بعد سنوات غلب فيها المنطق السياحي على الزراعي في سهل الميذنة في كفررمان، الذي كان طاغياً قبل احتلاله عام 1985، حيث تعرضت بساتين الحمضيات للتخريب، ثمة من يعمل اليوم على إعادة اللون الزراعي الأخضر إلى حقول السهل، ومحو آثار الاحتلال. بدأ العمل على الأرض، وعادت المساكب الخريفية والشتوية لتزيّن العديد من حقول السهل. وبات لمساكب الرشاد والجرجير حصة الأسد بين «المملكة» النباتية التي تحضنها الحقول، بعدما «ازداد طلب الناس عليها لما فيها من خواص غذائية متعددة، فضلاً عما تحويه من معادن»، تقول المزارعة جميلة سلطان معلم.وتلفت جميلة إلى أن هذه الزراعة لم تكن سائدة في السابق، موضحة «قبل خمسين عاماً، لم نكن نعرف عن عشبة اسمها الرشاد، فيما كنا نهتدي إلى الجرجير قرب جداول المياه والأنهار». اختلف الوضع اليوم، وبات الرشاد والجرجير، أو الروكا، «سيدي المائدة».
ربما سبقت المطاعم البيوت في جعل طبق سلطة الجرجير عنصراً أساسياً في الموائد والسهرات، لكن زراعته في الحقول البيتية والسهول جعلته يدخل إلى البيوت من الأبواب الواسعة، وباتت أهميته اليوم تُعادل الخس والبقدونس والبصل الأخضر، حتى إنه صار «عنصراً رئيسياً على بسطات باعة الخضار»، تضيف جميلة. ثم تسارع إلى الإشادة بالرشاد ومفعوله «لكونه يُؤكل كما هو، بطعمه الحاد والمغري في آن واحد». وتتابع «عدا كونه طبقاً شهياً للسلطة، يؤكل من دون واسطة، ويمكن تناوله مع الخبز فقط».
على سبيل الفكاهة، يُصنّف الجرجير بالكاذب والمخادع بين النباتات الأخرى، لأن رائحته الحلوة مساءً، التي تمتد طوال الليل، تغيب عنه تماماً خلال النهار. لذلك، يكثر استخدامه خلال موائد الليل، ويعدّ شريكاً حقيقياً في السهرات. أما من الناحية الغذائية، فيستخدم الجرجير قبل أن يزهر، لأنه لا يعود صالحاً بعد ذلك إلا للفوائد الطبية.
تنظف الروكا وتغسل ثم تجفف. بعدها تفرم قطعاً كبيرة وتخلط مع الفطر في طبق السلطة. ترش فوقها جبنة مقطّعة إلى شرائح رقيقة جداً، وغالباً ما تُستخدَم جبنة «البارميسان». ثم تسكب الصلصة المعدّة من عصير الليمون أو الحامض والزيت والملح. البعض يتفنن أكثر في صنع الصلصة، فيلجأون إلى رب الرمان أو العسل. وتلفت جميلة إلى أن «عدداً كبيراً من الجنوبيين ما زالوا يفضلون الجرجير البريّ على نتاج المساكب، لأنه خال من الأسمدة والمواد الكيماوية».
الرشاد لا يقل أهمية عن الجرجير. ويدخل، بالنسبة إلى الجنوبيين، ضمن الوجبات الغذائية المهمة والنقية، لأنه يؤكل من دون إضافات، وهو سهل الهضم. تستخدم جميلة عبارة أخرى «من الحقل إلى الفم»، وتسهب في الحديث عن خواصه الغذائية. يحتوي الرشاد على معادن كثيرة كالحديد والفوسفور والمنغنيز واليود والكالسيوم والزرنيخ والبوتاسيوم، إضافة إلى بعض عناصر المضادات الحيوية المبيدة للجراثيم في المعدة.