كادت الفتاة أن تقع أرضاً عند التقاطها صورةً لها على طريقة «سيلفي» على كورنيش الغازيّة. يستعرض ابن الثماني سنوات مهاراته في رياضة «التزلّج على الرَّصيف» مُتحدِّياً صديقه الأكبر منه سِنّاً. يشقّ «قطار الفرح» طريقه بين «جموع» الناس مُقِلاً عشرات الأطفال ليعود بهم مرّة ثانية على الكورنيش بطول كيلومتر واحد فقط. يبتاع صبيّ عرنوس ذرَة من الرّجل ذي الملامح الحادّة، فيما تُسرِّع الفتيات الثلاث خطواتهنّ في محاولة منهنَّ لخسارة بعض الوزن قبل حلول الصيف.
يعود بائع الورد الصغير مرّة أخرى إلى الطاولة حيث تجلس عائلة أتت من «جبل الريحان» ليتبيَّن أن الصبيّ هو توأم أخيه الذي جاء قبله إلى المكان ذاته. ينفث الرجل السَّمين دخان نارجيلته فتتداخل «الأنفاس» الموزّعة بين الطاولات أمام «الكيوسك» المخصّص لخدمة «زبائن» الكورنيش.
على المقاعد الخشبيّة، حيث يدور حديث في السياسة والعقارات وقانون السّير الجديد، تضيق مساحة «العالم الافتراضي» وتتَّسع في المقابل مساحة العالم الحقيقي. عالَم الناس الآتِين من الغازية والقرى المجاورة ومن مناطق أبعد في قضائَيْ صيدا والنبطيّة وحتى من صيدا نفسها التي حافظت الغازية على علاقتها الجيدة بها رغم «عواصف السياسة» باعتبارها الجارة التاريخية و»عاصمة القضاء والقدر» للبلدة التي تعدّ أكبر تجمُّع سكّاني وعمراني على ساحل الزهراني.
لسنوات خلَت، ظلّ هذا الجزء من واجهة الغازية البحرية مهملاً حتى أيام عزّ الطريق الساحلية قبل تدشين أوتستراد الجنوب، متحولاً مع الوقت إلى «مستودَع» لنفايات المعامل الصلبة. في عام 2010 التقط الرئيس السابق للمجلس البلدي محمد سميح غدار فرصة «التوافق البلدي» ليعلن أمام أهل بلدته «مفاجأة» هِبَةِ تمويل المشروع على نفقته الخاصة، مستفيداً من صدور مرسوم جمهوري سابق يهدف إلى تحسين الواجهة البحرية للغازية تحت مسمَّى «حديقة الرئيس نبيه بري». بعد سنتين على افتتاح «المشروع»، في حزيران 2013، تحوّل الكورنيش- الحديقة إلى نقطة جذب رئيسية لـ»هواة النوع».
والكورنيش الذي يتراوح عرضه بين 20 و40 متراً يُعَدّ مشروعاً تنموياً بامتياز، إذ يستفيد منه قرابة المئة عائلة معظمها من الغازية نفسها. يتذمّر بعض الروّاد من النقص في الإجراءات التنظيمية خاصة في حالات الازدحام أيام «الويك أند»، بينما تسعى بلدية الغازية لفرز عناصر شرطة تكون مهمتها «أمن الكورنيش» فقط. عند آخر الرصيف قرب الصخرة المثبتة التي تشير إلى تاريخ تدشين «المشروع»، يطير الـ»بالون» سريعاً نحو أعلى ليلامس زرقة السّماء، فيما مرام ابنة السّنوات السِت تغادر المكان على مضض مطالبة أهلها بمنحها مزيداً من الوقت للَّعب على درّاجتها الصغيرة بعد يوم طويل على كورنيش الغازية.