العلم هويتنا الجماعية

  • 0
  • ض
  • ض

«والله وشفتك يا علمي، زيّنت رايات الأمم». هكذا تقول كلمات الأغنية الشعبية الممجدة للعلم الفلسطيني، فالعلم يتكون من رموز ودلالات تاريخية تخص ثقافتنا، متحولاً بذلك إلى زينة للمباهاة بالوطن بين بقية أمم الأرض، وكأن المباهاة به استعراض لوجودنا على هذه الأرض التي نهواها. والعلم أيضاً هوية جماعية تحمل صورة شخصية واحدة، واسم واحد، واسم جد واحد، واسم أم واحدة، ومكان ميلاد واحد، وتاريخ ميلاد واحد. وفي تتبع وصف حالتنا مع العلم، فإنه يمسي إلى نوع معين من الآلهة الوطنية، ويُضفى عليه نوع من القداسة الغامضة. نحبه عالياً مرفوعاً على سارية تتجاوز السماء السابعة، وتمكث قمتها بجوار الله، ليرفرف مزهواً بعشقنا لقدسية أرضنا. وإننا نرفض أيضاً أن يكون العلم مفصلاً لأي قطعة قماش تُلبس على الجسد، فقد نقبل به في الجزء المرتفع من قاماتنا، قد نتشح به حول رقابنا كوشاح أو ملوناً على قلادات أو نضعه قبعة على هامات رؤوسنا، أو نتخذه لثاماً في مواجهة العدو، وقد نتمادى أحياناً ونرسمه على كنزاتنا وصدورنا، وأجمل تجلياته عندما يكون ثوباً لطهر شهدائنا المحمولين على أكتافنا، أما أن يكون العلم بنطالاً أو تنورة أو فستاناً، فهذا تدنيس لشعائر العلم الكبرى، وهيهات أن نغفر لمن يقترف مثل هذه المعصية الوطنية. ويحتل العلم الفلسطيني فسحةً سماوية في مقارعة العدو الصهيوني، فبعد نكسة حزيران 1967، أقرت السلطات الصهيونية قانوناً يحظر العلم الفلسطيني، أو إنتاج أي مواد فنية تتكون من ألوانه، فتحول العلم من "زينة رايات الأمم" إلى وسيلة مقاومة تستفز العدو ووجوده المضطرب. في عام 1978 عندما وصلت الشهيدة دلال المغربي، بحراً، مع مجموعتها الفدائية القادمة من شواطئ اللجوء الفلسطيني في لبنان إلى الأرض الفلسطينية ما بين حيفا ويافا، وفي خضم العملية، اختطفت المجموعة حافلة صهيونية، فاستلت دلال العلم من حقيبتها وقبلته وعلقته في الحافلة المختطفة. وأصبح من يرفع العلم الفلسطيني أثناء المواجهة مع الاحتلال، يواجه عقوبة السجن، وتحديداً خلال انتفاضة الحجارة 1987. فرغم رمزية وسيلة المقاومة هذه وصورتها السلمية، إلا أننا تمكنا من مواساة أنفسنا كمستضعفين تحت نير الاحتلال، وفي محيط عربي متخاذل، فكما قال حنظلة ناجي العلي: "عش هكذا.. في علو أيها العلم.. فإننا بك بعد الله نعتصم". لكن ألوان العلم الأربعة تنكفئ ببؤس أمام كافة ألوان الطيف السياسي التي تزيد على عدد ألوان قوس قزح، فالألوان الأربعة اليتيمة لا تكفي لتجمع كل تياراتنا السياسية، فيُهزم علمنا الواحد الموحد أحياناً أمام بقية أعلام السياسية، وهذه الأعلام أصلاً هي وليدة العلم الأصيل، لكنها كمن ينكر أمه التي أنجبته، إن هزيمة علمنا أمام الأعلام الفرعية كان دافعاً قوياً لوجوب وجود وصايا لشهداء هبّة أكتوبر/تشرين الأول المستمرة حالياً، فها هو الشهيد باسل سدر الذي أدمته رصاصات الجنود على درجات باب العمود بالقدس، يكتب وصيته بالعلم: "بس علم فلسطين بالجنازة"، قالها باسل بكل بساطة، هو الذي دسوا في يده سكيناً ليتهموه بأنه قاتل. لكن ألا تستحق سكين مهند حلبي أن تكون شعاراً على العلم الفلسطيني؟ والحلبي مهند هو صاحب رتبة "مفجر انتفاضة". فمن الممكن أن يكون العلم شريكاً للأدوات النضالية ضد العدو، هكذا أتخيل السكين: تتمركز في وسط العلم على اللون الأبيض، بزاوية منحرفة قليلاً، ورأس ونصل حادين ولامعين، ومقبض متين، لا! لا! فقد يقال: "إن هذا تطرف ورمز مبالغ به، ويؤذي قضيتنا العادلة". إن السكين قد تكون ملهاةً ثورية، وترفاً باذخاً في المقاومة. إذن، فلنرسم حجراً مثلاً، كأن تكون صورة يد الشهيد الطفل فارس عودة وهي تقذف المدرعة الصهيونية الضخمة بحجر صغير. كفى! فلنحافظ على قلب العلم أبيض ناصعاً، وأن نكفّ عن إلحاق الضرر بصحته الوطنية.

  • صورة لتطاهرة فلسطينية في باريس

    صورة لتطاهرة فلسطينية في باريس

0 تعليق

التعليقات