أعلن المدير العام للإدارات والمجالس المحلية في وزارة الداخلية والبلديات خليل الحجل أن المرصد البلدي بدأ عمله، وهو يجمع معلومات كثيرة عن البلديات. الحجل، الذي كان يشارك أول من أمس في مؤتمر نظمه «المركز اللبناني للدراسات» بالتعاون مع السفارة السويسرية، تحت عنوان «ماذا ينبغي أن يكون دور السلطات المحلية المناطقية في إطار اللامركزية الإدارية؟»، أعلن أيضاً، في معرض ردّه على سؤال عن المرصد البلدي، أن المديرية ستقيم معرضاً للمشاريع البلدية، بحيث بدا المعرض المزمع تنظيمه أنه أول إنجازات المرصد، من دون أن يوضح كيف يمكن مرصداً أنشئ في 20 تشرين الأول الفائت (بموجب مرسوم يحمل الرقم 6481 وصدر في عدد الجريدة الرسمية الرقم 48)، أن يبدأ بجمع هذه المعلومات عن البلديات، وينظّم معرضاً، وهو يحتاج إلى ملء شغور 13 وظيفة أضيفت إلى ملاك المديرية! ربما لم يكن هدف المؤتمر الإجابة عن هذا السؤال، إذ شُغل المشاركون في المؤتمر بأسئلة لا تقلّ أهمية، وتعدّ من التحديات الأساسية التي تعترض العمل البلدي والإنمائي في لبنان. إلا أن الإجابة تبقى ضرورية، ولا تقتصر فقط على ملء الشواغر الجديدة التي ولدت مع ولادة المرصد البلدي، بل ملء الفراغ الموجود أصلاً في المديرية التي تعمل بخمسة وثلاثين موظفاً فقط، علماً بأن ملاكها يضم ثلاثمئة وموظفَيْن. وقد تكون ولادة المرصد خطوة أولى على صعيد ملء الشواغر إذا أدرجناها في إطار إعادة الهيكلة المنتظرة للمديرية.
أبرز أولويات الهيكلية الجديدة كانت إعادة تصنيف موظفي المديرية، التي لا تزال تنتظر الموافقة النهائية عليها. فبعدما كان مرسوم إعادة التصنيف قد دار دورته القانونية اللازمة ووصل إلى مجلس الوزراء في الحكومة السابقة تمهيداً لإقراره، عاد مجدداً إلى الأدراج. أما حالياً، وفي آخر جواب تلقته «الأخبار» من المديرية عن المرسوم عينه، «علق في المكان نفسه» إذ وردنا حرفياً من المديرية: «في 27 أيلول 2011 أُعدّ مشروع المرسوم المتعلق بتصنيف موظفي المديرية العامة تمهيداً لاستكمال إجراءات التعيين، وذلك عملاً بتعليمات معالي الوزير بموجب إحالته رقم 13172/2011 تاريخ 7 أيلول 2011. وبتاريخ 13/ 10/ 2011 صدر قرار هيئة مجلس الخدمة المدنية رقم 1025 تاريخ 10/13/2011 قضى بالموافقة على مشروع المرسوم المذكور أعلاه. بتاريخ 10/18/2011 أُجريت التعديلات اللازمة على مشروع المرسوم تمهيداً لإحالته لجانب وزارة المال».
وفي هذا الإطار يوضح المدير العام للبلديات خليل الحجل لـ«الأخبار» أنه لا يعرف سبب عدم توقيع مرسوم إعادة التصنيف في الحكومة السابقة. إذ يقول في البداية إن «بعد الانتهاء من إعداد مشروع التصنيف، أرسل إلى مجلس الخدمة المدنية الذي وافق عليه ثم رفع إلى مجلس الوزراء وأحيل على وزارة المال التي وافقت عليه؛ لأن لا أعباء مالية جديدة تترتب عليه. فالموظف يقبض سواء صنّف أو لم يصنّف. وعندما أرسل مجداً إلى مجلس الوزراء كانت الحكومة قد استقالت». لكن مع إعادة طرح السؤال عن سبب عدم إمرار المرسوم، توحي الإجابة بأن السبب لم يكن استقالة الحكومة، إذ يقول الحجل: «لماذا لم يمرّ المرسوم؟ هذا الأمر ليس من صلاحيتي. الوزير يعرف، أنا لا أعرف، ولا يحق لي بالمراجعة في رئاسة مجلس الوزراء».
المدير العام لا يعرف لماذا لم توافق الحكومة على إمرار مرسوم يعيد تصنيف موظفين في إدارته! هل هذا أمر منطقي؟ نسأله؟ فيجيب: «إلا أن عارفين في أحوال المديرية يحكون عن إهمال كبير لاحق بها، تردّي أوضاعها، فضلاً عن الشغور الذي تعانيه مكاتبها، ما يمنعها من القيام بمهماتها. ويشير عديدون إلى تولي أشخاص مناصب لا يستحقونها، وتنطّح آخرين لمهمات لا علاقة لهم بها وليست اختصاصهم. في المقابل، هناك الشعور بالظلم الذي يشعر به المتعاقدون والملحقون.
لا ينفي الحجل هذا الواقع، من دون الدخول في التفاصيل، حين يوضح أن عدد الموظفين الأصيلين في الوزارة تسعة فقط، والباقون ملحقون من بلديات أو إدارات أخرى «لا أحد يعمل في وظيفته ولا وفق كفاءاته، وأنا أحاول منذ عشر سنوات أن أضع كلّ شخص في المكان المناسب». ويلفت إلى أن مشروع إعادة التصنيف لم يظلم أحداً، إذ «اعتمدنا مبدأ الكفاءة والجدارة». ورداً على سؤال، يجيب: «وهو متوازن إلى حدّ ما».
وإذا كان موضوع الموافقة على إعادة تصنيف موظفين موجودين أصلاً في الإدارة، ويتقاضون مستحقاتهم، قد استغرق هذا الوقت، فكيف يمكن التفاؤل بملء الشواغر التي تصل إلى تسعين في المئة؟ وماذا عن الوظائف الجديدة التي قد تستحدث مع الهيكلية الجديدة؟
والأهم، ما هي الوظيفة المطلوبة من هذه المديرية في ظلّ الفوضى التي تعترض عملها؟
هذه الأسئلة تجيب عنها «الرؤية والبنية التنظيميتان» اللتان كانتا قد أُعدّتا في عهد الوزير زياد بارود لإعادة هيكلة المديرية، وكانت «الأخبار» قد اطلعت عليهما. وبحسب هذه الرؤية، تواجه المديرية العامة للإدارات العامة والمجالس المحلية حالياً ثلاثة تحديات رئيسية: أولاً، تفتقر المديرية إلى رؤية واضحة وحديثة لتحقيق اللامركزية الإدارية، كذلك فإنها تعدّ متأخرة بسبب تشريعاتها القديمة، فضلاً عن التعقيدات التي تواجهها عملية صنع هذه التشريعات. أدى التحول المفاجئ في حالة المديرية (من الخدمة إلى الوزارة ومن ثم إلى المديرية العامة) إلى الخلط في دور المديرية، ويتجلى هذا الخلط في الازدواجية الخطيرة في العمل وتداخل الاختصاصات وتضاربها مع اختصاصات الوزارات وبالأخص وزارات البيئة والنقل والأشغال العامة والتربية والتعليم العالي، والمديرية العامة للتخطيط المدني. ثالثاً، تفتقر المديرية العامة إلى هيكل تنظيمي حديث يضعها في مستوى توقعات الوكالات المركزية ومتطلباتها، ومن شأن ذلك أن يعزز عملية اللامركزية في لبنان. ويرتبط افتقار المديرية إلى هذا النوع من التنظيم بالنقص في مواردها البشرية.
لذلك أوصى التقرير، بأمرين:
أولاً، تحويل سلطات مديرية الإدارات المحلية والمجالس المتعلقة بالشؤون البيئية كالمقالع والكسارات إلى دائرة حماية البيئة في وزارة البيئة. وينبغي أن يقترن هذا الأمر بإعادة النظر في مسؤوليات هذه الدائرة وتحديد معاييرها ومن ثم تطبيق هذه المعايير والإشراف على تنفيذها. بالإضافة إلى ذلك ينبغي تفعيل عمل المجلس الوطني، الذي يضم أعضاءً من مختلف الوزارات، بما فيها وزارة الداخلية والبلديات لاستئناف المسؤولية الكاملة بشأن هذه المسألة.
ثانياً، أن تُعالَج مشكلة التداخل بالصلاحيات بين مديرية الإدارات والمجالس المحلية والمديرية العامة للتخطيط المدني. ففي عام 1996، اقترح مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فصل المديرية العامة للتخطيط المدني عن وزارة النقل والأشغال العامة وإلحاقها بمديرية الإدارات والمجالس المحلية، وهو قرار سياسي يستحق المزيد من البحث والدراسة. مع ذلك، فإن البديل هو نقل جميع صلاحيات دائرة المشاريع البلدية في المديرية العامة للتخطيط المدني إلى المديرية العامة للإدارات والمجالس المحلية (أو بعبارة أخرى إلغاء هذ الدائرة). فهي تعمل على إعداد الدراسات والخطط وتحديد الأنظمة والمواصفات المتعلقة بأي مجال من مجالات الأشغال والمشاريع العامة ضمن حدود أي بلدية. كذلك، إن هذه الدائرة تعنى بدراسة طلبات الإخلاء والمصادرة، فضلاً عن الخطط والمشاريع البلدية لبناء الطرق والمباني والحدائق والملاعب وأنظمة الصرف الصحي وشبكات الإنارة. بالإضافة إلى ذلك، تهتم الدائرة بمعالجة النفايات المنزلية وشراء المركبات والسيارات وإعداد المناقصات وتنفيذها والتدقيق فيها. لكن طبيعة كل هذه المهمات تصب في إطار عمل هو الأقرب إلى المديرية العامة للإدارات والمجالس المحلية.
بالإضافة إلى كل ما سبق، ينبغي إعادة النظر في صلاحيات المجلس الأعلى للتخطيط المدني، وينبغي أن تشترك في رئاسته كل من المديرية العامة للإدارات والمجالس المحلية والمديرية العامة للتخطيط المدني. كذلك يجب تبسيط سبل سير العمل بين المديرية والوزارة؛ فبعض العمليات (كإنشاء الديوان) تسمح للمحافظين والقائمقامين بأداء دور أكبر في العمل البلدي.



الهيكلية الجديدة

يرى التقرير الذي أعدّه فريق عمل الوزير السابق زياد بارود لإعادة هيكلة المديرية العامة للبلديات أن مسؤوليات الأخيرة هي الآتية: صياغة السياسات والخطط والبرامج ذات الصلة باللامركزية والعمل البلدي، مراقبة شؤون البلديات الإدارية والمالية والتقنية، وتوفير التوجيه والمساعدة، تنسيق وتشجيع التعاون بين البلديات والاتحادات، وبين الاتحادات والجهات الحكومية، تقديم المساعدة في المشاريع التنموية المحلية، تعزيز مشروع الحكومة الإلكترونية، تطوير برنامج الموارد البشري المحلي، العمل كخط عبور بين الحكومات المحلية والجهات الدولية المانحة.
أما بالنسبة إلى إعادة الهيكلة، فتتألف المديرية العامة للبلديات حالياً من ثلاث دوائر وعشرة أقسام: دائرة شؤون المحافظات والمجالس المحلية، وتضم أربعة أقسام (الوحدات الإقليمية، المختارين، الإرشاد والتحقيق، البلديات والاتحادات البلديات). الدائرة التقنية، وتضم أربعة أقسام (الدراسات، التنفيذ، المقالع والكسارات، الديناميت والمتفجرات). الصندوق البلدي المستقل، ويضم قسمين (المحاسبة والتوزيع والمشاريع المشتركة).
أما الهيكلية المقترحة، فهي: الديوان (شؤون قانونية). دائرة الشؤون البلدية، وتضم أربعة أقسام (الشؤون البلدية، الاتحاد البلدي، المختارين والتنسيق). دائرة الاستشارات القانونية. دائرة الرصد والتقييم. دائرة الإرشاد، وتضم ثلاثة أقسام (المعلومات والنشر والتوثيق، تنمية الموارد البشرية، تكنولوجيا المعلومات). دائرة التخطيط، وتضم قسمين (المشاريع البلدية والمرصد البلدي). دائرة الشؤون المالية، وتضم ثلاثة أقسام (الإدارة المالية، التدقيق المالي وتنسيق الدعم الخارجي). وأخيراً الوحدات الإقليمية.



اللامركزية بين القضاء والاتحاد

لن ينتهي النقاش بشأن «اللامركزية الإدارية». والأسئلة الـ101 التي وضعتها الوزارة السابقة في كتيّب، مع محاولات إجابة عنها، ليست آخر الغيث. ففي المؤتمر الذي نظمه «المركز اللبناني للدراسات» أول من أمس، بالتعاون مع سفارة سويسرا في لبنان، تحت عنوان «ماذا ينبغي أن يكون دور السلطات المحلية المناطقية في إطار اللامركزية الإدارية؟» أثير النقاش مجدداً. وتكرّر السؤال، في أكثر من جلسة: هل ننشئ مجلس قضاء في ظلّ وجود اتحادات بلدية؟
المدير العام للإدارات والمجالس المحلية في وزارة الداخلية خليل حجل انحاز إلى الاتحادات البلدية، لأنها «منتخبة من الناس»، فيما رأى الوزير السابق زياد بارود أن «إنشاء مجلس قضاء الى جانب اتحادات البلديات سيؤدي الى تشابك على مستوى الصلاحيات»، طارحاً «إما اعتبار الاتحاد بمثابة مجلس قضاء، يصبح الانتساب إليه إلزاميا وحكمياً لا اختيارياً، وإما تحول صلاحيات ودور ومهمات وهيكلية اتحاد البلديات الى مجلس القضاء المزمع إنشاؤه، الذي سيكون منتخباً بالاقتراع المباشر لا على مستوى البلديات»، مشدداً على «ضرورة إبقاء واحد من الاثنين، ولا سيما أن اتحادات البلديات أثبتت أنها نموذج ناجح».
أما مدير مركز كارينغي للشرق الأوسط الدكتور بول سالم، فرأى إمكان التعايش بين مجالس الأقضية والاتحادات البلدية «إذ قد تكون الاتحادات البلدية مستقبلاً عابرة للأقضية»، مشيراً إلى أن نشوء الاتحادات يُعدّ دليلاً على الحاجة إلى وجود مجالس أقضية، وأكد الحاجة إلى إنشائها «لضرورتها في تحقّق التنمية».