بحسب تقرير «دويتشه بنك»، هناك 188 لقاحاً محتملاً يتم العمل عليها حالياً. إنتاج لقاح يتطلّب المرور بثلاث مراحل كي ينال الموافقة على الإنتاج والتوزيع التجاري. لغاية اليوم، ثمانية لقاحات وصلت إلى المرحلة الثالثة والأخيرة التي تسبق الموافقة على بدء الإنتاج والتوزيع، بينما ثلاثة لقاحات حصلت على «موافقة طارئة» لإنتاج كميات كبيرة وإجراء اختبارات المرحلة الثالثة على نطاق واسع جداً هي «سبوتنيك 5» الروسي، ولقاحان صينيان. تاريخياً تشير الأرقام إلى أن 60% من الأدوية التي تصل إلى المرحلة التجريبية الثالثة تحصل على الموافقة، و85% من لقاحات الأمراض المعدية التي تصل إلى هذه المرحلة تحصل على الموافقة أيضاً.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

اللافت أنه من بين اللقاحات الثمانية في المرحلة التجريبية الثالثة، هناك ثلاثة لقاحات تشارك في تطويرها إحدى الشركات العشر الكبيرة في العالم. وفي هذا السباق المحموم للحصول على اللقاح، تحاول الدول حجز كمّيات مسبقة من أكثر من لقاح. بعض الدول بدأ يحجز جرعات من الآن. الولايات المتحدة حجزت 300 مليون جرعة من اللقاح الذي تطوّره شركة «استرازينيكا»، و100 مليون من اللقاح الذي تطوّره «فايزر»، و100 مليون من اللقاح الذي تطوّره شركة «مودرنا». أما دول الاتحاد الأوروبي فقد حجزت حتى الآن 300 مليون جرعة من «استرازينيكا»، و80 مليون جرعة من «مودرنا». اليابان حجزت 120 مليون جرعة من «استرازينيكا» و40 مليون جرعة من «مودرنا» و 120 مليون جرعة من «فايزر».
هذا الطلب يعادل نحو 1.18 مليار جرعة. هو حجم الطلب المعلَن حتى الآن. ربما هناك دول أخرى حدّدت طلباتها من الجرعات من دون الإعلان. أصلاً الطاقة الإنتاجية لشركات التصنيع قد لا تكون قادرة على إنتاج هذه الكميات خلال وقت قصير. التوقعات ضبابية بعض الشيء. لكن بمعزل عن كمّية الجرعات المحجوزة مسبقاً، فمن هي الدول التي يوافق سكّانها على أخذ اللقاحات؟ بمعنى آخر، هذا هو الأمر المهمّ بالنسبة إلى شركات التصنيع: حجم السوق المتاحة ومدى المنافسة فيها؟ بحسب استبيان نفّذه فريق «دويتشه بنك» لأكثر من 5500 شخص في فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة بشأن انفتاحهم على أخذ اللقاح فقد جاءت النتائج على النحو الآتي: 61% هي نسبة الذين يريدون تلقي اللقاح في فرنسا، و70% في إيطالياً، و72% في إسبانيا، و78% في بريطانيا، و75% في الولايات المتحدة.
إذاً، يعدّ اللقاح «المخلّص» لدول مثل إسبانيا وإيطاليا وفرنسا. وهو أيضاً أداة سياسية يستعملها ترامب كأحد الوعود الانتخابية الكثيرة التي يطلقها قبل بضعة أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرّرة في تشرين الثاني، فضلاً عن أن تسمية اللقاح الروسي «سبوتنيك 5» تشي بأنه رسالة سياسية أيضاً تستعيد ذكريات الحرب الباردة. ولا يغفل أحد عن أن الصين التي أصبحت في مراحل متقدمة في إنتاج لقاح لفيروس كورونا، قادرة على استثمار هذا الأمر من ضمن سياساتها الاستراتيجية.
وهذا اللقاح يأتي في ظل سوق دواء عالمية تقدّر بنحو 1.2 تريليون دولار في عام 2018. نصيب الولايات المتحدة الأميركية من هذه السوق كان 40.4%، مقابل 11.1% للصين و7.1% لليابان. وتستحوذ أكبر عشر شركات أدوية على 41.7% من حجم السوق، بينما كان نصيب باقي الشركات في العالم 58.3% من السوق العالمية، ما يعني أن التركّز مرتفع في إنتاج الأدوية واستفراد شركات بإنتاج أدوية معينة واحتكارها وهو الأمر الذي انعكس، على مدى العقود الماضية، ضعفاً في عمليات الأبحاث والتطوير وتركيز الاستثمار في مجالات محدّدة أكثر ربحية للشركات.
على أي حال، إن وجود عدد كبير من اللقاحات في المرحلة التجريبية الثالثة يعني قرب الموافقة على إنتاج ما لا يقلّ عن ستة من أصل ثمانية، قياساً إلى نسب الموافقات التاريخية للقاحات المرحلة الثالثة. هذا يعني أننا قد نصل إلى إنتاج لقاح خلال أقل من سنة على بدء انتشار الوباء. هذه تعدّ مدّة قصيرة جداً دوافعها سياسية وتجارية، وليست طبية أو إنسانية كما تشي التصريحات السياسية بشأن اللقاح، ومسارات التعامل مع الوباء في مختلف الدول، فضلاً عن السرعة أو التسرّع (؟) في التجارب وصولاً إلى الإنتاج. أصلاً تبيّن أن النظام الصحي العالمي بات مهترئاً في النظم القائمة التي لا ترى سوى: الربح الكثير. سرعة التوصل إلى لقاحات مثيرة للشكوك: لماذا لم نتوصل إلى لقاحات لأوبئة أخرى في مثل هذه السرعة. «إيبولا» فتك بقارة أفريقيا لكن اللقاح استغرق خمس سنوات. أما اليوم فاللقاح يأتي بعد أقل من سنة: نسبة نجاح اللقاحات تعني ازدياد الطلب عليها، وهو أمر يمكن الاستفادة منه سياسياً ومادياً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا