البقاع | تعدّ الرسوم على القيمة التأجيرية، أو ما يعرف بـ«المسقفيات»، من الضرائب التي أقرّها قانون 88/60، والتي ينبغي لها أن تمثّل رافداً مالياً للصندوق البلدي. لكن معظم المجالس البلدية في بعلبك ـــــ الهرمل، منذ عودتها أواخر القرن الماضي لم تنظم جداول تكليف، تارة بسبب الضغوط الاقتصادية والمعيشية، وتارة أخرى بسبب «الإهمال»، الأمر الذي سمح للمكلفين بالتغاضي عن تسديدها، رغم تراكمها السنوي. حالة العسر المالي الذي تعيشه البلديات الناجم عن التأخر المستمر في دفع مستحقات البلديات، والواجبات المتراكمة التي فرضها واقع المنطقة المتردي خدماتياً، كانا بمثابة الدافع لتفعيل العمل على جباية الرسوم التأجيرية من المواطنين على السكن والعقارات والمحال التجارية، وقد جرى تحفيز ذلك بالقرار رقم 167/2011 الصادر عن مجلس الوزراء، الذي قضى بإعفاء المكلفين من 90% من غرامات التأخير على دفع الرسوم التأخيرية في حال الدفع قبل تاريخ31/12/2011.
وبناءً على ذلك، رفعت بعض البلديات اللافتات الإعلانية في الشوارع والساحات منذ منتصف شهر تشرين الثاني، بغية إعلام المواطنين بضرورة الإفادة من خفض الغرامة والإسراع في تسديد المبالغ المفروضة عليهم.
شوارع مدينة بعلبك الرئيسية والفرعية ارتفعت فيها اللافتات لتشجيع أهالي المدينة على دفع ما يستحق عليهم، وبالتالي رفع نسبة التحصيل والجباية التي لم تتجاوز 2% في عام 2009، و5% عن عام 2010، وذلك بحسب هاشم عثمان رئيس بلدية بعلبك، الذي رأى أن هذه النسب «متدنية جداً»، وأن من أقدم على سدادها ودفعها هم «المواطنون الذين كانوا يسعون إلى إنجاز رخص بناء»، فيما المتخلفون عن الدفع «إما متهربون بالنظر إلى وضعهم الاقتصادي والمعيشي، وإما أولئك الذين لا يعرفون عن القيمة التأجيرية».
بناءً على ذلك، إذا كانت بعض البلديات في بعلبك ـــــ الهرمل الصغيرة والمستحدثة، لا تعوّل كثيراً على قيمة الرسوم التأجيرية فتقرر عدم جبايتها من أهلها، فإن بلديات كبرى تنظر إلى قيمة جداول التكليف «كميزانية لا يستهان بها» كما يشدد عثمان، حيث أشار إلى أن قيمة الرسوم التأجيرية على المنازل والمحالّ التجارية والعقارات في بلدية بعلبك، باستثناء المشاعات، تصل إلى حدّ الخمسة مليارات ليرة، وهو «مبلغ كبير يوازي موازنة البلدية الأساسية، ويمكنه إذا ما توافرت الجباية مئة بالمئة أن يمنحنا اكتفاءً ذاتياً، ويوفر علينا عناء ملاحقة الدولة لدفع مستحقاتنا، التي لم نقبضها حتى اليوم عن الفصول الأربعة لعام 2010، ولاستطعنا من خلاله مساندة موازنة البلدية في المصاريف الإدارية، أو حتى في كثير من المشاريع الخدماتية والإنمائية التي توقفت لغياب التمويل».
والثابت خلال هذه الفترة لدى بلديات في المنطقة، أن مسؤوليات كبيرة ليست من ضمن صلاحياتها، ألقيت على عاتقها بسبب غياب بعض الوزارات والمؤسسات العامة، وباتت مسؤولة عنها أمام الناس، كما يؤكد عثمان، وأن هذه المشاكل تشمل الصرف الصحي والكهرباء، وحتى تسرب المياه من شبكة التوزيع، وما يتطلب إصلاحها من أعمال حفر وتصليح وشراء قطع غيار.
بلدية بعلبك، ومنذ بدء حملتها الإعلانية في 18 تشرين الثاني، ارتفعت فيها نسبة التحصيل والجباية حتى وصلت إلى نحو 13% بحسب عثمان الذي لفت إلى أن الناس بدأوا يتجاوبون، رافضاً إصرار البعض على عدم الدفع؛ لأن مهلة الإعفاء من الغرامة ستنتهي وسيترتب على المكلف دفعها مضاعفة عند أي استحقاق معين، مشدداً على أنه لو لجئ إلى القانون لما استطاع أحد من المتخلفين عن الدفع إنجاز أية معاملة في البلدية «لكننا نتساهل مع أهلنا وناسنا ونيسّر لهم أمورهم».
في بلدية شمسطار ـــــ غربي بعلبك إحدى البلديات الكبرى في المنطقة، يبدو الوضع مربكاً وأكثر تعقيداً، وخصوصاً أن البلدية مركّبة وينضوي تحت اسمها 14 قرية ممتدة من بيت شاما والعقيدية جنوباً حتى قرى كفردان وبيت مشيك شمالاً، حيث ينبغي للبلدية جباية رسوم القيمة التأجيرية من سائر هذه القرى، والتي لا تتعدى قيمتها الإجمالية، بحسب رئيس بلدية شمسطار، سهيل الحاج حسن، 500 مليون ليرة، فضلاً عن تدني نسبة الجباية وعدم تقيّد هذه القرى في التسديد. يعزو الحاج حسن السبب في تدني نسبة الجباية إلى «إهمال رؤساء بلدية شمسطار ـــــ غربي بعلبك السابقين (باستثناء مهدي زين 1998ـــــ 2004 لمدة أربع سنوات فقط)، تنظيم جداول التكليف والنشر في الجريدة الرسمية، وهو ما سمح للناس بعدم التقيّد بالدفع». نسب الجباية في بلدية شمسطار ـــــ غربي بعلبك، وإن كانت متفاوتة بين القرى، إلا أنها سجلت في العام الماضي ارتفاعاً ملحوظاً ومختلفاً عن النسبة في عام 2009. فقد لفت الحاج حسن إلى أن نسبة التحصيل في عام 2010 وصلت إلى حد 25%، وذلك بعدما تعرّض المزارعون في بعض القرى، ومنها كفردان، لخسائر في كرومهم نتيجة العاصفة الثلجية، وتطلبت أمور التعويضات ضرورة الاستحصال على استمارات خاصة من البلدية، «حيث استطعنا إلزامهم دفع مستحقات «المسقفيات» عن سنة واحدة فقط؛ لأن ما فيك تحمّل الناس أكثر من طاقتها».
قيمة الرسوم التأجيرية في بلدية شمسطار يمكن أن يعولّ عليها إذا ما دفعت بالكامل بحسب الحاج حسن. لكنه يشير إلى أنه رغم تفعيل أعمال الجباية والإنذارات منذ بدء ولاية 2010، إلا أن بعض القرى لا تدفع الرسوم كما غيرها من القرى. «فبلدات بيت شاما والعقيدية وشمسطار تراوح نسبة الجباية فيها بين 36 و45%، فيما قرى كفردان والزعارير في بيت مشيك لا تتعدى 2%، رغم تأدية البلدية للخدمات المتعلقة بالنظافة وجمع النفايات والإنارة وغيرها.
وفيما يأمل رؤساء البلديات الكبرى تمديد فترة الإعفاء من 90% من الغرامات على رسوم القيمة التأجيرية مدة شهر واحد (كانون الثاني المقبل)، يرى هؤلاء أن على الدولة أن تفرض على المواطنين الاستحصال على براءة ذمة مالية من البلدية في حال إنجاز أية معاملة قانونية متعلقة بالكهرباء أو المياه أو الهاتف، وعدم حصرها برخص البناء فقط؛ إذ يمكن من خلال هذه الخطوة تحصيل نسبة أكبر من الرسوم التأجيرية.
الجدير ذكره، وفقاً للقانون، أنه في حال عدم قيام رئيس البلدية بالموجبات القانونية لجهة عدم التكليف ونشره يعرّضه للملاحقة أمام أجهزة الرقابة، حيث يمكن أيضاً المكلفين الذين يرفضون الدفع التذرّع بعدم نشر جداول التكليف في الجريدة الرسمية؛ إذ إنها الطريقة التي يجري إعلام المواطنين بها.



رسوم «لا تغني ولا تسمن»

إذا كانت بعض البلديات تزخر بالمحالّ التجارية والمؤسسات وعدد كبير من المنازل، فإن بلديات أخرى في المنطقة لا يتعدى عدد منازلها خمسين منزلاً. عدد المنازل الضئيل لا يسمح لقيمة المسقفيات كاملة بأن تتجاوز مليونين وخمسمئة ألف ليرة، وهو مبلغ «لا يغني ولا يسمن» بحسب رافع زعيتر رئيس بلدية جبعا، الذي أكد أن «لا استيفاء للمسقفيات في البلدة». بدوره، نصري الهق رئيس بلدية الكواخ ـــــ الهرمل أكد أن تحصيل المسقفيات بنسبة 50% الهدف منه تطبيق القوانين فقط؛ لأن المبلغ المالي الكامل لا يتعدى مليونين وخمسمئة ألف ليرة. أما رئيس بلدية بتدعي سمير الفخري، فرغم تأكيده أن نسبة الجباية تناهز 60%، إلا أن التنظيم والجباية يحصلان بقصد «رفع المسؤولية عن البلدية والمواطنين»، فيما المبلغ يمكن أن «يصلح راتباً لموظف واحد فقط».