لا يتردّد وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود في الإعلان أنه يطمح إلى أن تكون المديرية العامة للبلديات، في جهوزية تامة لتتحوّل، في يوم من الأيام إلى وزارة للشؤون البلدية «تواكب وضع اللامركزية الإدارية الموسعة موضع التنفيذ». ويمكن فهم هذا الطموح إذا كانت الهيكلية المقترحة من قبل فريق عمل الوزير بارود، لإعادة هيكلة المديرية، قد انطلقت من خلفية أن الغرض الرئيسي منها هو «وضع مديرية الإدارات والمجالس المحلية على الطريق الصحيح، الذي يسمح لها بأن تؤدي دوراً رائداً في تطبيق اللامركزية الإدارية في لبنان». لكنّ السؤال الذي يُطرح في هذا المجال، هل يمكن هيكلية، تستحدث مراكز جديدة، وتلغي أخرى، أن تحلّ مشكلة الفساد المستشري أصلاً في الإدارات العامة؟ هل لمس الوزير بارود من خلال تجربته أن هناك أملاً في تغيير هيكلية ما، أو إعادة تصنيف ما، في بنية نظام مهترئ؟
يجيب: «صحيح أن الفساد نمط ينخر إداراتنا، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالزبائنية، لكنه يرتبط أيضاً بهيكلية الإدارة وأنماط ومنهجيات العمل فيها. أقدّم مثلاً بسيطاً: إن مجرّد استحداث شبّاك موحّد لتقديم الطلبات يفصل بين المواطن والموظف المكلّف بالملف يحدّ على نحو كبير جداً من الرشوة. ما أود قوله هنا هو أن الفساد الإداري (وهو غير الفساد السياسي) يعالَج بالدرجة الأولى عبر آليات إدارية، هيكلية، رقابية، تبني مؤسسات تتوافر فيها ضمانات الحصول على الخدمة بمعزل عن «الواسطة» أو الولاء السياسي. ولا يمكن أن ننتظر تغييراً جذرياً في النظام السياسي ككلّ. نبدأ من حيث يجب، أي من خط التماس بين المواطن والإدارة. قناعتي هي بأن إدارة واضحة للقواعد والآليات والضوابط والرقابة تمثّل ضمانة حقيقية. الجميع يعطي مثالاً على الأمن العام في حقبة معينة. النظام السياسي لم يمنع من ضبط إدارة على علاقة يومية بالمواطن. كان ذلك بالاستناد إلى قواعد أصول وإجراءات كانت كفيلة بالحدّ من الفساد».

بالعودة إلى المديرية العامة، وضعتم الهيكلية على أساس أنها تمثّل مدخلاً إلى إقرار اللامركزية، هل تتوقع فعلاً إقرار اللامركزية الإدارية في عهد الرئيس سليمان؟

■ الرئيس سليمان قارب اللامركزية منذ خطاب القسم، وهو على قناعة راسخة بضرورتها، وبأننا تأخرنا جداً في إقرارها، وهو واكب الجهود التي بذلت في السنتين الأخيرتين على مستوى وزارة الداخلية، وقد وضعت شخصياً اللمسات الأخيرة لمشروع قانون متكامل، وكذلك على مستوى لجان مجلس النواب. رئاسة الجمهورية تعكف مع خبراء منذ مدة على حسم الخيارات، وقد عقدنا اجتماعات عدة اتسمت بالعلمية والدقة والجدية. أنا متفائل بهذا الشأن، وأرى أن احتضان رئيس الجمهورية لهذا المشروع في غاية الأهمية.

ما هي المعوقات الحقيقية لإقرار اللامركزية؟

■ هي ليست تقنية بقدر ما هي سياسية بامتياز. ثمة من يرى أنها تضرب جزءاً أساسياً من منظومة «الخدمات» السياسية الزبائنية، وثمة من يرى أنها قد تضرب الإنماء المتوازن إذا لم تعزّز موارد السلطات المحلية بمساهمات من السلطة المركزية. في مشروع القانون أجوبة عن كل هذه المخاوف، هذا إذا تجرّأت السلطة السياسية مجتمعة على إعطاء الناس حقهم في المشاركة المحلية.