لم يعد الشاطئ في طبرجا على حاله بعدما تخلّى البحر عن لونه الأزرق لتكسو سطحه بقع سوداء. ومن المتوقع أن يصبح المشهد أكثر سواداً، إذا علمنا أن مجارير المياه المنزلية المبتذلة تصب مباشرة على الشاطئ. جميع المناطق مستفيدة من الوضع باستثناء طبرجا. فقاطنو المنطقة «يأكلون العصي» فيما يقوم غير المقيمين بـ«عدّها»، إذ تتدفق مجاري الصرف الصحي في البحر، بعدما جرى تحويل مجارير معظم المناطق الكسروانية أي جونية وضواحيها (المعاملتين، حارة صخر، غدير، ذوق مكايل...) إلى شاطئها. وقد ارتفعت نسبة التلوث، نظراً للحركة العمرانية المتزايدة في المنطقة وضواحيها على الشريط الساحلي. إزاء هذا الوضع، ترتفع صرخة أبناء المدينة بحثاً عن حلّ يجنّبهم كارثة حقيقية. ويتساءلون إلى متى ستبقى هذه المحطة حلماً لحل هذه المشكلة البيئية المستعصية، خصوصاً أن الدولة عملت على حل المشكلة في معظم المناطق باستثناء كسروان. يعبّر رئيس بلدية طبرجا – كفرياسين، دومط كميد، عن يأسه من انتظار الوعود بنقل العمل الإنمائي من النظري إلى التنفيذ الفعلي. ويوجه أصابع الاتهام إلى وزارة الطاقة التي تتشارك في المسؤولية مع مجلس الإنماء والإعمار، اللذين يبقيان المعالجة حبراً على ورق. برأيه «أسباب المماطلة لا تكمن في نقص الخطط والدراسات»، بل «في عجز الدولة وعدم قدرتها على الإنفاق» مشيراً إلى أن «هذه المشكلة المحورية تشكل أحد أبرز الملفات المعقدة التي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حلول جذرية لها». وفي هذا الإطار، أعدّت البلدية الحالية دراسة شاملة، بالتعاون مع مجموعة من الغطاسين الذين كشفوا على المصب القديم «المكسور» في عمق البحر والذي يعود تاريخه الى أكثر من 30 سنة. وطرحت الدراسة حلاً مؤقتاً يتمثل بإنشاء مصب يقذف المياه على بعد كيلومتر داخل البحر، تتكفل التيارات البحرية بتوزيعها. لكن تكلفة المصب تفوق مقدرات البلدية إذ تصل الى أكثر من مليوني دولار، علماً أنه قد يشكل لاحقاً الركيزة الأساسية لإنشاء محطة التكرير. وتوصي الدراسة التي أصبحت في متناول مجلس الإنماء والاعمار بالتسريع في إنشاء محطة تكرير المياه المبتذلة من أجل وقف التلوث وتدهور البيئة البحرية. الكل يجمع على أن الضرر البيئي يلامس الخطوط الحمر، إلا أنه عندما يصبح مادياً سينعكس سلباً على حياة المواطن بطريقة مباشرة. فتغيب خطط جذب الاستثمارات في المنطقة لكونها مصنّفة سياحية بامتياز. فسهل طبرجا القريب من الشاطئ يمتد على مساحة كيلومتر ونصف الكيلومتر تقريباً وبعرض 300 متر، وهو أصبح بمنأى عن اهتمام المستثمرين بسبب حجم الأوساخ التي تتضاعف يومياً.
الشكاوى تتدفق بالجملة. من المواطنين عموماً، ومن أصحاب المنتجعات السياحية الممتدة على شاطئ طبرجا الذين يقع عليهم الضرر المباشر. يعرب صاحب مجمع سياحي عن غضبه بسبب إهمال المسؤولين لهذه المشكلة، قائلاً إن منطقة طبرجا «تعاني الكثير من المشاكل البيئية والاجتماعية والخدماتية، فالتلوّث البيئي البحري يؤثر كثيراً على موسم السياحة، خصوصاً في ظل عدم إنشاء محطة تكرير الصرف الصحي في كسروان». لافتاً إلى مشكلة أخرى هي «الاستنزاف الواضح للثروة السمكية التي ستتأثر بهذا التلوث البحري نتيجة القذارات الناتجة من المياه الملوثة». من جهته، يشرح المهندس اسماعيل مكي، في مجلس الانماء والاعمار، الأسباب التي تحول دون تنفيذ المشروع، موضحاً أنه منذ عام 1998، عمل المجلس على توفير القرض اللازم من الشركات الأجنبية وأصدر المراسيم للشروع في انشاء المحطة «إلا أنه واجه مشكلة في التطبيق بسبب عجز الدولة عن استملاك الأراضي، إذ يجب إنشاء المحطة بين غزير وأدما، لكن اعتراض مالكي العقارات يقف حجر عثرة أمام الأزمة التي يعاني منها سكان المنطقة». ويؤكد مكي أن «التمويل ليس إلا جزءاً من مشكلة كبيرة يتقاذفها الكسروانيون في ما بينهم». ويخلص إلى أن «مجلس الانماء والاعمار جاهز لتنفيذ المشروع بعد نحو 18 شهراً في حال التوافق على موقع إنشاء المحطة».