بين جنسيتين متصارعتين

  • 0
  • ض
  • ض

منذ صغري وأنا أحلم بأن أكون محامية. كانت تشدني فكرة الوقوف أمام القاضي للدفاع عن المظلومين. هذا كان حلمي البسيط، لكنني كبرت ولم أستطع تحقيقه. لماذا؟ ببساطة لأنني... فلسطينية. فجنسيتي لا تسمح لي بممارسة هذه المهنة، في لبنان البلد الذي لجأ إليه أجدادي الهاربين من العدو الإسرائيلي الذي احتل أرضنا عام 1948. أكملت رحلة الاستكشاف، وتخليت عن حلمي واخترت مهنة الإعلام. درست في أهم الجامعات في لبنان، ونجحت بدرجة تفوق وكنت متفائلة ومتحمسة لكي أبدأ مشواري المهني. ولم أكن أعلم أن مشواري قد انتهى هنا عند نيلي الشهادة. لقد واجهت صعوبات كثيرة لكي أجد عملاً، وكنت أعلم أنني مثلي مثل غيري من اللبنانيين هناك صعوبات بإيجاد فرص عمل، ومع ذلك لم يكن لدي مشكلة، فالمنافسة شيء جيد في الحياة. تقدمت إلى وظائف عدة. لم أكن أعرف سبب رفضي، لكنني سرعان ما اكتشفت سبب مشكلتي مجدداً... لأنني فلسطينية. كانت جنسيتي عائقاً أمام توظيفي، خصوصاً بعدما اكتشفت لأول مرة أنها تُعَدّ مشكلة في سوق العمل اللبناني. واجهت العديد من العوائق بسبب هويتي. لم أقف عندها، وحاولت اكثر من مرة وقدمت على اكثر من وظيفة، لأنني أعدّ نفسي في بلد أنا فرد وجزء منه، ببساطة، أنا نصف لبنانية من جهة والدتي، ولو كانت هناك قوانين محترمة لكان يحق لأمي اللبنانية إعطائي جنسيتها، وحينها أمارس حقي في العمل في أي مهنة أريدها من دون عوائق. رفضي المتكرر في سوق العمل كان أمراً يمكن احتماله، أما الحدث الوحيد الذي استوقفني، فهو حينما أرسلت طلب توظيف إلى الجامعة التي درست فيها، وبعد قبولي في مرحلة المقابلة بشرط الخضوع للتدريب لفترة قصيرة، رُفضتُ عندما قدمت أوراقي، وكان من بينها هويتي الزرقاء (البطاقة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين). هذه الهوية المصنوعة من ورق كرتون والمكتوبة بخط اليد، وفي أكثر الأحيان خط غير مفهوم، يرفض معظم أرباب العمل توظيف حاملها، لأنهم مضطرون إلى دفع أموال أكثر مقابل توظيف فلسطيني. المهم، رفضتني جامعتي التي أمضيت فيها سنوات عدة، ورفضت بحجة قوانين وزارة العمل اللبنانية. لا أفهم لماذا يعاملونني هكذا؟ أهو خوف؟ أم كره؟ أم عنصرية؟ تصارعت الأفكار لدي، وتعطلت مشاعري، واختلط الحابل بالنابل، جامعتي ببساطة رفضتني. لم أعرف كيف أرُد على الموظفة أو كيف أعبّر. حملت حقيبتي وخرجت من الباب بينما كانت دموعي تغمر عينيّ. سألت نفسي: لماذا عاملوني هكذا؟ فعندما كنت طالبة لديهم، كنت أحصل على أفضل معاملة، ولكن عندما تخرجت وتقدمت للعمل بدوام جزئي لديهم عاملوني كغريبة. جامعتي رفضتني، بحجة أنني فلسطينية، لكنها لم تأبه لهذه الجنسية عندما درست فيها، لأنني كنت أدفع لهم المال، ولكن عندما تقدمت لطلب العمل رفضتني الجامعة لأنها لا تريد دفع أموال إضافية لتوظيفي. كيف لي أن أشعر بإنسانيتي وأنا لم أحصل على أدنى حقوقي في مؤسسة تعليمية علمتني الدفاع عن حقوق الإنسان، بينما هي تنتهك حقوقي. رجعت إلى المنزل ولساني عاجز عن الكلام. سألني الجميع: ماذا بكِ؟ لم أستطع الكلام. وعندما تكلمت... صرختُ ووجهت اللوم إلى أبي وأمي. عاتبت أمي على زواجها بفلسطيني، وعاتبت أبي أيضاً على وجوده في لبنان وزواجه بلبنانية لم تستطيع إعطائي جنسيتها على عكس دولٍ عدة. إذا جامعتي هتكت حقوقي الإنسانية، فكيف لي أن أحلم وأنا حاملة الهوية الزرقاء؟

  • تصوير ريهام الغزالي

    تصوير ريهام الغزالي

0 تعليق

التعليقات