الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يحافظ الآن على النظام الرأسمالي من خلال خلق طوفان غير متناهٍ من الأموال المصدّرة إلكترونياً. يخلقها من العدم ويجعلها متاحة بأسعار فائدة بالكاد تفوق صفراً في الميئة. باختصار، هو يوفّر الأموال بشكل مجاني بسبب عدم قدرة النظام الرأسمالي على العمل من دون عمليّة خلق الأموال هذه. هذا ما أعنيه بأن النظام الرأسمالي يعيش الآن على «دعم الحياة»لنشرح هذا الأمر: هذه السنة (2020) (الماضية)، بدأ الاحتياطي الفيدرالي بإقراض الأموال للشركات بشكل مباشر. أنت شركة بحاجة إلى المال؟ شركة تعاني من أزمة؟ اتّخذت خياراً خاطئاً؟ لديك تكنولوجيا سيئة؟ تفوّقت عليك الشركات الصينية؟ مهما كانت المشكلة ها هي الطريقة الأسهل والأسرع لمعالجتها: خذ أموالاً مجانية. هكذا يخلق الفيدرالي الأموال ويقرضها للشركات، وهذا ما يُسمّى بـ«السياسات النقدية».
لكنّ الحكومة الأميركية تدعم حياة النظام الرأسمالي بطريقة أخرى، وهي السياسات المالية. بهذه السياسات تخفّض الحكومة الضرائب، فيصبح لدى الأفراد والشركات أموال أكثر لإنفاقها، وفي الوقت نفسه تزيد الحكومة من إنفاقها أيضاً. إلا أنه عندما تخفض الحكومة الضرائب وتزيد الإنفاق، كما فعلت إدارة ترامب، يخلق هذا الأمر عجزاً في موازنتها العامة. ولتغطية هذا العجز تلجأ الحكومة إلى الاستدانة. فما يحصل هو أن الحكومة الفيدرالية تستدين الأموال، بتريليونات الدولارات، فتوزّع سندات الخزينة لكل مموّل (مصارف، شركات، أغنياء، مستثمرين) ثم يقوم هؤلاء بإعادة بيع هذه السندات بعد دقائق من الحصول عليها، إلى الاحتياطي الفيدرالي، الذي بدوره يستعمل المال الذي يخلقه لشرائها. بهذه الطريقة تستطيع الحكومة الفيدرالية أن تنفق أكثر مما تجني من الضرائب وتدعم بهذا الإنفاق اقتصاداً ميتاً، وفي المقابل يجلس الاحتياطي الفيدرالي على جبل من سندات الخزينة التي اشتراها.
هكذا يحافظ الاحتياطي الفيدرالي على الرأسمالية؛ بشكل مباشر من خلال إقراض الشركات، وبشكل غير مباشر من خلال إقراض الحكومة الفيدرالية لتغطية عجزها الضخم.
ما يعنيه كل هذا هو أن هذا النظام الرأسمالي أصبح ميتاً. لا يعمل. هذه حال «الشركة الزومبي» التي تكون أرباحها غير كافية لتغطية الفوائد المترتبة على ديونها فتصبح الطريقة الوحيدة لبقائها هي عبر الاستدانة لتغطية الديون السابقة. هذه حالة الرأسمالية الأميركية الآن. هذا هو الواقع ولا أحد يعترض عليه من جميع الأطراف، سواء الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، لأن لا أحد يريد أن يقول بأن هذا النظام انتهى.
لا يمكن للفيدرالي الأميركي أن يدير هذه اللعبة من دون موافقة الحكومة. هي الحكومة نفسها التي تفرض الضرائب على عدد كبير من الناس، وتعود للاقتراض من الفيدرالي لتغطية العجز. لذا، فإن جميع الأطراف موافقة على ما يحدث. والواضح أن هذه السياسات تموّل حالة اللامساواة الأكثر تطرفاً في تاريخ الولايات المتحدة. فأغنى 50 مليارديراً في أميركا جنوا الأموال بطريقة خيالية في الأشهر السبعة الأخيرة. كانت جائحة «كورونا» بمثابة أخبار جيدة بالنسبة إليهم. قد يعاني الناس العاديون من المصاعب خلال هذه الأزمة، لكن اللامساواة تنمو بشكل كبير. ونحن (الأميركيين) من خلال الضرائب التي ندفعها، نموّل الحكومة لتجعل كل هذا ممكناً. قد يكون النظام الرأسمالي في حالة موت سريري، لكن الأغنياء لا يزالون يجنون الأرباح بالطريقة نفسها.

ريتشارد ديفيد وولف
هو عالم اقتصاد أميركي يشتهر بماركسيته وبعمله على المنهجيات الاقتصادية والتحليل الطبقي، وهو أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة «ماساتشوستس أمهيرست». وهذا النصّ هو أحد فيديوهاته المصوّرة التي ينشرها على قناة يوتيوب