إن شراء الطاقة (استجرار) من السفن التركية (أو مثيلتها)، يؤمّن 900-1000 ميغاواط إضافية خلال 3 إلى 5 أشهر (المتوافرة حالياً)، بتكلفة سنوية تبلغ نحو 900 مليون دولار، مع تعديل التعرفة المحلّية، وسيوفّر ما يفوق مليار دولار ونيفاً على الموازنة. وسيُخوّل استمرار الطاقة 23 ساعة على الأقل، إذ سيرفع الإنتاج إلى 2900 ميغاواط من إنتاج مؤسّسة كهرباء لبنان والشركات المتعاقدة. إن هذا الإجراء يخوّل التخلّي عن معظم المولّدات الخاصّة الصغيرة ذات التكلفة المرتفعة، إضافة إلى أثرها البيئي السلبي. إن التوفير المباشر، إضافة إلى التوفير غير المباشر، سيكون لهما أثر كبير في النموّ الاقتصادي خلال فترة وجيزة، من خلال زيادة القدرة الشرائية وخفض تكلفة الإنتاج، كذلك سيخفّض العجز المالي العام بـ 1.6 مليار دولار.وللتوضيح، إن العرض التركي هو الأفضل بدلاً من الاستدانة لشراء المولّدات التي يستغرق إنشاؤها أربع سنوات على الأقل:
تكون التكلفة الشاملة للكيلوواط من الشركة التركية نحو 12 سنتاً أميركياً مع التوصيل.
مقابل تكلفة مؤسّسة كهرباء لبنان البالغة 18 سنتاً.
وتكلفة المولّدات المحلّية الخاصّة الصغيرة البالغة نحو 30 سنتاً.
فمن الطبيعي أن نشتري الأرخص، فلماذ المعارضة المُضلّلة وغير المُقنِعة؟
إن إحدى أهم ميزات شراء الطاقة من خلال عقود الشراء مع السفن (الطاقة العائمة)، هي عامل الوقت والتكلفة المُنخفضة، حيث إن الإنتاج قد يبدأ خلال أشهر من إبرام اتفاقية الشراء للطاقة من الشركة الفائزة في المناقصة. لذا، إن المناقصات الأخيرة التي تستهدف عقوداً متوسّطة الأجل (4 إلى 5 سنوات) مع سفن حاملة للمولّدات هي الخيار الصائب. وإلّا فسيستمرّ الاعتماد على ثلث الإنتاج من القطاع الخاص المحلّي الصغير الحجم ذي التكلفة المرتفعة. إن من ينظر إلى الأضرار التي قد تلحق بأصحاب المولّدات الصغيرة ومستورديها (وعددهم محدود جدّاً)، لا ينظر إلى الضرر اللاحق بالاقتصاد وأكثر من 5 ملايين مقيم وتكلفته البالغة 2.5 مليار د.أ. سنوياً على الأقل، وتراكم الدَّين بسبب الهدر في الطاقة والفيول وتكلفة المولّدات، التي أرهقت ميزان المدفوعات، وقد تكون كارثية إذا استمررنا في هذا الاتجاه. ويصاحب هذا الإجراء الاستثمار في تحسين شبكة النقل والتوزيع والجباية، ومن الممكن تحقيق إنجازات فعليّة في هذا المجال، في فترة لا تتجاوز العام، بتكلفة لا تتجاوز 100 مليون دولار. وبالإضافة إلى ذلك، يجب النظر في خصخصة إدارة مؤسّسة كهرباء لبنان.
بينما الاقتراح البديل من قِبل البعض الذي يفضّل شراء المولّدات سيكلّف الموازنة نحو 800-1000 مليون دولار أميركي لشرائها بطاقة 1000 ميغاواط، إضافة إلى 1000 مليون دولار أميركي لتشغيلها سنوياً (فيول وعمالة وصيانة وتوصيل). كذلك سينتج منه زيادة تكلفة خدمة الدَّيْن الناتج من شراء المولّدات. هذا إضافة إلى الانتظار نحو 4 إلى 5 سنوات لإنشائها. وقد تبلغ تكلفة الانتظار التراكمي لأربع سنوات نحو 10 مليارات دولار. إن توفير هذا المبلغ من خلال إصلاح الكهرباء عن طريق شراء الطاقة أفضل بكثير من الذهاب إلى باريس لاقتراض مبلغ مماثل.
أمّا العرض الإيراني، فلم تُذكر تكلفته والصعوبات الفنية، حيث يتطلّب التنسيق بين أربع دول لتوصيل الطاقة إلى لبنان. كذلك إن اقتراح استجرار الطاقة من مصر يواجه صعوبات عدة. إن مدّ كابل بحري بين مصر ولبنان لمسافة ما يقرب من 650 كيلومتراً، يكلّف نحو مليار دولار على الأقل. ويستغرق سنوات عدّة لإنجاز العقود والتمويل ومن ثمّ التنفيذ، مقارنة بالكابل المائي بين النروج وبريطانيا وطوله 750 كيلومتراً، ويستغرق تنفيذه أربع سنوات، مع العلم أن التمويل متوافر. ومن الأفضل النظر إلى إمكان استجرار الطاقة من تركيا من خلال وسائل النقل عبر سوريا، أو من خلال كابل بحري، حيث إن المسافة بين تركيا ولبنان تقلّ عن 200 كيلومتر.
وفي المدى الأبعد، من الأجدى أن تبدأ وزارة الطاقة بالعمل على استدراج عقود لإنتاج الطاقة على البرّ من قِبل الشركات العالمية الخاصّة، التي تستثمر مباشرة وتتملّك المولّدات وتتحمّل جميع تكاليف الإنشاء، وتكون إدارتها مستقلّة عن مؤسّسة كهرباء لبنان، بينما تبيع إنتاجها لمؤسّسة كهرباء لبنان بالأسعار العالمية. ويُدعى هذا الأسلوب إنتاج الطاقة المستقل (Independent Power Production-IPP)، وتكون مصحوبة باتفاقيات شراء بعقود طويلة الأجل (Long-Term Purchase Agreement). ويجب أن تتبع هذه العقود الأسس الدولية في استدراج المناقصات وفضّها، ومعايير واضحة لإرساء المناقصة.
إن عقود الشراء للطاقة من الشركات الخاصّة العالمية على أساس IPP أفضل وسيلة لزيادة الإنتاج ولتحسين الإدارة والفعالية في المدى الأبعد. وتبلغ تكلفتها لإنتاج الكيلوواط الواحد نحو 9 إلى 10 سنتات أميركية للكيلوواط على أساس السعر الحالي للفيول. وبالإضافة إلى ذلك، هي لا تؤدّي إلى المزيد من الاستدانة، وتتجنّب الهدر السائد في القطاع العام لإنتاج الكهرباء.
ويجب أن يلي المرحلة التي توفّر الإنتاج المطلوب والمستمرّ، تعديل التعرفة ورفعها إلى حدود 200-225 ليرة لبنانية للكيلوواط كمعدّل وسطي لكي تغطّي التكلفة (ما يواز ي 14.5 سنتاً للكيلوواط).
أما الطاقة المُتجدّدة البديلة، فلا تزال تعاني من مشكلة عدم القدرة على الاستمرارية في الإنتاج من الطاقة الهوائية والشمسية، وارتفاع تكلفة التخزين التي تُعَدّ العقبة الأساسية لتحلّ مكان الطاقة التقليدية. وسنرى خلال السنتين المقبلتين مدى نجاح منح ثلاث تراخيص لإنتاج الطاقة من الرياح بقدرة 200 ميغاواط مع ثلاث شركات لبنانية.
--
الحل المطروح من خلال:
شراء الكهرباء من المولّدات العائمة الجاهزة بطاقة 800 إلى 1000 ميغاواط إضافية (جاهزة خلال 3 إلى 5 أشهر) لمدّة أربع سنوات ( long- term purchase agreement)
رفع التعرفة الكهربائية إلى:
100 ليرة للشطر الأوّل لغاية 300 كيلوواط ساعة
200 ليرة من 301 إلى 500 كيلوواط ساعة
250 ليرة لما فوق 500 كيلوواط ساعة
يصبح متوسّط التعرفة 220 ليرة لبنانية للكيلوواط (14.5 سنتاً أميركياً) لاستهلاك قدره 1000 كيلوواط شهري لعائلة متوسّطة الدخل.
سيوفر القطاع الخاص نحو 1.0 مليار د.أ. سنوياً بعد الإصلاح، لانخفاض متوسّط السعر للكيلوواط.
ستوفّر الدولة في الموازنة أيضاً ما يوازي 1.6 مليار د.أ. (الدعم الحالي من الموازنة لمؤسّسة كهرباء لبنان).
ويصبح مجموع التوفير للاقتصاد 2.6 مليار د.أ. سنوياً، أي ما يوازي 3.7% من الناتج المحلّي، الذي بدوره يخفّض العجز المالي بالنسبة نفسها.

* رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية
* محاضر في اقتصاد الطاقة في الجامعة الأميركية في بيروت
* خبير اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي