في لحظة حرجة من تاريخ أوروبا، يقترح هذا المانيفستو (الذي يمكن لكلّ المواطنين الأوروبيين التوقيع عليه بعد قراءته بالكامل) وضع خطة ملموسة لإحداث تحوّل ديموقراطي في المؤسسات والسياسات الأوروبية، للخروج من حالة الجمود والنقاشات النظرية، وإرساء مزيد من العدالة الضريبية والاجتماعية، وللتعامل بفعالية مع حالات الطوارئ البيئية والهجرة في أوروبا. لا تتّسم الحوكمة الأوروبية الجديدة، والتي تعزّزت خلال العقد الماضي في أعقاب الأزمة المالية، بقلّة الشفافية والإفلات من المساءلة، فقط، كما خلصت مجموعة اليورو، بل تنحاز أيديولوجياً أيضاً نحو سياسات اقتصادية تركّز بشكل كامل على الأهداف المالية وأهداف الموازنة. وليس مفاجئاً، أن تثبت أوروبا عدم قدرتها على مواجهة التحدّيات التي تواجهها والمتمثّلة في تزايد التفاوت في كلّ أنحاء القارة، وتسارع الاحترار العالمي، وتدفّق اللاجئين، وانخفاض الاستثمارات العامّة الهيكلية (لا سيّما على الجامعات والبحوث)، والاحتيال والتهرّب الضريبي. يدعم اقتراحنا الدول الأعضاء التي ترغب في معالجة أزمات المشروع الأوروبي السياسية والاجتماعية، عبر اقتراح ميزانية من الاستثمارات الطويلة الأمد في الأصول العامّة، بهدف محاربة اللامساواة الاجتماعية على مستوى الاتحاد الأوروبي، وتأمين استمرارية حقيقية لنموذج سياسي للتنمية الاجتماعية والعادلة والمستدامة في أوروبا.
باولو لومباردي ــ ايطاليا

يعتمد تمويل هذه الموازنة على تماسك ضريبي من خلال فرض أربع ضرائب أوروبية (على المداخيل العالية، والثروة، وانبعاثات الكربون وضريبة موحّدة على أرباح الشركات). حتى الآن، صبّ التكامل الأوروبي، في المقام الأوّل، لمصلحة اللاعبين الاقتصاديين والماليين الأكثر قوّة وحراكاً مثل: الشركات متعدّدة الجنسيات، والأسر ذات الدخل المرتفع والأصول الضخمة. ولن تتمكّن أوروبا من معاودة التواصل مع مواطنيها، إلّا إذا أثبتت قدرتها على تحقيق تضامن أوروبي حقيقي، من خلال إلزام المستفيدين الرئيسيين من العولمة، بالمساهمة، بشكل عادل، في تمويل الحاجيات العامّة، التي تُعتبر أوروبا بأمسّ الحاجة إليها. هذه السياسات مستحيلة تقريباً في الإطار المؤسّسي الحالي، بسبب حقّ النقض الذي يتمتّع به كلّ بلد ويمنع تطبيق سياسة ضريبية مشتركة. تمهّد المعاهدة المُقترحة للتحوّل الديموقراطي في أوروبا، لإرساء إطار ديموقراطي متجدّد، لا تكون فيه السياسات الاقتصادية الجديدة، لا سيّما الموازنة، مُمكنة فقط، وإنّما شرعية أيضاً. ومن خلال تشكيل جمعيّة عامّة أوروبية مسؤولة عن مناقشة الموازنة والتصويت عليها، يمكن للدول الأعضاء أن تفرض ضرائب عادلة على أكبر اللاعبين، وبالتالي تمويل الموازنة المشتركة المُقترحة. وبفضل مكوّناتها المختلطة، والتي تضمّ النواب المحلّيين ونواب البرلمان الأوروبي، سيكون للجمعية الأوروبية الشرعية للعب دور القوة الموازنة للأثر المُتعاظم للحوكمة الاقتصادية الأوروبية على المواثيق الاجتماعية الوطنية
في ما يلي نص المانيفستو:

نحن، المواطنون الأوروبيون، من خلفيات ودول مختلفة، نطلق اليوم هذا النداء من أجل تحوّل جذري في المؤسسات والسياسات الأوروبية. يتضمّن هذا المانيفستو مقترحات ملموسة، لا سيّما مشروعي دمقرطة أوروبا والموازنة الأوروبية، اللذين يمكن تبنّيهما وتطبيقهما كما هما، من قِبل الدول الراغبة، ومن دون أن تتمكّن أي دولة أخرى من منعها عن ذلك. يمكن توقيع المانيفستو عبر الرابط التالي: www.tdem.eu، من قِبل كلّ المواطنين الأوروبيين الذين يجدون أنه يُعبّر عنهم. كما يمكن تعديله وتحسينه من قِبل أي حركة سياسية.
بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب حكومات معادية للاتحاد الأوروبي في العديد من الدول الأعضاء، لم يعد مُمكناً الاستمرار كما السابق. ببساطة لا يمكننا انتظار خروج المزيد من الدول من الاتحاد، أو المزيد من التفكّك، من دون إجراء تغييرات جذريّة في وضعية أوروبا الحالية.
اليوم، قارتنا عالقة بين تيّارات سياسية يقتصر برنامجها على مطاردة الأجانب واللاجئين، وقد بدأت بتنفيذه فعلاً بطريقة أحادية. وبين تيّارات أخرى تزعم بأنها أوروبية ولكنّها في الواقع تمعن الاعتقاد بأن الليبرالية الصلبة وتوطيد المنافسة بين الجميع (دول وشركات وأقاليم وأفراد) يكفيان لتشكيل مشروع سياسي. لا تدرك هذه التيّارات أن هذا النقص في الطموح الاجتماعي تحديداً، هو الذي يؤدي إلى الشعور بالإهمال.
في المقابل، هناك بعض التيّارات الاجتماعية والسياسية التي تحاول إنهاء هذا الحوار المصيري، عبر الاتجاه نحو ترسيخ قاعدة سياسية واجتماعية وبيئية جديدة لأوروبا. بعد عقد على الأزمة الاقتصادية، لم يسجّل أي تحسّن في هذه العوامل الحرجة والخاصّة بأوروبا: نقص الاستثمارات العامّة الهيكلية لا سيّما في التدريب والبحوث، حدّة اللامساواة الاجتماعية، تسارع الاحترار العالمي، وأزمة تدفّق المهاجرين واللاجئين. إلّا أنّ هذه التيّارات غالباً ما تجد صعوبة في صياغة مشروع بديل، وتقديم وصف دقيق للطريقة التي ترغب من خلالها بتنظيم أوروبا المستقبلية وإرساء بنية لصناعة القرار خاصة بها.
نحن، المواطنون الأوروبيون، ومن خلال نشر هذا المانيفستو، المعاهدة والموازنة، نضع مقترحات محدّدة في متناول الجميع. قد لا تكون مثالية ولكنها تستحق الطرح. ويمكن للجميع الاطلاع عليها وتحسينها. إنها مبنية على قناعة بسيطة: يجب على أوروبا بناء نموذج تأسيسي لضمان التنمية العادلة والمستدامة لمواطنيها. والطريقة الوحيدة لإقناعهم بذلك هو بالتخلّي عن الوعود المبهمة والنظرية. فإذا أرادت أوروبا ترميم التضامن مع مواطنيها، عليها تقديم دليل حسيّ عن قدرتها على إرساء التعاون بين الأوروبيين، وإلزام المستفيدين من العولمة بالمساهمة في تمويل حاجيات القطاع العامّ التي تفتقد إليها أوروبا بشدّة اليوم. ويعني ذلك إلزام الشركات الكبرى بالمساهمة أكثر من الشركات الصغيرة والمتوسّطة، وتكليف دافعي الضرائب الأكثر ثراءً أكثر من نظرائهم الأكثر فقراً. وبالطبع ليست هذه الحال اليوم.
ترتكز مقترحاتنا على إنشاء موازنة لإرساء الديموقراطية، على أن تتمّ مناقشتها والتصويت عليها من قبل جمعية أوروبية مستقلّة. وهو ما سيمكّن أوروبا أخيراً من تجهيز نفسها بمؤسّسة عامة قادرة على التعامل مع الأزمات الأوروبية بصورة فورية، وإنتاج سلع وخدمات عامّة واجتماعية أساسية في إطار اقتصاد مستدام وذات قاعدة تشاركية. بهذه الطريقة، فإن الوعد الذي قطعه معدّو معاهدة روما المتمثل في «توحيد ظروف المعيشة والعمل» سيصبح في نهاية الأمر ذا معنى.
وإذا رغبت الجمعية الأوروبية، ستموّل الموازنة عبر أربع ضرائب رئيسية، تشكّل دلائل ملموسة على التضامن الأوروبي. وستطبّق الضرائب على أرباح الشركات الكبرى، والمداخيل الأعلى (أكثر من 200 ألف يورو سنوياً)، وأصحاب الثروات الضخمة (أكثر من مليون يورو) وعلى انبعاثات الكربون (بمعدّل لا يقلّ عن 30 يورو لكلّ طن). وإذا تمّ تحديد الموازنة بنسبة 4% من الناتج المحلّي الإجمالي، كما نقترح، يمكن لها أن تموّل البحوث والتدريب والجامعات الأوروبية. وهو ما يعدُّ برنامجاً استثمارياً طموحاً لتحويل نموذج النموّ الاقتصادي، وتمويل استقبال المهاجرين ودمجهم، ودعم المشاركين في تنفيذ عملية التحوّل. ويمكنها أيضاً أن تمنح الدول الأعضاء هامشاً لتقليص الضرائب التنازلية التي تثقل كاهل الأجور أو الاستهلاك.
لا تتعلّق المسألة هنا، بإنشاء «أوروبا محوّلة للأموال»، تسعى للحصول على أموال من البلدان «الفاعلة» لإعطائها لبلدان أدنى مستوى. إن مشروع معاهدة الدمقرطة (www.tdem.eu (، ينصّ على ذلك صراحة، من خلال تقليص الفجوة بين الإنفاق المقتطع والدخل المدفوع إلى نحو 0.1% من الناتج المحلّي الإجمالي. تكمن المشكلة الحقيقية في مكان آخر. إذ تتعلّق بشكل رئيسي بتقليص اللامساواة بين البلدان الأوروبية، والاستثمار في مستقبل كلّ الأوروبيين، بدءاً من أصغرها بالطبع، ومن دون أن يكون هناك أفضلية لأي بلد على آخر.
وبما أن التحرّك سريعاً هو أمر واجب، علينا إخراج أوروبا من المأزق التكنوقراطي الحالي. لذلك نقترح إنشاء جمعية عامّة أوروبية، بما يتيح طرح الضرائب الأوروبية الجديدة وموازنة الدمقرطة، للنقاش والتصويت. ويمكن تشكيل هذه الجمعية العامّة من دون أي تغيير في المعاهدات الأوروبية الحالية.
سيكون على الجمعية العامّة الأوروبية أن تتواصل مع مؤسّسات صنع القرار الحالية (لا سيّما مجموعة اليورو التي يلتقي فيها وزراء مالية منطقة اليورو بشكل غير رسمي شهرياً). على أن تكون الكلمة الأخيرة للجمعيّة العامّة في الحالات الخلافية، وإلّا ستكون مهدّدة خسارة قدرتها في أن تكون مركزاً عبر وطني ومساحة سياسية، تلتقي فيها أخيراً الأحزاب والتيّارات الاجتماعية والمنظّمات غير الحكومية للتعبير عن نفسها. كما ستتعرّض بالتساوي لخطر خسارة فعاليتها، خصوصاً أن مهمّتها الأساسية هي تخليص أوروبا من الجمود المزمن للمفاوضات بين الحكومات. ويجب أن نضع في الاعتبار أن حكم الإجماع المالي المعمول به في الاتحاد الأوروبي حال لسنوات دون فرض أي ضرائب أوروبية، وأمّن استمرارية للتهرّب الضريبي من قِبل الأغنياء والأكثر حراكاً، وهي ممارسة مستمرّة حتى اليوم، على رغم كلّ الخطابات. ومن شأن هذا الوضع أن يستمر إن لم يتم إرساء قواعد أخرى لصناعة القرار.
ونظراً إلى أن الجمعية العامّة الأوروبية ستكون لديها القدرة على تبنّي الضرائب والدخول إلى جوهر الميثاق الديموقراطي والمالي والاجتماعي للدول الأعضاء، لذا من المهم إشراك البرلمانيين المحلّيين والأوروبيين بشكل حقيقي فيها. من خلال منح الأعضاء المنتخبين محلّياً دوراً مركزياً، بحيث تتحوّل الانتخابات البرلمانية المحلّية إلى انتخابات أوروبية بحكم الواقع. ولن يعود الأعضاء المنتخبون محلّياً قادرين على تحويل المسؤولية إلى بروكسل بكل بساطة، ولن يكون أمامهم خيار آخر سوى أن يشرحوا للناخبين المشاريع والميزانيات التي ينوون الدفاع عنها في الجمعية الأوروبية. ومن خلال الجمع بين البرلمانيين المحلّيين والأوروبيين في جمعية واحدة، سيتمّ إرساء عادات الحكم المشترك المعمول بها حالياً، فقط، بين رؤساء الدول ووزراء المالية.
لهذا نقترح في معاهدة الدمقرطة المتوافرة على الإنترنت (www.tdem.eu ) أن يكون 80% من أعضاء الجمعية العامّة الأوروبية، أيضاً أعضاء في برلمانات الدول الموقعة على المعاهدة (وفقاً لعدد سكان الدول والمجموعات السياسية)، و20% منهم أعضاء في البرلمان الأوروبي الحالي (بحسب المجموعات السياسية). يستحقّ هذا الطرح المزيد من النقاش، فمثلاً يمكن لمشروعنا أن يعمل مع نسبة أقل من البرلمانيين المحلّيين (50% على سبيل المثال). ولكن برأينا، إن تخفيض هذه النسبة يمكن أن يقلّص من شرعية الجمعية الأوروبية في إشراك كلّ المواطنين الأوروبيين في إدارة الميثاق الاجتماعي والمالي الجديد، ويمكن للصراعات حول الشرعية الديموقراطية بين الانتخابات المحلّية والأوروبية أن تقوّض المشروع.
علينا التحرّك بسرعة. ففي حين أن انضمام كل دول الاتحاد الأوروبي إلى هذا المشروع من دون تأخير هو أمر مرحّب به، وذلك باعتماده من قّبل الدول الأربعة الكبرى في منطقة اليورو (والتي تمثل أكثر من 70% من الناتج القومي الإجمالي ومن عدد سكان المنطقة)، إلاّ أن المشروع صُمّم ليتمّ اعتماده قانونياً واقتصادياً وتطبيقه من قِبل أي مجموعة فرعية من الدول. وهذه النقطة مهمّة لأنها تتيح لمن يرغب من الدول والتيّارات السياسية، إثبات استعدادها لإحراز تقدّم محدّد من خلال اعتماد هذا المشروع، أو نسخة محسنة منه، في الوقت الحالي. لذلك ندعو كلّ رجل وامرأة إلى تحمّل مسؤولياته/ها والمشاركة في مناقشة مفصّلة وبنّاءة لمستقبل أوروبا.

صاغه المؤلفون السبعة التاليون:
مانون بوجو، اقتصادية.
لوكاس شانسيل، نائب رئيس World Inequality Lab، جامعة باريس للعلوم الاقتصادية.
آن-لور ديلليت، اقتصادية، عضو وباحثة في المجلس الوطني للبحوث العلمية.
ستيفاني هينيت-فوشيه، قانونية، وأستاذة في جامعة باريس نانتير.
توماس بيكيتي، اقتصادي، وأستاذ في جامعة باريس للعلوم الاقتصادية وكلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية.
غييوم ساكريست، سياسي، متخصّص في العلوم السياسية، ومحاضر في جامعة باريس 1 – السوربون.
أنطوان فوشيه، متخصص في العلوم السياسية، وأستاذ باحث في المجلس الوطني للبحوث العلمية، جامعة باريس 1 - السوربون
ووقعه عدد كبير غيرهم

*ترجمة: لمياء الساحلي
* http://tdem.eu/