في شباط الماضي نشر توركيل لاوسن، مقالة في «شبكة مناهضة الإمبريالية» بعنوان «حالة العام الجديد 2021» يناقش فيها عدداً من سمات الرأسمالية العالمية، والتحدّيات التي تواجهها في هذه المرحلة. هذا المقال هو ملخّص مع قراءة سريعة لأبرز ما ورد في هذه الورقة التي تخلص إلى أن الرأسمالية تعاني من ثلاث أزمات؛ أزمة مالية ازدادت حدّة بسبب كلفة مواجهة «كورونا»، وأزمة سياسية ناتجة من تراجع تأثير المؤسسات العالمية التي كان يفترض أن تنظّم الرأسمالية العالمية بفعل احتدام القومية والتنافس، وأزمة مناخيّة تسبّب كوارث واسعة النطاق
تميّزت سنة 2020 بانتفاضات من حركة Black Lives Matter في الولايات المتحدة الأميركية، إلى تحركات مناهضة للنيوليبرالية في فرنسا، إلى انتفاضات شعبية متأتية من أزمات اقتصادية أو سياسية كما في أندونيسيا، تايلاند، لبنان، العراق، إيران، جنوب أفريقيا، تشيلي، الأرجنتين، وبوليفيا. كذلك شهد العام الماضي، اشتداد حدّة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين الشعبية وتحوّلها إلى ما يشبه الحرب الباردة، ثم تفشّي جائحة كوفيد- 19 في شهر آذار.

277

تريليون دولار هو قيمة مجمل الدين العالمي عام 2020 وهو يشكّل زيادة بـ15 تريليون دولار عن العام السابق


كوفيد-19
ينطلق الكاتب من الإشكالية التي واجهت ولا تزال مراكز القرار الحكومية حول العالم: نغلق البلاد لإنقاذ الأرواح أم نستمرّ بالعمل لإنقاذ الاقتصاد. لاوسن يتساءل: كيف كان بإمكان السياسيين - الذين لم يجدوا الأموال سابقاً لمعاجلة المسائل البيئية والاجتماعية - أن يجدوا مئات مليارات الدولارات لإنقاذ النظام؟ طبعاً هناك إجابات؛ أولاً، تتعرض الحكومات لضغط شعوبها، وقد يتم إسقاطها في حال فشلت في مواجهة الجائحة. ثانياً، كانت الجائحة مفاجئة بشكل لم يسمح لأصحاب الأعمال تشكيل اللوبيات ومجموعات الضغط للدفاع عن مصالحهم. ثالثاً، الفيروس سريع العدوى والحركة بين الحدود والدول. إلا أن المفارقة التي يطرحها الكاتب، هي أن معالجة الجائحة بإجراءات مؤقتة كالإغلاق مثلاً، وإن رتّبت خسائر على رأس المال، إلا أنها تسهم في إنقاذ النظام على عكس معالجة مسألة المناخ، مثلاً، التي تتناقض مع الملكية الخاصة ونمط الإنتاج الرأسمالي بحدّ ذاته. لذلك، لم يكن غريباً أن نرى ما يسميه الكاتب «كينزية الكورونا» وألا نسمع أصوات النيوليبراليين واعتراضهم على تدخل الحكومات وإنفاقها.

الأزمة المالية
لقد سبّبت حزم الإنفاق لمواجهة جائحة كورونا ببلوغ مجمل الدين العالمي 277 تريليون دولار أميركي، أي بزيادة بلغت 15 تريليون دولار عام 2020. هذا الرقم يشكل 365% من مجمل الناتج العالمي. لم يكن كوفيد-19 سبب الأزمة الاقتصادية، بل ربما سرّع أو فاقم بعض المشاكل في نظام مأزوم منذ أزمة 2007-2008 المالية. الدواء الذي عولجت فيه الأزمة، حينذاك، ربما أطال عمر النظام إلا أنه لم يعالج المشكلة. معدلات الفائدة المنخفضة عبّرت عن ضعف في ربحية فرص الاستثمار في الإنتاج وبالتالي تباطؤ في نموّ الاقتصاد الحقيقي. منذ عام 2008 كان معدل نمو الناتج المحلي للاقتصادات الكبرى عالمياً، باستثناء الصين، أصغر من المعدل في أي عقد بعد الحرب العالمية الثانية. في الوقت عينه، تضاعف الدين العالمي بين عامَي 2008 و2018. هذا الدين الكبير من شأنه أن يهدّد بشلّ الاقتصاد العالمي.

التنافس
من سمات المرحلة بحسب لاوسن، أنّ أربعين عاماً من العولمة النيوليبرالية المحكومة بالهيمنة الأميركية تتآكل اليوم بفعل صعود دول وطنية في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب. والتنافس بشكل أساسي حالياً بين الولايات المتحدة والصين وروسيا. بحسب تقرير لصندوق النقد الدولي فإن الصين ستستحوذ على 51% من نمو الاقتصاد العالمي بحلول 2020-2021 في وقت تشهد الاقتصادات الأميركية، الأوروبية، واليابانية ركوداً. ولمواجهة هذا الصعود أعلن ترامب ضرورة الهيمنة العسكرية في الفضاء للولايات المتحدة، وانسحب من اتفاقيات نزع السلاح وطلب موازنة عسكرية بقيمة 705 مليارات دولار للسنة المالية 2021، رفعها الديمقراطيون في كانون الأول إلى 740 مليار دولار. يجمع الجمهوريون والديمقراطيون في أميركا على أن الصين هي العدو الرئيسي للولايات المتحدة. لكن عزل الصين على نسق الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي لم يعد ممكناً بسبب قدراتها الإنتاجية. نصف القدرة الاستيعابية لإنتاج الإلكترونيات في العالم تقع في الصين. لذلك تقوم الاستراتيجية الأميركية على إزاحة الحزب الشيوعي الصيني من السلطة واستبداله بنظام حليف للنظام الأميركي. ومن هنا التركيز على دعم هونغ كونغ التي يتأمل الأميركيون، في حال نجاحهم فيها، أن تكون نقطة البداية والانطلاق لتعميم الديمقراطية الليبرالية إلى كامل الصين.

غرينلاند
يؤدّي التنافس المذكور آنفاً إلى تزايد في الحيوية الإمبريالية القائمة على السيطرة الإقليمية. هناك دول صغيرة مثل الدنمارك، تجد نفسها وسط الصراع بين الولايات المتحدة والصين وروسيا. من هذه الزاوية يجب النظر إلى الاهتمام الأميركي بشراء غرينلاند في عام 2019. إن تغير المناخ سيجعل طرق الشحن جنوب وشمال غرينلاند ذات أهمية استراتيجية وسيجعل أراضيها نقطة مثالية لإطلاق الصواريخ العابرة للقارات وتعقبها. تم رفض عرض الولايات المتحدة لشراء غرينلاند، إلا أن الدنمارك تتكيف مع الوجود الأميركي المتزايد. في حزيران 2020، افتتحت الولايات المتحدة قنصلية في نوك، وزار وزير الخارجية الأميركي بومبيو، الدنمارك في تموز 2020 لمناقشة قضية غرينلاند. في تشرين الأول، تبنّت الولايات المتحدة وغرينلاند والدنمارك اتفاقية بشأن المبادرات العسكرية الجديدة بالإضافة إلى برامج التجارة والاستثمار في غرينلاند.
تهدف الإجراءات الأميركية الأخرى إلى تجميد الاستثمار الصيني. عرضت الولايات المتحدة على حكومة الحكم الذاتي في غرينلاند «المساعدة في تقييم الاستثمار الأجنبي». في الاجتماع بين الولايات المتحدة وحكومة غرينلاند والدنمارك في تشرين الأول 2020، كانت الصين على جدول الأعمال. حذّر الأميركيون غرينلاند: «... كيف تحاول الصين الحصول على موطئ قدم في القطب الشمالي. أشرنا إلى أن الصين ليست دولة قطبية ويجب أن تكون غرينلاند على علم بذلك».

لقد عمّق استخراج الموارد بهدف تأمين نمو رأس المال والاستهلاك التناقض بين البيئة وبين آليات الإنتاج الرأسمالية


هواوي
هواوي هي أكبر شركة صينية خاصة. تمتلك أفضل وأرخص تكنولوجيات الجيل الخامس 5G. وفي حين تُعد نوكيا الفنلندية وإريكسون السويدية الشركتين الأوربيتين الوحيدتين اللتين تمتلكان تكنولوجيا الجيل الخامس، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى عدم قدرتهما على تأمين تكنولوجيات بسرعة ورخص تلك الخاصة بهواوي. قامت الشركات الأميركية بحظر تسجيل برامج الهواتف الخاصة بها على أجهزة هواوي. وفي كانون الأول 2018، قامت كندا باعتقال مينغ وانشو، المديرة المالية لشركة هواوي بناءً على طلب أميركي على خلفية اتهامات بالتجارة مع إيران وخرق العقوبات المفروضة عليها. كذلك تضغط الولايات المتحدة على دول أوروبية لمنع التعامل مع هواوي واستخدام تكنولوجياتها بذريعة التخوف من التجسّس لمصلحة الدولة الصينية.

الأزمة المناخية
تتفاقم الأزمة المناخية وباتت تبعاتها ملموسة اليوم. لقد عمّق استخراج الموارد بهدف تأمين نمو رأس المال والاستهلاك التناقض بين البيئة وبين آليات الإنتاج الرأسمالية. على مرّ المئة سنة الماضية، كانت الولايات المتحدة الأميركية، كندا، أوروبا، اليابان، وأستراليا مسؤولة عما نسبته 61% من مجمل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عالمياً. الصين والهند مسؤولتان عن 13%، حصة روسيا بلغت 7%، و15% لباقي دول العالم. هذا التفاوت الهائل في حصّة الانبعاثات يزداد حدّة إذا أخذنا في الحسبان الأماكن التي تُستهلك فيها السلع لا أين يتم إنتاجها. على سبيل المثال، الصين هي أكبر منتج في العالم للسلع الصناعية، لكن الصين هي أكبر مصدّر في العالم لهذه السلع أيضاً وخصوصاً للولايات المتحدة الأميركية، أوروبا الغربية واليابان. بناءً عليه، فإن المستهلكين في هذه الدول هم مسؤولون أيضاً عن قسم كبير من حصّة الصين من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
لقد أدّى التقسيم الإمبريالي للعالم إلى اقتصادات مصنّعة للسلع في «الجنوب» واقتصادات مستهلكة لها في «الشمال» إلى انزياح وتكثف لتلوّث الهواء والماء والتربة في الجنوب العالمي. نتيجة لذلك، باتت تبعات التغيّر المناخي من أعاصير وجفاف وفيضانات أكثر في القسم الفقير من العالم منها في الدول الغنية منه. بحسب الكاتب، ليست هناك إمكانية لحل المسألة البيئية ومشاكل المناخ بعيداً عن مسألة الإمبريالية.

أزمة مثلّثة الرؤوس
يخلص الكاتب إلى أن الرأسمالية تواجه ثلاث أزمات؛ أزمة مالية زادت من حدتها كلفة مواجهة الكورونا. أزمة سياسية؛ حيث إن المؤسسات العالمية التي كان من المفترض أن تنظم الرأسمالية العالمية يتراجع تأثيرها بفعل احتدام القومية والتنافس. وأزمة مناخية تتسبب بكوارث واسعة النطاق.
كذلك يخلص الكاتب إلى أن القاسم المشترك للانتفاضات التي نشهدها حول العالم أيضاً يتمثّل بالافتقار إلى رؤية لما يريده المجتمع كبديل عن الوضع القائم، فضلاً عن الاستراتيجيات والتنظيم لتحقيق هذا الهدف. تساعد وسائل التواصل الاجتماعي على إيصال الامتعاضات وعدم الرضى، لكنها تواجه صعوبة في دفع الاحتجاجات إلى ما هو أبعد من التظاهرات في الشوارع.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام