لا تلجأ الدول طواعيةً إلى صندوق النقد الدولي، بل هي تضطر إلى ذلك، وهنا مصدر قوّته وقدرته على فرض أجندته. هذا ما حصل مع الأردن. فقبل دخول الصندوق المشهد، كان الأردن يتّبع استراتيجية صناعية قائمة على استبدال الصادرات التي كانت شائعة بين البلدان النامية. تعتمد هذه الاستراتيجية على تأسيس صناعة محلية وحمايتها من المنافسة الخارجية عبر تعرفات جمركية عالية، ويفترض أن تكون هذه الاستراتيجية مؤقّتة إلى حين نضج هذه الصناعات الوليدة وتمكّنها من المنافسة. وكان الأردن يُحقّق نسب نمو مرتفعة بمعدّل 7.9% بين عامي 1972 و1982، وانخفضت إلى 5.7% في عام 1986. كذلك وصلت نسبة الفقر إلى أقل من 3% في عام 1987. لكن انهيار أسعار النفط أدى إلى أزمة اقتصادية، إذ إن الاقتصاد الأردني مرتبط بالاقتصاد الخليجي، الذي يشتري أكثر من نصف صادراته ويستضيف العدد الأكبر من العمال الأردنيين الذين يرسلون تحويلاتهم المالية. أدّت هذه الأزمة واستجابة الحكومة لها إلى استنزاف احتياطات الأردن بالعملة الأجنبية لتساوي 10 أيام فقط من الاستيراد، وارتفع الدَّين العام، وأصبح الأردن عاجزاً عن خدمته. وهذا ما اضطره في عام 1989 إلى طلب تدخّل ثنائي واشنطن: صندوق النقد والبنك الدوليين.
من سيّئ إلى أسوأ
منذ البداية، اشترط الصندوق على الأردن أن يُحرّر الدينار الأردني في مقابل إقراضه، وأن يُحرّر أيضاً نسب الفوائد. ففي أقل من 4 أشهر، فقد الدينار 35% من قيمته، ما سبّب ارتفاعاً للأسعار بنسبة 25%. وأدى تحرير الفوائد إلى ارتفاع أسعارها بنسب كبيرة، ما شكّل ضغوطاً على أرباح المصارف، ودفعها إلى التنافس من أجل استقطاب الزبائن بغضّ النظر عن قدرتهم على التسديد، فكانت النتيجة ارتفاع نسبة القروض المُتعثرة بنحو كبير، وانهيار ثاني أكبر مصرف في الأردن.

في غضون سنة بعد تدخّل الصندوق، فقد الدينار 50% من قيمته، وتقلّص الاقتصاد الأردني بنسبة 13.5%. وبعد 3 سنوات فقط، ارتفعت نسبة الفقر إلى 14.4%، ونسبة البطالة إلى 19% عام 1992، بعد أن كانت 8% عام 1987. أما الطامة الأكبر، فتمثلت بأن يُلقي صندوق النقد الدولي اللوم على حرب الخليج الأولى، على أنها وراء هذه النتائج الكارثية.
على مدى 15 عاماً، عقد الصندوق مع الأردن 6 اتفاقات إقراض، وتوقفت لثمانية أعوام بين 2004 و2012، قبل أن يعود الأردن إلى عقد اتفاق جديد في عام 2012، مُدِّد لفترة ثانية مستمرّة حتى الآن.
إن أهمية هذه الاتفاقات لا تكمن في قيمة القروض التي يمنحها الصندوق، بل بالثقة التي توحي بها، أو بمعنى أدقّ، تكمن أهميتها في منحها إشارة إلى الأسواق، مفادها أن الصندوق يدعم الأردن للمحافظة على قدرته على السداد، وبالتالي تعطي الضوء الأخضر لباقي الدائنين، دولاً كانوا أو من القطاع الخاص، لاستئناف إقراض الدولة، فتتزايد المديونية، فيما الشروط التي يفرضها الصندوق تؤدي إلى إعطاء الأولوية للدائنين على حساب الاقتصاد والإنفاق الاجتماعي والاستثماري ودعم الأسعار.

شروط بالجملة والمفرق
شروط الصندوق المُصاحبة للقروض هي نفسها في كل مكان: تقشّف وتحرير. وهذا ما حصل في الأردن، إذ تركّزت الشروط على تقليص الإنفاق العام من أجل خدمة الدين، وذلك عبر رفع الدعم عن الغذاء والمحروقات، وخفض كلفة الأجور في القطاع العام، وتحرير القطاعات الاقتصادية عبر الخصخصة، تحرير سوق العمل، وتحرير التجارة.

بالأرقام


95.6%
هي النسبة التي سجّلها الدين العام من الناتج المحلي في الأردن، في عام 2017، بدل أن يتقلّص إلى 78.6% وفق التوقّعات التي أعلنها صندوق النقد الدولي

4.9%
هي حصّة المعونات الخارجية من الناتج المحلي الإجمالي وهي تعدُّ من أبرز متكآت الاقتصاد الأردني

14.5%

من الناس في الأردن يعيشون تحت خط الفقر، ووصلت البطالة إلى 15%، والعمالة اللانظامية إلى 44% من مجمل القوى العاملة

فُرضَت هذه الإجراءات على الأردن بحجّة أنها ستؤدي إلى خفض قيمة الدين وخدمته إلى الناتج المحلي، وستؤدّي أيضاً إلى زيادة النمو والاستثمارات، وبالتالي تقليص البطالة. شرع الأردن في تنفيذ هذه «الوصفة»، وسارع إلى خصخصة الشركات المملوكة من الدولة، كشركة الفوسفات والإسمنت والاتصالات وغيرها، وحرّر إنتاج الكهرباء، وخصخص معامل الإنتاج، مع إبقاء التوزيع من ضمن مهمات الدولة. كذلك سارع إلى خفض التعرفات الجمركية والانخراط في اتفاقيات التجارة الحرّة، وأهمها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك انضمّ إلى منظّمة التجارة العالمية.
كما في البلدان الأخرى، عانى الأردن من النتائج السلبية لهذه الوصفة، إلا أن الإجراءات المُتعلّقة بإلغاء الدعم على الأسعار والسلع والخدمات بقيت الأكثر تعقيداً في الحالة الأردنية.
على مرّ العقود السابقة، شكّل دعم أسعار المواد الغذائية الأساسية والوقود والكهرباء والمياه إحدى الأدوات الرئيسية لتوفير حدّ أدنى من الأمان والحماية الاجتماعية في الأردن، ولا سيّما في أوقات الأزمات وارتفاع أسعار النفط والغذاء في الأسواق العالمية. لكن صندوق النقد الدولي ينظر إلى هذا النوع من الدعم كعبء زائد على الخزينة العامة يجب التخلّص منه، وحجّته في ذلك، أن الدعم المُعمّم، أي الذي يستفيد منه الجميع من دون تمييز، يفيد من لا يستحقّونه أكثر مما يفيد من هم بحاجة إليه، وكذلك يشوّه عمل الأسواق. فمنذ أول قرض قدمه الصندوق إلى الأردن في عام 1989 حتى آخر قرض في عام 2016، كان إلغاء الدعم أحد الشروط الأساسية التي نصّت عليها برامج التكييف الهيكلي. وفي كل مرة يُرفع فيها الدعم عن سلعة أو خدمة تخرج احتجاجات شعبية عارمة، وهو ما حصل في عامي 1989 و1996، نتيجة إعلان رفع الدعم عن الغذاء، وكذلك في عام 2008 بعد إعلان النيّة لرفع الدعم عن الخبز، وعام 2012 بعد إعلان رفع الدعم عن المحروقات.
في الحصيلة، نجح صندوق النقد حتى الآن بتفكيك منظومة دعم الغذاء والوقود بأكملها، ما عدا دعم الخبز، والآن جاء دور إلغاء دعم أسعار الكهرباء والمياه، إذ يشترط الصندوق ذلك بحجّة الحاجة إلى خفض الخسائر المُسجّلة على الخزينة العامة.

عودة صندوق النقد
ظن الأردنيون أنهم تخلّصوا في عام 2004 من 15 عاماً من سطوة صندوق النقد الدولي على حياتهم، وعلى الرغم من أنهم بذلوا جهوداً كبيرة للتكيّف مع نتائج تلك المرحلة، إلا أنهم اعتقدوا أنها أصبحت من الماضي. لكن في عام 2012، عادت الحكومة لتفتح الباب مجدّداً أمام الصندوق ليضع شروطه الجديدة. ففي ذاك العام، عاد العجز المالي الحكومي إلى التفاقم، ووصل إلى ما يقارب 10% من الناتج المحلي، وارتفع عجز شركة الكهرباء والمياه، كذلك تقلّص الاحتياطي بالعملة الأجنبية بنسبة 40% في أقل من سنة، بالإضافة إلى تسجيل عجز كبير في ميزان المدفوعات... وأسباب أخرى، كلها تذكّر بالواقع اللبناني الشبيه.

نجح صندوق النقد في تفكيك منظومة دعم الغذاء والوقود بأكملها، ما عدا دعم الخبز، والآن جاء دور إلغاء دعم أسعار الكهرباء والمياه


انطلاقاً من هذه المؤشرات، عاد الصندوق مجدّداً بالوصفات نفسها: إلغاء دعم المحروقات بالكامل، وتقليص دعم الكهرباء والمياه. ولامتصاص بعض التداعيات، وسّعت الحكومة برنامج مكافحة الفقر، المدعوم من البنك الدولي، المتمثل بـ«صندوق المعونة الوطنية» القائم على إعطاء العائلات الفقيرة تحويلات مادية عوضاً عن الدعم الغذائي ودعم الكهرباء. وفرض الصندوق وقف التوظيف في القطاع العام، وتجميد الأجور. أما من ضمن الاتفاق الحالي، الذي بدأ تنفيذه عام 2016، فقد فرض الصندوق إلغاء الإعفاءات في ما يخصّ ضريبة المبيعات (أي الضريبة على القيمة المضافة)، التي تصل إلى 16%، لتطاول سلعاً غذائية أساسية، واشترط رفع تعرفة المياه. وحتى 2018، أي نهاية مدة القرض، طلب الصندوق من الأردن إلغاء كل أشكال الدعم (مع إمكانية التريّث حول دعم الخبز)، وكذلك خفض كلفة الأجور في القطاع العام عبر إدخال المرونة في الاستخدام والتسريح في الإدارات العامة، وكذلك تقليص مساهمة أصحاب العمل (الاشتراكات) في الضمان الاجتماعي، والتوسّع في مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص في كل المجالات، وغيرها من «الإصلاحات».

المثال الناجح للتخريب
بعد عقود من تدخله، لم ينجح صندوق النقد في إصلاح الاختلالات البنيوية في الاقتصاد الأردني. ولكنه، على الرغم من ذلك، يعتبر تجربته في الأردن من التجارب الأنجح، ويروّج لها على أنها «قصة نجاح» تُحتذى، مستنداً إلى مستويات النمو المُحقّقة في التسعينيات، وارتفاع الاستثمارات في الأردن. ولكن قراءة بسيطة للظروف المحيطة، تُبيّن أن هذه «النجاحات» لم تكن وليدة تنفيذ الشروط المذكورة، بل كانت نتيجة عوامل خارجية ظرفية متعلّقة بتطوّرات المنطقة. فالاقتصاد الأردني شبيه بجاره اللبناني، غالباً ما يكون نموه مرتبطاً بالتطوّرات الإقليمية، لكون اقتصاده قائماً بنحو كبير على الإنشاءات والعقارات والسياحة والتحويلات المالية والدعم الخارجي.
بعد 20 سنة من تطبيق سياسات الصندوق في الأردن، لم نشهد قيام اقتصاد مُنتج يعتمد على الطلب الداخلي، ولا حتى اقتصاد يعتمد على التصدير. لكن النتيجة كانت تعمّق العجز التجاري الذي كان يشكّل 18% من الناتج المحلي في عام 1989 ليتضخّم إلى نحو 30% عام 2004. وعوضاً عن تقليص الدين العام نسبة للناتج المحلي من 80.7% عام 2012 إلى 78.6% في عام 2017، كما توقّع الصندوق كأثر مباشر لسياساته المقترحة، ارتفع هذا الدين إلى 95.6%. كذلك بقي الأردن مُتكلاً على المعونات الخارجية التي شكّلت 4.9% من الناتج المحلي عام 2014. وبطبيعة الحال، لم يجنِ الأردنيون ثمار عقود من التضحيات، فبالرغم من برامج مكافحة الفقر والتحويلات النقدية للفقراء التي يدعو إلى اعتمادها الصندوق والبنك الدوليان تعويضاً عن الدعم، يقع نحو 14.5% من الناس تحت خط الفقر، واختبرت 33% من الأسر فقراً عابراً، كذلك وصلت نسبة البطالة إلى 15% والعمالة اللانظامية إلى 44% من مجمل القوى العاملة.
بالمحصلة، بقيت سياسات الصندوق هي نفسها، التقشّف عبر خفض الإنفاق الاجتماعي إلى الأقصى من أجل خدمة الدين، وتحميل الفقراء والعمّال العبء الأكبر، وفي المقابل تشجيع وإعطاء أقصى التحفيزات للرساميل. لكن جاء شكل قانون الضرائب الأخير في الأردن ليجسّد مفارقة، حيث وسّع شريحة المُكلفين (حالياً فقط 4% من الأردنيين يدفعون ضريبة دخل)، كذلك رفع الضريبة على أرباح المصارف من 35 إلى 40%. وهذه التعديلات تطاول في شكل خاص المهن الحرّة وذوي الدخل المتوسط (أو ما يُعرف بالطبقات الوسطى)، ولكن إرفاقه بمقترح تعديل قانون الخدمة المدنية ورفع الدعم عن الخبز هو ما أشعل الاحتجاجات الأخيرة. فالعمّال والفقراء في الأردن لم يروا من صندوق النقد سوى المسّ بحقوقهم وتدهور ظروف عملهم وارتفاع الأسعار وازدياد نسب الفقر. فقضية الأردن مع صندوق النقد ليست رمانة، بل قلوب مليانة.



احتجاجات «الدوّار الرابع»: مطالب بلا برامج
تمكّنت الاحتجاجات الأخيرة في الأردن من انتزاع ثلاثة مطالب، بعد إضراب دعت إليه النقابات المهنية وترافق مع تظاهرات يومية على مدى أسبوع في مختلف أنحاء البلاد. أما المطالب الثلاثة فهي: التراجع عن القرار الأخير برفع أسعار المحروقات والكهرباء، إقالة حكومة هاني الملقي (جرى تكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة)، وتعهّد رئيس الحكومة المكلّف بسحب مشروع قانون الضريبة بعد أداء حكومته اليمين الدستورية. لكن، هل «الهبة» الأخيرة كانت تحمل هذه المطالب فقط؟ أو هل هذه هي مطالب الشارع؟ لا سيّما الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً، التي كانت تدعو إلى تغيير «النهج والسياسات الاقتصادية» الخاضعة لإملاءات صندوق النقد الدولي.
بداية، من هي الفئات التي شاركت في احتجاجات الأسبوع الماضي؟ وما هي أبرز مطالبها وسقف خطابها السياسي؟
استفزّت التعديلات المُقترحة على قانون ضريبة الدخل ما يُسمّى الطبقات الوسطى، من مهنيين وموظفين، إذ تطال هذه الضريبة من يزيد دخله على 666 ديناراً شهرياً من الأفراد و1333 ديناراً من الأسر، علماً أن الحدّ الأدنى للأجور في الأردن هو 220 ديناراً. فما كان من النقابات المهنية إلا أن دعت إلى إضراب اعتراضاً على تلك التعديلات. لكن قيام الحكومة بعد يوم من إضراب ناجح برفع أسعار الوقود والكهرباء، دفع الفئات الفقيرة إلى الانضمام إلى ساحة الاحتجاجات في محيط مجلس الوزراء في الدوار الرابع، وعدد من المحافظات. وعلى الرغم من تراجع الحكومة عن قرارها الأخير، إلا أن الشرائح التي أنهكتها الارتفاعات المُتتالية للأسعار في عهد حكومتي عبد الله النّسور وهاني الملقي، رفعت سقف مطالبها إلى تغيير السياسات الاقتصادية. ويشمل ذلك إلغاء الضرائب والرسوم على المحروقات، إلغاء ضريبة المبيعات على السلع والخدمات، إعادة الدعم على السلع الأساسية واعتماد قانون ضريبة دخل تصاعدي. وبذلك، وخلافاً للهبّات الشعبية السابقة، ساهمت قرارات الحكومة الأخيرة بتقاطع مصالح شرائح طبقية واجتماعية مختلفة ووحّدتها في مواجهة سياساتها.
التحقت الفئات الفقيرة بالإضراب، لكن النقابات المهنية لم تتبنَّ مطالبها. تمسّك مجلس النقباء بسقفه المتمثّل بضريبة الدخل، مؤكداً أن لا علاقة لإضراب النقابات المهنية بقرار الحكومة رفع أسعار المحروقات، وبالتالي لا علاقة لها باحتجاجات الدوار الرابع. لكن في الواقع، أمّن إضراب «الطبقات الوسطى» غطاء سياسياً لـ«احتجاجات الدوّار الرابع»، فضغطت، إلى جانب النقابيين، على قيادة مجلس النقباء للاستمرار بالخطوات التصعيدية بعد استقالة حكومة الملقي. وبدا ذلك واضحاً حين قاطعت الجماهير المُحتشدة كلمة رئيس مجلس النقباء علي العبوس في مقر مجمع النقابات في عمان، عندما أعلن تعليق إجراءاته التصعيدية وإعطاء الحكومة الجديدة فرصة. حينها علت صرخة النقابيين، مردّدين هتافات مثل «باعوها باعوها» و«قلتلنا نضغط من تحت، مين اللي بيضغط من فوق؟»، داعين إلى استكمال احتجاجهم في «الدوّار الرابع». بقي المحتجون في المقرّ إلى أن اجتمع أعضاء مجلس النقباء، ليتبنّوا مطالب النقابيين المحتجين بالاستمرار باحتجاجاتهم حتى سحب مشروع قانون ضريبة الدخل ونظام الخدمة المدنية. ومع أن سقف النقابات ظل منخفضاً ومحصوراً بضريبة الدخل، إلّا أنه أمّن في شكل غير مباشر حماية للاحتجاجات من الضياع والتشتّت. فجمهور «الدوّار الرابع» معظمه من الشباب غير المُسيّس، الذي يسعى إلى احتلال الساحات، ولكن من دون خبرة سياسية تخوّله التفاوض مع السلطة وانتزاع المكاسب السياسية. وبالتالي استمراره في الاحتجاج لا يضمن بالضرورة تحقيق المطالب.
وإن كان مُحتجون كثر يدركون في نقاشات خاصة بينهم أن الحكومة ليست وحدها المسؤولة عن إفقارهم بل من يُعيّنها، إلا أن السقف السياسي ظل موجهاً في شكل أساسي ضد مجلس الوزراء من دون المساس بالملك، ما عدا بعض المحافظات. صحيح أن هتاف مثل «بطّلنا نحكي يعيش (الملك)، حق الخبز ما معيش» تردّد، إلا أنه لم يصل إلى مستوى «الإسقاط». ولعلّ ذلك ناتج عن خوف من سيناريوهات بلدان الجوار في ظل غياب البديل الذي باستطاعته حمل المطالب إذا ما تسلم السلطة. ولا شك أن فرص التنظيم السياسي تتطلّب مساراً تراكمياً مُشابهاً لهبة نيسان 1989، حراك 2011 وهبة تشرين 2012، تستثمر فرصاً سياسية، كقرارات الحكومة الأخيرة، لبلورة تنظيم ورؤية سياسيين يضمنان «تغيير النهج الاقتصادي».


ما هو اتفاق الاستعداد الائتماني؟
صُمِّم برنامج القروض هذا للاستجابة لحاجات التمويل الخارجي للبلدان، أي معالجة الأزمات الواقعة أو المحتملة نتيجة عجز شديد في ميزان المدفوعات. وهو قرض مُخصَّص للبلدان ذات الدخل المتوسط، وتصاحبه شروط على الدول المقترضة التزامها، وإلا فلن تحصل على الدفعات المُبرمجة بحسب التقدم في تنفيذ هذه الشروط. وعادة ما يدوم البرنامج لمدة تراوح بين سنة إلى 3 سنوات. ويقدّم الصندوق القرض على دفعات وفق التقييم الدوري الذي يجريه للتقدم الذي يحرزه البلد المعني. فيقسم البرنامج إلى مراحل عدّة، حيث يجب إجراء سياسات معيّنة في كل مرحلة، وبناءً على إنجاز الدولة شروط الصندوق تُحرَّر دفعة من القرض تلو الأخرى. يستحق سداد الموارد المُقترضة في غضون 3,25 إلى 5 سنوات من صرفها، أي إن كل مبلغ يُصرف يُسدَّد في ثمانية أقساط متساوية ربع سنوية، تبدأ بعد تاريخ صرف أول دفعة بفترة 3,25 سنوات.

ما هو تسهيل الصندوق الممدد؟
تستهدف القروض تحت هذا البرنامج البلدان التي تختبر اختلالات كبيرة في المدفوعات، لأسباب بنيوية، أو تعاني من بطء في النمو وموقع ضعيف جوهرياً، بما يخصّ ميزان المدفوعات. ويركز البرنامج الذي يُشترَط مع القرض على الإصلاحات الهيكلية، أو ما يُسمّى التصحيح أو التكييف الهيكلي، أي إصلاحات قاسية من الناحية الضريبية، والموازنة العامة، والخصخصة، ونظام الخدمة المدنية، وتحرير التجارة والقطاعات الاقتصادية وغيرها. وتصل مدة برنامج الإقراض إلى 3 سنوات مع إمكانية تمديد سنة رابعة، ويمكن أن تصل فترة السداد إلى 10 سنوات. وكما في البرامج المشروطة الأخرى، تقسّم الدفعات على مراحل طبقاً لتقييم الصندوق للإجراءات المُحقّقة.