشنيكوف ومسدسات. يزعجه «تراجع الطلب»، كاشفاً انه ورفاقه يخزنون اليوم ما يشترونه من بنادق حربية، ويتعرضون لـ«مضايقات من أحزاب محسوبة على سوريا»، مؤكداً أنه اشترى بنادق أخيراً من شباب «محسوبين سياسياً على القوات اللبنانية وتيار المستقبل وحركة امل والحزب القومي السوري وحزب البعث السوري»، لماذا؟ «لأنو كلن بدن مصاري، الأسعار اليوم منيحة، وبكرا بس ينزل السعر بيرجعوا بيشتروا بواريد».
يؤكد اكثر من ناشط في شراء ومبيع الأسلحة الفردية، وحتى مدافع الهاون عيار 60 ملم، والمدافع الرشاشة عيار 12,7، أن سوق سهل البقاع اليوم «جامدة» نسبياً. ويفسر مصدر أمني هذا الجمود، بـ «تشديد الإجراءات الامنية على طول خط الحدود مع سوريا»، مرجحاً أنه «ليس هناك تهريب للاسلحة الى سوريا» حيث لم تضبط القوى الأمنية اللبنانية «عملية تهريب اسلحة واحدة منذ عدة اشهر». على ذمة المصدر الأمني «الجيش أقفل جميع المعابر والمسالك غير الشرعية، التي يعتقد أنها تستخدم في اعمال التهريب التقليدي او حتى الأسلحة»، وطبعاً «الإجراءات الأمنية السورية مشددة جداً». لبنانياً، أعمال البحث والتحري عن تجار أسلحة قائمة «واستطعنا توقيف أكثر من تاجر أسلحة، وهم الآن يخضعون للتحقيق الأمني الذي لم يكشف حتى اللحظة ما اذا كانوا قد باعوا اسلحة لسوريين»، يختم المصدر واثقاً.
في ضوء هذه المعطيات، سيبقى أحمد عاطلاً من العمل منذ سبعة أشهر، بعدما طرد من وظيفته في مؤسسة تجارية صغيرة. فعل المستحيل لتأمين ما يلزم من مازوت لمنزله، وفشلت جهوده المضنية الى أن توصل إلى الحل الصعب. لم يكترث بالبحث والتحري، ولا بالإجراءات الأمنية. «أنّبه ضميره قليلاً» لأنه تخلى عن سلاحه مقابل المال. رغم أنه «مع النظام السوري». باع البندقية والولاء والعقيدة بألفي دولار، لا لأنه رجل «بلا ضمير»، ولا لأنه تخلى عن شرفه، بل لأن «الشتاء قاس»، وهناك أربعة أطفال مهددون بالجليد. يعرف أن «هناك العشرات مثله». باعوا «بواريدهم» لتجار الأسلحة، غير آبهين بالقتال بعد اليوم. كل ما يريدونه، هو بعض الدفء.