لأن سمير «مواطن صالح» ولا يحب «اللعب» على القوانين، قصد قبل أيام مركز معاينة الميكانيك للحصول على صلاحية سير، قبل تسديد رسم الميكانيك السنوي. كان بإمكانه دفع 40 ألف ليرة لأحد السماسرة، الحاضرين دائماً في منطقة الحدث، لإنجاح السيارة مهما كانت حالتها سيئة. غير أن سمير، الذي لا شيء يعتور «صحة» سيارته، قرر أن يقوم هو بالمهمة، مفترضاً أن العملية لن تأخذ أكثر من نصف ساعة، لكن توقعات الشاب خابت، إذ وجد نفسه بين طوابير من السيارات، التي توافد أصحابها بعدما عرفوا أن الدولة عفت عن دفع غرامات التراكم، فجاؤوا لتسوية أوضاعهم قبل انتهاء المهلة نهاية العام الجاري.
هكذا، اضطر سمير إلى الاتصال بمديره في العمل لأخذ إجازة، بعدما علم أن نهاره سيضيع في مركز المعاينة. بعد ثلاثة أيام، اضطر إلى أخذ إجازة ثانية من عمله، لكي يتمكن من دفع رسم الميكانيك في الدكوانة، حيث طوابير الانتظار التي لا تنتهي أيضاً.
ليس سمير سوى واحد من بين مئات الأشخاص، الملتزمين بدفع رسوم سياراتهم السنوية، والذين دفعوا ثمن «غلطة» وزارة الداخلية بقرار العمل بالعفو دون تخطيط. اضطر هؤلاء إلى مشاركة المخالفين طوابير الانتظار، فتحمّلوا «البهدلة» والغياب عن العمل من غير ذنب. ولكي تتضح صورة ما عاناه هؤلاء في تلك الأماكن، منذ بداية الشهر الحالي، فإن مركز المعاينة الميكانيكية كان يستقبل نحو 300 سيارة يومياً، لكن بعد قرار العفو بات يستقبل أكثر من 7000 سيارة يومياً.
وفي هذا السياق، رفض وزير الداخلية مروان شربل التنصل من «الغلطة» التي وقعت فيها وزارته، لناحية صدور قانون العفو (الرقم 196) متأخراً، على عكس ما كان يحصل سابقاً، إذ كان يصدر مطلع العام ليكون المعنيون على استعداد. يأسف شربل لما عاناه «المواطنون الصالحون»، الذين «طلعت براسهم»، فيما «لا أسف على أصحاب الغرامات المتراكمة، الذين يستهترون بدفع ما عليهم من رسوم. هؤلاء لا يحق لهم التذمر من العجقة الحاصلة. بيستاهلوا». في المقابل، زّف شربل في حديث الى «الأخبار» بشرى إلى اللبنانيين المتأخرين في الدفع، أو الذين فضلوا دفع غرامة لاحقاً على أن يضيّعوا نهاراتهم في الانتظار، إذ قال: «ندرس حالياً تمديد مهلة العفو حتى نهاية شهر كانون الثاني من العام المقبل، لكن القرار لم يصدر بعد، إذ نحتاج إلى أيام قبل الإعلان عن الأمر رسمياً». على أي حال، وعلى فرض عدم إقرار تمديد المهلة، فإن الوزير ليس باستطاعته إعفاء من فضلوا عدم الدفع من الغرامات، لأن المسألة «تحتاج إلى قانون ووقت، لكن ربما يمكن البحث فيها لاحقاً».
من جهته، أعرب مسؤول في مصلحة تسجيل السيارات عن دهشته من عدد السيارات التي تتوافد يومياً، الأمر الذي يؤدي إلى «ظلم الكثيرين وبهدلتهم لأسباب لا علاقة لهم بها، وخاصة أولئك المقيدة مواعيد تسديد رسومهم في الشهر الأخير من السنة». يجد المسؤول في ما حدث فرصة لتوضيح مسألة غير معلومة من جانب الكثيرين، إذ «يمكن من حددت مصلحة تسجيل السيارات موعد دفعه في الأشهر الأخيرة من السنة، أن يبادر إلى الدفع في منتصف السنة أو في أي شهر آخر، ما يعني أن المواعيد التي نحددها للدفع هي للتنظيم فقط وليس واجباً الالتزام بها». إذاً، يتضح أن ثمة معلومات عامة «تنام» عليها الدولة، لأسباب غير مفهومة، ومنها ما لو علم بها عامة الناس لتضاءلت معاناتهم نسبياً. المسؤول في مصلحة تسجيل السيارات يدرك جهل الناس ببعض التفاصيل، لكنّ «المسؤولين عن التوعية هم جهات أخرى في الدولة، إذ لا بد من دعايات إعلامية ومنشورات لعامة الناس، لكي لا يبقوا عرضة لابتزاز السماسرة والتجار».
على كل حال، ما حصل قد حصل، لكن ماذا عن الأيام القليلة الباقية من المهلة، بغض النظر عن دراسة وزير الداخلية موضوع تمديد المهلة؟ يجيب المسؤول أن «العجقة ستبقى على ما هي عليه، ونصيحتنا لمن لم يدفع رسم الميكانيك بعد أن يؤجل ذلك حتى الأشهر الأولى من العام المقبل، طبعاً في حال كونه لا قدرة له على الوقوف في الطوابير، شرط أن يكون لديه القدرة على دفع غرامة تأخير قيمتها 10 بالمئة من ثمن الرسم». هكذا، على المواطن أن «يشتري» راحة أعصابه من ماله، أما من لا يملك المال، فلا مفرّ له من «البهدلة»، وإلا فسيصبح مخالفاً وخارجاً على القانون.
كان يمكن المشكلة الحاصلة أن تكون أخف وطأة، لو أن البنوك قامت بما عليها، إذ قررت مجموعة من البنوك عدم تسديد رسوم الميكانيك عن المودعين لديها، خلال الشهر الجاري، محيلة المهمة على أصحاب السيارات، متنكرة بذلك لما كانت قد قطعته من وعود. هذا ما يؤكده المسؤول في مصلحة تسجيل السيارات، الذي يشكو أيضاً من بريد الـ «ليبان بوست»، الذي رفض تسلم هذه المعاملة، بحسب ما نقل عدد من المواطنين للمسؤولين في مركز الدكوانة.



لقطة

في مطلع الشهر الجاري، ودون تنبيه مسبق، أصدرت وزارة الداخلية والبلديات تعميماً إلى المحافظين وهيئة إدارة السير والمركبات، يقضي بتطبيق أحكام القانون رقم 196 (تاريخ 18 / 11 / 2011) المتعلق بخفض الغرامات الواجبة على متأخرات رسوم الميكانيك ورسوم السير وأوامر التحصيل الواردة من الإدارات والمؤسسات العامة، إضافة إلى الرسوم البلدية، وذلك بمعدل 90 في المئة، شرط أن تسدَّد هذه المتأخرات قبل 31 / 12 / 2011. وكان لافتاً أن هذا الإعفاء جاء شاملاً حتى عن رسوم السنة الجارية، على عكس ما جاء في الإعفاء الأخير عام 2008. أعطت هذه المسألة دافعاً إضافياً لشريحة من الناس لتسديد الرسوم على عجل، بعدما كانوا قد قرروا إرجاء الخطوة إلى مطلع العام الجاري.



مليارا ليرة يومياً

يستفيد المواطن مع إعفائه من دفع رسوم سيارته المتراكمة، بكل تأكيد، لكنه ليس المستفيد الأكبر. فالدولة، ممثلة بوزارة المال، تعلم ما لهذه الخطوة من فائدة تعود عليها بالأموال الطائلة. فبحسب مصادر معنية في شؤون السير، فإن فرعاً واحداً من مصلحة تسجيل السيارات بات يمر عبره مبلغ ملياري ليرة يومياً، تذهب كلها إلى خزينة الدولة. وقبل بداية الشهر الجاري، أي قبل بدء العمل بالعفو، لم يكن يمر عبر الفرع المذكور أكثر من ربع المبلغ المذكور.
يؤكد أحد العاملين في مصلحة تسجيل السيارات أنه «لولا نظافة كف المسؤول عن المصلحة، على عكس ما كان سابقاً، لرأينا مغارة للسرقة والفساد، نظراً إلى الأموال الطائلة التي تمر يومياً».