يبدو أن إحدى الظواهر الاقتصادية الرئيسية في عصرنا هي التراكم الهائل لثروة النخبة وسط تزايد عدم المساواة داخل الدول حتى عندما كان في الإنتاج والإنتاجية، لا سيما منذ الركود العظيم، متواضعاً في معظم أنحاء العالم.في كتابه ”الرأسمالية من دون رأس المال“ يجمع آلان شيبمان ثروة من الأفكار الاقتصادية، من نظرية فائض المدخرات العالمية وخلافات كامبريدج في نظرية رأس المال إلى كتابات توماس بيكيتي حول عدم المساواة، ليقول إننا نعيش في عصر ”الثروة“ الوفيرة إلى جانب نقص الأصول الرأسمالية المنتجة الحقيقية. ولا يزال النمو في الأخيرة هو المحرك لارتفاع مستويات المعيشة للأغلبية.
يقضي شيبمان بعض الوقت في مناقشة معاني الثروة ورأس المال، وهو أمر لا يزال مهملاً في علم الاقتصاد السائد. وينتقد خلط بيكيتي بين الاثنين، بحجة أن الأصول مثل السكن يمكن أن تكون ثروة، لكن قيمتها لا تساهم كثيراً في ارتفاع مستويات المعيشة وتراكم رأس المال على المدى الطويل. تميل التقلبات في أسعار المساكن إلى إعادة توزيع الثروة أكثر من خلقها للاقتصاد ككل. يخضع الإسكان والأصول المالية على نطاق أوسع لمكاسب وخسائر «رأس المال»، مما يربك الأمور عندما يتعلق الأمر بتعريف الثروة ورأس المال بشكل منفصل.
تنصّ فرضية فائض المدخرات العالمية، على أن فائض المدخرات الإجمالية على الاستثمار في اقتصادات مثل الصين واليابان وألمانيا، ولا سيما في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، أدّى إلى انخفاض أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى حدوث طفرات في أسعار الأصول في العديد من الاقتصادات، أولاً في الأسواق المالية ثم في السكن. وقد ساعد ذلك على تعزيز النمو الاقتصادي لفترة من الوقت، لكن ثبت في النهاية أنه أمر غير مستدام عندما ثبت استحالة استمرار الاتجاه المرتبط بارتفاع الديون.
هكذا وجدت الكثير من هذه المدخرات الزائدة طريقها إلى الأصول المالية بدلاً من الاستثمار في قدرة جديدة لدفع نموّ أسرع في النشاط الإنتاجي. يبدو أن الحوافز للاستثمار في رأس المال الإنتاجي الجديد قد تضاءلت بينما شجعت الثروة المالية المتزايدة تضخم أسعار الأصول ربطاً بتوقع ارتفاع أسعارها.


إذا وافقنا على الفصل الوظيفي بين معنيي الثروة ورأس المال، فإن النموّ في قيمة الأول قد تجاوز الثاني. نتيجة لذلك، كان هناك نقص نسبي في عرض الأصول الجديدة «القادرة على تخزين الثروة وزيادتها بشكل موثوق» وفقاً لشيبمان، ما أدى إلى تضخم أسعار الأصول وجذب مدخرات جديدة إلى الأصول المالية.
تغذّى تضخم أسعار الأصول على نفسه، وقلّل من الحوافز للاستثمار في توسيع القدرة الإنتاجية الحقيقية. هكذا نشأ فائض من الثروة القابلة للاستثمار إلى جانب نقص الأموال المخصصة للاستثمار الصناعي. بعبارة أخرى، لدينا ندرة في السلع الرأسمالية الحقيقية مقابل تركّز متزايد للثروة ناتج من تضخّم أسعار الأصول وندرة إصدار الأصول المالية الجديدة لتمويل الاستثمار الإنتاجي المتزايد.
هذه العملية غير مستدامة، لأن ارتفاع أسعار الأصول المالية يعتمد في نهاية المطاف على النمو الاقتصادي الحقيقي الذي يعتمد بدوره على زيادة الإنتاجية من زيادة الاستثمار المنتج. ورغم التوسع الحديث في تعريفات رأس المال، في مجالات مثل رأس المال البشري ورأس المال الاجتماعي وما إلى ذلك، لا يزال الاستثمار في المعدات والقدرات الجديدة أمراً حيوياً لرفع مستويات المعيشة في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء. لكن الاقتصاد العالمي اليوم يشهد انفصالًا بين الثروة ورأس المال، على حدة.
يناقش كتاب شيبمان جميع أنواع القضايا ويثير أسئلة لا يحاول الإجابة عنها. لكن ما سأحاول الإجابة عليه هو سبب تراجع الاستثمار لجهة صلته بفائض المدخرات.
بالنسبة لي، فإن الحجة الأكثر إقناعاً هي أن وفرة المدخرات نفسها هي الجانب الآخر من نقص الاستهلاك، أو انخفاض في حصّة الاستهلاك من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للإنتاج. الفرق بين الاستهلاك والإنتاج هو المدخرات. إذا لم يقابل هذه المدخرات استثمار في طاقة إنتاجية جديدة، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف الطلب المحلي. بدلاً من ذلك، يمكن أن تجد فائض المدخرات طريقها إلى المضاربة على الأصول المالية، أو يمكن تصديرها إلى الخارج. لأن المدخرات والاستثمارات العالمية يجب أن تتوازن، فإن زيادة المدخرات على الاستثمار في بلد واحد يجب أن تعني أن هناك فائضاً في الاستثمار على المدخرات في بقية العالم. إذا تم بالفعل تصدير فائض المدخرات من البلد الأصلي فسينتج عنه مزيج من زيادة الاستثمار وانخفاض المدخرات (وبالتالي زيادة الاستهلاك) وزيادة الديون في بقية العالم.

* نشر في: The socialist & The Political Economy of developement

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا