وظيفة «الشاويش» قديمة قدم السجون اللبنانية. ليس هذا فحسب، بل ربما تتخطى تاريخ لبنان الحديث، إذ إن أصل اللفظة تركي، حالها كحال عبارات عديدة لا تزال مستخدمة داخل السجن، كـ«القاووش» التي تستعمل عند الإشارة إلى الزنزانة. ورغم تاريخ «الشاويش»، فإن ذلك لم يشفع له، إذ لا وجود لنص قانوني يبرر وجوده داخل السجن. الظروف وحدها كانت المبرر. فثمّة ضباط وعسكريون يصرّون على أن ضرورات الحفاظ على الأمن تتطلّب أحياناً تجاوز بعض القوانين. وبذلك يُختار «الشاويش» من المساجين المعروفين بالسطوة والقوة. وتختاره إدارة السجن لمتابعة أوضاع زملائه وتنظيمها. فيُعيّنه آمر السجن، تاركاً له حرية اختيار نائبه. السطوة لا تكون المعيار الوحيد في اختيار «الشاويش»، إذ إن الأقدمية ونوع الجرم المحكوم به يلعبان دوراً أساسياً في تزكيته. كما أنه يُختار بناءً على«توصية»، يكون مصدرَها ضابط أو سياسي أو مرجعية روحية.في العادة، لا يكون هناك شاويش واحد فقط داخل مركز الاحتجاز. فالسجن مؤلف من عدة مبانٍ وطبقات. يتقاسم السلطات فيها عددٌ من الشواويش. فيكون لكل مبنى شاويش، يعاونه نائب له. وهناك أيضاً، شاويشٌ لكل طبقة من طبقات المبنى، يعاونه نائب. ويخضع جميع هؤلاء لسلطة شاويش المبنى التابعين له.
يتولى هؤلاء تنظيم السجن من الداخل. فيتحمّلون المسؤولية كاملة عمّا يجري داخله. في المقابل، تمنح لهم امتيازات استثنائية، إذ يحقّ للشاويش ما لا يحقّ لغيره. يتمتع بحرية الحركة والبقاء خارج الزنزانة لمدة طويلة. كما يُسلّم مفاتيح بعض البوابات الداخلية، ويُطلب منه تفتيش أمتعة السجناء. ويتسلم ملفات الموقوفين الجدد، وله صلاحية تكاد تكون مطلقة تجاههم. ففي بعض الحالات، يُمنح الشاويش حق معاقبة من يريد، فيرسل من يشاء إلى السجن الانفرادي.
يمتلك الشاويش صلاحية اختيار الموقوفين المطلوب مثولهم أمام القضاء. وإذا كان العدد المطلوب أكثر من استيعاب قدرة القوى الأمنية على النقل، فإن متانة العلاقة مع الشاويش ورضاه تكون أمراً أساسياً في تلك المرحلة. الامتيازات الممنوحة للشاويش لا تقتصر على القوى الأمنية وحدها، فالسجناء يُغدقون عليه الهدايا التي تتراوح بين علب السجائر وبطاقات التشريج الهاتفية، وصولاً إلى الحبوب المخدّرة وغيرها من الممنوعات التي تهرّب إلى داخل السجن. كما يمتلك الشاويش هاتفاً خلوياً يستعمله بمعرفة القوى الأمنية، علماً بأن ذلك لم يعد امتيازاً للشاويش وحده. فقد بات الهاتف الخلوي متاحاً أمام جميع السجناء، رغم عدم قانونية ذلك. أضف إلى ذلك، هناك شواويش تورّطوا في تأجيج التمردات التي حصلت في السابق. والتأجيج جاء على خلفية استبدال الضابط الذين كانوا يخضعون لهم، فقد حرّض الشواويش السجناء على افتعال الفوضى رفضاً للضابط الوافد، باعتبار أنه قد يختار شواويش موالين له، كما أنه في بعض الحالات قد يصل الأمر إلى حصول عمليات تجارية يستفيد منها الضابط والشاويش على حد سواء.
يتحوّل الشاويش إلى زعيم مطلق يتحكم بمصير باقي السجناء وحياتهم. يمكنه أن يحيل حياة أحدهم إلى جحيم، فيسيطر عليهم ليقرّب منه من يشاء ويبعد من يشاء. يحرمهم من أملاكهم الخاصة. يهدّدهم بالضرب والإيذاء أحياناً لفرض سطوته. يجبرهم على تنفيذ الخدمات لمصلحته. وفوق كل ذلك، فهو يقوم أحياناً بمصادرة الطعام المرسل إلى المساجين من ذويهم ويوزعه على أعوانه. أما الذريعة، فتكون زعمه العثور على مواد ممنوعة في داخله. وفي هذا السياق، يؤكد مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن هناك خطة للحد من صلاحيات الشاويش داخل السجن، مشدداً على رغبته في «منع وجود الشاويش نهائياً»، مشيراً إلى تورّط عدد من هؤلاء في عمليات تهريب الممنوعات إلى داخل السجن. ورغم تأكيده أن «الاستعانة بالشاويش كانت ضرورة بسبب نقص العناصر»، يلفت إلى أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي عزّز السجن المركزي بمئة وثمانين عسكرياً. كما تحدث عن إجراءات جديدة سيبدأ اعتمادها منذ اليوم، مشيراً إلى أنه «سيمنع انتقال أي سجين، وكذلك الشاويش، ضمن ممرات السجن الداخلية إلا بمرافقة عسكري». وأكد المسؤول المذكور أنه «عملياً، لا يمكن ضبط السجن إلا بواسطة عسكري». وأردف: «كل عمليات التهريب تحدث بتواطؤ بين الشاويش وبعض عناصر الأمن الذين ضُبط منهم 30 عسكرياً حتى الآن»، كما يشير إلى أن «الشاويش يكون انعكاساً لآمر السجن الذي يعينه»، فيلفت إلى أن «فساد الأول مرتبط بالضابط المسؤول».
اللافت أن توزيع الشواويش ونوابهم على المباني والطبقات يكون وفق قاعدة 6 و6 مكرر داخل السجن. الاتفاق يُعتمد كعُرف، بدأ منذ زمن، بالتراضي بين جميع السجناء. فمبنى المحكومين المؤلف من ثلاث طبقات يتولاه شاويش سني هو وصفي ع. أما نائبه فشيعي وهو حسين ع. ويتولى الطبقة الأولى شاويش مسيحي هو شربل ك، ويتولى الطبقة الثانية سني هو خالد م، والثالث شيعي يدعى علي.
المبنى دال يخضع لتقسيم مماثل طائفياً، لكن شاويش المبنى من الطائفة الشيعية، أما المبنى (ب) فشاويشه مسيحي هو شربل ج.
وهناك شاويش للمواجهات، وآخر للنزهة وثالث للنظارة. كما أن هناك شاويش الصيانة الذي يلقّبه السجناء بـ«أبو الممنوعات» باعتبار أنه الأكثر قدرة على التحايل لتهريب ما يشاء من ممنوعات. ووسط كل هؤلاء، تبرز السيطرة الأقوى لشاويش المواجهات الذي يتحكم بتحديد الوقت الذي يقضيه السجين مع عائلته أثناء فترة الزيارة. ويتردد أن شاويش المواجهة يمكنه أن يحول دون حصول الزيارة أيضاً.
ورغم سطوة الشاويش وسيطرته، ووسط إجماع معظم السجناء على أن اختيار الشاويش يخضع لمعيار «الزعرنة والمال الذي يطعم للمراقب العام والرتيب»، فإن السجناء يطلقون عليهم تسمية «كلاب الدولة» و«كبيبة الحرام». و«كب الحرام» في عرف نزلاء السجن هو «التجسّس على السجناء الآخرين لمصلحة قوى الأمن». وفي هذا السياق، يذكر أحد السجناء لـ«الأخبار» أن شاويش الطبقة الثالثة التي يسيطر عليها السجناء الإسلاميون، والذي يدعى وسيم ع. «كمشوه عم يكبّ حرام لريفي». ويشير السجين المذكور إلى أن القوى الأمنية تمكنت من إنقاذه من بين أيدي السجناء الذين اعتدوا عليه، وهرّبته إلى مبنى المحكومين.