تضخّم الأسعار بنسبة 33.5% في عقد واحد
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

ارتفعت أسعار السلّة الاستهلاكية في لبنان بنسبة 33.5%، بين آب/ أغسطس 2009 و2019، وهو ما يعني هبوط القيمة الشرائية لدخل المقيم في لبنان بالنسبة نفسها. هذه الأرقام تعرضها إدارة الإحصاء المركزي، وتبيّن توزّع الزيادات في الأسعار في أبواب الإنفاق جميعها، ومن ضمنها السلع والخدمات الأساسية التي لا يمكن للفرد بأن يحدّ من استهلاكها. تأتي هذه الزيادات على الرغم من تراجع النموّ الاقتصادي من 10.1% إلى 0.2% خلال الفترة نفسها، وهو ما يعود إلى الطبيعة الاحتكارية التي تسيطر على الأسواق اللبنانية، وتدفع باتجاه رفع الأسعار لتوسيع هامش الربحية، أو أقلّه المحافظة عليه لتعويض تراجع الاستهلاك.
تتركّز الزيادة الأكبر في بند الألبسة والأحذية التي ارتفعت بين عامي 2009 و2019 بنسبة 121%. فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات (غير الكحول) بنسبة 33.7%، وأيضاً ارتفعت أسعار الإيجار بنسبة 22% (إنّما خلال خمس سنوات لعدم توافر البيانات لفترة أطول)، فيما ارتفعت أسعار صيانة وتجهيزات المنازل بنسبة 25%، وارتفعت أسعار الماء والغاز والكهرباء والمحروقات بنسبة 16%. أمّا في ما يتعلّق بالخدمات الأساسية، فقد شهد بند التعليم الارتفاع الأكبر بنسبة 83.7%، فيما لم تشهد أسعار الصحّة والنقل سوى ارتفاعاً بنسبة 2.8% و0.4% على التوالي، ولم تتراجع سوى أسعار الاتصالات وحدها بنسبة 23.5%. إلى ذلك، ارتفعت أسعار الكحول والتبغ والتنباك بنسبة 69%، وأسعار الاستجمام والتسلية والثقافة بنسبة 50.1%، وأسعار المطاعم والفنادق بنسبة 42.7%.

وظيفة واحدة لكلّ 6 وافدين جدد إلى سوق العمل

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

لا يخلق الاقتصاد اللبناني إلّا وظيفة واحدة لكلّ 6 وافدين جدد إلى سوق العمل. ووفقاً لمنظّمة العمل الدولية، تتركّز هذه الوظائف في الأنشطة ذات الإنتاجية المنخفضة. وعلى مدار العقد الماضي، أمّنت التجارة الداخلية نحو 47.3% منها، في مقابل 34.7% في الخدمات العامّة والخاصّة، و10% في البناء.
أكثر من ذلك، تبيّن البيانات الصادرة عن الدوائر الضريبية في وزارة المال أن 79% من الشركات اللبنانية لا تصرّح عن أي عمالة لديها، وهي إمّا شركات فردية وعائلية، مثل دكاكين الأحياء أو ورش التصليح، أو شركات لا يتطلّب نشاطها وجود موظّفين أساساً، مثل الشركات العقارية التي تتأسّس لتملّك العقارات وتبادلها عبر شراء الأسهم لتجنّب دفع رسوم تسجيل العقارات، أو شركات أوف شور يؤسّسها أفراد يتعاملون مع الخارج، أو بكل بساطة شركات تكتم عمّالها ولا تصرّح عن أجورهم... في المقابل، يبلغ عدد الشركات التي تصرّح عن وجود عمّال لديها نحو 21.388 شركة فقط (21% من مجمل الشركات)، نصفها تقريباً يستخدم أقل من 5 عمّال، في حين أن 3% منها، أي 605 شركات، تصرّح عن وجود أكثر من 100 عامل لديها.
وفقاً للاقتصادي كمال حمدان «هناك علاقة بين إنتاجية العمل وحجم المؤسّسة، وبالتالي عندما تكون غالبية الشركات لديها أقل من 5 موظّفين، والنسبة الأكبر منها تعمل في الأنشطة الخدماتية والتجارية والعقارية التي تعدُّ أنشطة متدنّية القيمة المُضافة، فذلك دليل على وجود مشكلة بنيوية، تظهر في وجود قطبين أساسيين، هما: الشركات الصغيرة (نحو 90%) والشركات الكبيرة (أقل من 1%)، مع صعوبة التحوّل من قطب إلى آخر عبر الفئات المتوسّطة (نحو 9%) من دون التعثّر أو الإغلاق. وهو ما يعني أن هناك قيود بنيوية تمنع الشركات من أن تكبر وأن تخلق فرص العمل، لمصلحة توسّع شركات كبيرة متجذّرة منذ عقود، ومستفيدة من ترابط الاقتصاد والسياسة».

ثلث الأسر اللبنانية يعيش بأقل من 800 دولار شهرياً


سوء توزيع المداخيل والثروة هو سمة بارزة في الاقتصاد اللبناني، وأحد أبرز وجوه الخلل البنيوي الحاصل في هذا النظام. فوفقاً لدراسة حول الأحوال المعيشية للأسر في لبنان، صادرة عن «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق»، يتبيّن أن أكثر من نصف الأسر المعيشية في لبنان (56%) يتراوح دخلها الشهري بين 800 و3300 دولار أميركي، فيما أكثر من ثلث الأسر المعيشية (38.9%) لا يتجاوز دخلها الشهري 800 دولار أميركي، و5.2% فقط من الأسر يتجاوز دخلها الشهري 3300 دولار أميركي.
وبالاستناد إلى متوسّط مداخيل الأسرة المحسوبة على أساس إجمالي الرواتب الشهرية للأفراد العاملين ضمنها، يتبيّن أن نحو ثلث الأسر اللبنانية المقيمة (33.6%) يعيش تحت مستوى خط الفقر الأعلى، والذي جرى تقديره بنحو 6.3 دولارات للفرد الواحد يومياً حتى عام 2013. في حين تصل نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر الأدنى المقدّر بنحو 4.1 دولارات للفرد يومياً إلى 15.2%. وتبلغ هذه النسب أعلاها في محافظات الجنوب والنبطية والشمال والبقاع.
الجدير ذكره أن الدراسات في أواسط التسعينيات أظهرت وجود 50 بؤرة فقر موزّعة على مناطق طرفية تعاني من إهمال تاريخي وانهيار الزراعة. والآن، بعد مرور نحو عشرين عاماً، تبيّن أرقام المسح تفشّي هذه البؤر في كامل الجغرافيا اللبنانية، بما في ذلك المنطقة المركزية والمدن الرئيسة المُزدهرة سابقاً. وممّا لا شك فيه أن تدهور قطاعات الإنتاج السلعي ألحق أضراراً فادحة باقتصادات الأرياف، وحوّل الهجرة الداخلية إلى عبء متعاظم على كاهل المدن، التي تضرّرت بدورها من انهيار قطاع الخدمات وسيطرة الاقتصاد الريعي.

لا تنفق الدولة سوى 150 دولاراً سنوياً على الفرد لتجهيز البنية التحتية

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

بلغ متوسّط الإنفاق الاستثماري العامّ، بين عامي 1992 و2017، نحو 600 مليون دولار سنوياً، ما يعني أن الدولة لم تنفق سوى 150 دولاراً على الفرد سنوياً في مجالات تجهيز البنية التحتية والخدمات العامّة الأساسية، مثل الكهرباء والهاتف والنقل والمياه والصرف الصحّي والنفايات ومرافق التعليم والصحّة والمباني الحكومية وحماية البيئة والريّ الزراعي... وهو ما يدفع المواطن ثمنه يومياً على الطرقات، ولدى طلب الاستشفاء، وعند أوّل شتوة...
وفقاً لتقرير مجلس الإنماء والإعمار السنوي، أنجز مجلس الإنماء والإعمار مشاريع بقيمة 10.3 مليارات دولار، بين عامي 1992 و2017، وهناك مشاريع لا تزال قيد التنفيذ بقيمة 4.5 مليارات دولار، أي أن مجمل العقود التي نفّذها وينفّذها المجلس منذ ربع قرن لم تتجاوز قيمتها 14.8 مليار دولار. وهي قيمة منخفضة جدّاً بكل المقاييس، وتفسّر أحد أهمّ الأسباب وراء تراجع الخدمات العامّة وتدهور التجهيزات المختلفة وضعف قطاعات الإنتاج والمعرفة. في المقابل، أنفقت الحكومة خلال الفترة نفسها، أكثر من 216 مليار دولار، وراكمت ديوناً بقيمة 85 مليار دولار حتّى الآن، إلا أنها لم تُخصّص سوى 6.8% من إنفاقها العامّ لتجهيز البنية التحتية وصيانتها وبناء المرافق اللازمة لتوفير الخدمة العامّة، في حين خصّصت ثلث إنفاقها لخدمة الدين العامّ (77 مليار دولار حتّى نهاية عام 2017).
ماذا كانت النتيجة؟ ما نراه اليوم. تراكمت أزمات الكهرباء والمياه والصرف الصحّي وتراجعت نوعية الطرقات والاختناقات المرورية وتدهورت البيئة والأراضي الزراعية وقطاعات الإنتاج وانخفضت جودة التعليم والخدمات الصحية العامّة. لماذا؟ وفق تقرير مجلس الإنماء والإعمار لا يكمن السبب في الاستثمار العامّ بل في ضآلته وسوء توزيعه وتجييره في خدمة مصالح خاصّة، كما في السياسات العامّة والفساد والمحاصصة.

83 % نسبة ارتفاع كلفة التعليم في لبنان خلال عقد


اتسمت مرحلة ما بعد الحرب الأهلية بتهميش دور التعليم الرسمي، سواء من خلال حصّته المتدنّية من الموازنات المتعاقبة، أو من خلال الإهمال الإداري وإدخال مؤسّساته في منظومة المحاصصة. وهو ما أدّى تدريجاً إلى اتجاه معظم اللبنانيين إلى التعليم الخاص كبديل. وهذا ما تؤكّده إحصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء التي تبيّن أن 31% فقط من الطلّاب في كلّ قطاعات التعليم في لبنان يقصدون المدارس والجامعات والمهنيات الرسمية، بينما تتوزّع النسبة الباقية على مختلف مؤسّسات التعليم الخاص. فعلى صعيد التعليم الجامعي مثلاً، تراجعت نسبة الملتحقين بالجامعة اللبنانية من 45% إلى أقل من 38% بين عامي 1992 و2017.
هذا الواقع، استفاد منه القطاع التعليمي الخاص، الذي وجد في تردّي واقع التعليم الرسمي فرصة للتمادي في رفع كلفة التعليم على الأسر على مدى السنوات، وتوسيع هامش الربحية، بحيث ارتفعت كلفة التعليم بنسبة 83% بين عامي 2008 و2019 وفقاً لبيانات إدارة الإحصاء المركزي، من دون أن يترافق ذلك مع أي زيادة في أجور القطاع الخاصّ منذ عام 2012، التي ارتفعت كلفة التعليم من حينه وحتى آب/ أغسطس 2019 بنسبة 28%، وتأتي هذه الزيادة على حساب القوة الشرائية للأسر وقدرتها على تأمين احتياجاتها الأخرى.

نصف اللبنانيين لا يملكون أي تغطية صحيّة!
لا تتوافر التغطية الصحية إلا لنحو 50% من مجمل اللبنانيين المقيمين، وفق ما تبيّن دراسة «أحوال الأسر المعيشية» الصادرة عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق الصادرة في نهاية عام 2017. إلّا أن هذه النسبة ترتفع أكثر إذا ما أضفنا إليها اللاجئين والعمّال الأجانب في لبنان. وهو ما يعني أن أكثر من نصف المقيمين في لبنان لا ينعمون بأي تغطية صحيّة ويتحمّلون تكاليف الاستشفاء والطبابة وشراء الأدوية من ميزانيتهم الخاصّة، بحيث تقدّر الدراسات المختلفة أن الإنفاق الصحي في لبنان يستنزف أكثر من 15% من ميزانية الأسر، على الرغم من أنه لا يتضمّن تكاليف بعض الإجراءات التي يحرمون منها نظراً لكلفتها العالية.
أكثر من ذلك، تشير بيانات وزارة الصحة العامّة إلى أن الأفراد يتحمّلون 69% من كلفة الاستشفاء والطبابة، فيما تتكفّل الميزانية العامة بنحو 31% من هذه الكلفة، والتي قدّرتها بنحو 3.1 مليارات دولار في عام 2012، ووصلت إلى 4.32 مليارات دولار في عام 2018 وفقاً لمؤشّر BMI، وتُعَدّ هذه النسبة الملقاة على عاتق الأسر مرتفعة جدّاً مقارنةً ببلدان أخرى، فوفقاً لمنظّمة الصحّة العالمية، تبلغ كلفة الطبابة التي تتحمّلها ميزانية الدولة 38% في مصر، و70% في الأردن، وهي تصل إلى 78% في فرنسا ونحو 85% في النرويج.

كلفة الاتصالات في لبنان أعلى 4 مرّات من البلدان المشابهة
يبيّن تقرير لجنة الإعلام والاتصالات النيابية المقدّم في أيلول/ سبتمبر الماضي أن كلفة الاتصالات الخلوية في لبنان هي من الأعلى في العالم، إذ تزيد أكثر من 4 أضعاف عن الكلفة المُترتبة على كلّ مشترك في الأردن الذي يتمتّع بخصائص مشابهة. إلّا أن الإقرار بأن فاتورة الخلوي هي من الأعلى في العالم ليس بالأمر الجديد، فهو واقع معروف وموثّق في تقارير عدّة، من ضمنها دراسة أعدّها وزير الاتصالات السابق شربل نحّاس في عام 2010 تبيّن أن ثلثي فاتورة الخلوي التي يُسدّدها المشترك هما ضرائب ومكوّنات شبه ضريبية. بالإضافة إلى دراسة صادرة عن جمعيّة حماية المستهلك في عام 2014 تبيّن أن أسعار خدمات الخلوي في لبنان تزيد بما لا يقلّ عن 3 مرّات عمّا هي عليه في فرنسا، على الرغم من التفاوت في نوعية الخدمات.
عملياً، يتكوّن سعر خدمة الخلوي في لبنان من مكوّنين أساسيين وهما: 1) السعر التجاري الذي تندرج ضمنه النفقات التشغيلية والرأسمالية وربحية الشركتين المُشغّلتين، علماً أنه من الأغلى في العالم نتيجة الطبيعة الاحتكارية في قطاع الخلوي فضلاً عن الهدر والإنفاق غير المجدي، و2) سعر ضريبي وشبه ضريبي تفرضه الدولة لتغذية الخزينة العامّة، قد يكون استثنائياً ولا مثيل له إلّا في البلدان المتخلّفة تكنولوجياً، نظراً لتأثيراته السلبية على تطوّر الاقتصاد والاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية.

شخصاً من كلّ شخصين لا يستطيع الاقتراض لتملّك مسكنه


في رسالة الدكتوراه التي أعدّها الباحث والمخطّط المديني برونو مارو عن القطاع العقاري في لبنان، يعرض في أحد الفصول أعداد المستفيدين من القروض السكنية والشرائح التي ينتمون إليها، ويرسم صورة لـ«مجتمع الإيجار» في لبنان، بحيث يتبيّن أن مجمل القروض السكنية استفادت منها الطبقة الوسطى والأغنياء في سوق بيروت الكبرى، فيما ذوو الدخل المنخفض والفقراء كانوا خارج هذه المعادلة. فوفقاً للبنك الدولي، فإن 47% من اللبنانيين فقط لديهم حسابات مصرفية، و27% من الـ40% الأكثر فقراً فقط لديهم حسابات مصرفية، وهذا يعني أن شخصاً من بين كلّ شخصين لا يستطيع الاقتراض لتملّك مسكنه. وبالإضافة إلى ذلك، تبيّن الإحصاءات التي يوردها الباحث، أن 42% من العمّال النظاميين لا يوجد لديهم الدخل الكافي والدائم للحصول على القرض السكني، كذلك فإن العمّال اللانظاميين هم بحكم الواقع خارج الحساب أساساً، وبالتالي يلجأ كل هؤلاء إلى الإيجار للسكن. إلّا أن سوق الإيجارات غير المنظّمة تشكّل عبئاً على الأسر، إذ تستحوذ على 28.5% من دخل الأسرة على الصعيد الوطني و36% في بيروت، وهو ما يُشجّع، بطريقة غير مباشرة، الأسر الفقيرة وذات الدخل المتدني على التملّك من خلال الرهن العقاري، على الرغم من أعبائه المرتفعة ومخاطره عليها.