في عام 2020 خسر الاقتصاد العالمي وظائف تُقدر بنحو 114 مليون وظيفة بسبب جائحة كورونا. محلياً، لا نعرف حجم الخسارة بعد، لكنّ الأكيد والثابت أن حجم الخسارة هائل جداً، لأن جائحة كورونا تزامنت مع انهيار مالي - نقدي - مصرفي - اقتصادي. تقديرات منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة العمل اللبنانية تشير إلى أن معدلات البطالة ارتفعت من 11.3% في عام 2018 إلى 18.5% في عام 2019، ثم قفزت إلى 36.9% في عام 2020، وستبلغ 41.4% في عام 2021.

قبل ذلك، كانت سمات البطالة في لبنان، بحسب آخر تقارير إدارة الإحصاء المركزي، على النحو الآتي:
- هناك قوى عاملة عددها 1,794,000، منها 1,590,400 يعملون من بينهم 55% يعملون بشكل غير نظامي، مقابل 45% يعملون بشكل نظامي.
- بطالة الشباب هي الأعلى. كانت تبلغ في عام 2018 نحو 23.3%، لكنها ترتفع عند فئة الشباب الذين يحملون شهادات جامعية إلى 35.7%.
- تتركّز البطالة بشكل أساسي في مناطق عكار والجنوب والبقاع الأوسط وعاليه.
- غالبية القوى العاملة تعمل في وظائف متدنية القيمة.
- هناك قسم كبير من القوى العاملة يعمل من دون أي نوع من أنواع الحماية الاجتماعية.
- نسبة عالية من بطالة النساء.
كلّ هذه المؤشرات تفاقمت في عام 2020، وستتفاقم أكثر في السنوات التالية. فتقديرات منظمة العمل الدولية عن البطالة التي حصلت عليها «الأخبار»، تذكر بشكل مطلق ارتفاع معدلات البطالة من دون أي تفاصيل إضافية. لكن من الواضح أن ارتفاع معدلات البطالة سيكون ناجماً عن خسائر ضخمة في عدد الوظائف التي سوفرها الاقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى إغلاق المؤسسات أو جنوحها نحو تقليص أعبائها من خلال الصرف من العمل.
حتى الآن، هناك معلومات عن أن القطاع المصرفي يعتزم صرف أكثر من 6 آلاف موظّف. فضلاً عن مئات العمال الذين صُرفوا في السنة الماضية. فإحصاءات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي منذ مطلع 2020 ولغاية شباط 2021، تشير إلى أن صافي عدد الخارجين من سوق العمل بلغ 40 ألفاً. ويتعزّز هذا الرقم بإحصاءات الاستخدام والترك التي تشير إلى أن نسبة ترك العمل إلى الاستخدام (الاستخدام النظامي المصرّح عنه للضمان الاجتماعي) قفزت من 100% في عام 2019، إلى 191% في عام 2020. وهذا الرقم مرشح للارتفاع أكثر نظراً إلى إقفال المؤسسات (الإقفال كان سببه جائحة كورونا)، وتكدّس طلبات الصرف من العمل في صندوق الضمان.
بمعزل عن تعريفات البطالة التي تتباين بين مؤسسة وأخرى، إلا أن أرقام منظمة العمل الدولية عن حجم البطالة في لبنان، تشي بأن أكثر من 700 ألف شخص سيخسرون وظائفهم في نهاية 2021، وأن النموذج الاقتصادي المنهار في لبنان لن يكون قادراً على استيعاب قسم منهم على الأقل، أو استيعاب الوافدين الجدد إلى العمل. أصلاً من سمات الاقتصاد اللبناني ضعف قدرته الاستيعابية في هذا المجال.
كذلك، هذا يعني أن العدد الكبير من الذين خسروا وظائفهم، أو الذين سيخسرونها في الأشهر المقبلة، هم من العاملين في القطاع غير النظامي، أي من الذين لا تتوافر لهم أي حماية اجتماعية في مجالات الصحة والتقديمات العائلية وبدلات النقل والعطل السنوية… لكن المنظمة لا تكتفي بذلك، بل تشير إلى أنه في أفضل الأحوال (السيناريو الأكثر تفاؤلاً) لن تتراجع معدلات البطالة في نهاية 2030 عن 23%.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن هناك عدداً كبيراً من القوى العاملة سيهاجر إلى خارج لبنان، فإن زيادة البطالة إلى هذه المعدلات، تدلّ على حجم الكارثة الاجتماعية التي ستصيب المجتمع اللبناني.
رغم كل ذلك، وجد أصحاب العمل فرصة لتحقيق مكاسب على حساب العمّال. هم لا يتفاوضون على تصحيح الأجور، أو على أي آلية أخرى من شأنها تعويض القدرة الشرائية للمقيمين، بل يسعون إلى الغاء الفقرة (و) من المادة 50 من قانون العمل التي تنظّم إلى حد ما الصرف من العمل وتميّز بين الصرف الاقتصادي والصرف التعسفي. ففي اجتماع عُقد أخيراً في وزارة العمل، تبيّن أن مطلب أصحاب العمل إلغاء هذه المادة. رغبتهم مدعومة بالبنك الدولي الذي يعتقد أن إنشاء شبكة أمان اجتماعي يجب أن يتزامن مع منح مرونة وحريّة أوسع لأصحاب العمل. أصحاب العمل، وهم رأسماليون شركاء مع قوى السلطة في الحكم، لا يريدون تصحيحاً عادلاً لنتائج الانهيار، بل يريدون تصحيحاً لمصلحتهم وفق أسس نيوليبرالية. للمفارقة تأتي هذه النتائج والمفاوضات الدائرة حول شبكة الأمان الاجتماعي برعاية البنك الدولي، في مناسبة عيد العمال.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام